قدوة في الحرص على العلم، ومضرب للمثل في الإرادة والتحدي، تجلس على مقاعد الدراسة دون أن تكترث لنظرات المحيطين بها تعجبا من إصرارها على التعلم في هذا السن، ارتيادها للمدرسة يعطي مثالا حيا على أن الظروف قد تعوق المرء ولكن لا تقتل الحلم في داخله ولو انقضت السنون. أم عمرو في العقد السادس، امرأة مكافحة تصدت للزمن بالصبر، وعكفت على رعاية زوجها وتربية أبنائها فهي أم لدكاترة وطبيبة ومهندسين وطالبة في الصيدلة، ومع ذلك لم يخبوا حلمها بإتمام تعليمها بل كانت تشعل جذوته بين الحين والآخر حتى وصلت للصف الثالث ثانوي. بادرناها بالسؤال حول الأسباب الكامنة وراء إصرارها على التعلم في هذاالسن فقالت: «محبتي للعلم دفعتني للدراسة وعلى الرغم من كوني درست في سن متأخرة وعلى مراحل متقطعة إلا أني لم أحد عن هدفي في استقاء العلم كلما سنحت الفرصة». وأضافت: «من المتعارف عليه أن المجتمع في تلك الحقبة لم يكن يعطي تعليم الفتاة اهتماما كبيرا وفي ذاك الزمن كانت الفتاة ترزح تحت وطأة المفاهيم الضيقة التي تؤطر دورها وتحصره في الزواج وتربية الأبناء، ولم يكن حرمانهن من التعليم مقتصرا على أفراد وإنما كان مفهوما عاما فجذر القناعة المشتركة بين الآباء بعدم أهمية التعليم للفتاة كان ممتدا، وأقصى كثيرات عن ركب التعليم بحجة أنه لم يكن مهما ويكفي أن تدرس الفتاة كتاب الله فقط، ووالدي لم يكن يرحب بفكرة التعليم العام وهو أمر طبيعي لمن كان يعيش في ذلك الزمن، ولكن كانت الرغبة موجودة في داخلي وهي حلم يداعب خيالي لم يتضاءل مع السنيين ولم يتوارى خلف تقدمي في العمر فالمتغيرات في حياتي تعددت ولكن حب التعلم كان راسخا. تزوجت في سن مبكرة وكنت أحلم بأن ألتحق بالمدرسة ولكن زوجي كان يتبنى ذات المفهوم الذي تبناه والدي على الرغم من أنه تولى منصبا عاليا ومع ذلك لم يوافق على أن ألتحق بالمدرسة ولكن مع الإصرار والإلحاح لسنوات وافق فالتحقت بمحو الأمية وتخرجت ومكثت في المنزل لتربية الأبناء والقيام بشؤون زوجي ولكن كان حلم الدراسة مثل (الرحى) يدور في رأسي فصارحت زوجي بذلك ولكنه مانع ومع إلحاحي الشديد وافق فالتحقت بمتوسطة أهلية لمدة سنة ونصف وانتقلت بعدها للتعليم العام بنظام الانتساب، وبعد فترة من الزمن سمعت عن مدرسة للكبيرات فالتحقت بها وحاليا أدرس بالصف الثالث ثانوي، ولا أنسى أن أذكر لكم أني قبل ذلك التحقت بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم».