ربما لا يخلو بيت من بيوتنا، وبخاصة تلك التي تضم العديد من الأفراد، من سائق أجنبي، أو خادمة أجنبية. بعض هذه الأسر بحاجة حقا للسائق أو الخاصة، والبعض الآخر يستجلبها من باب «الوجاهة» و«الأبهة»، بل قد نجد في البيت الواحد أكثر من سائق، وأكثر من خادمة. وهذه الظاهرة لها جوانب سلبية عديدة على الأسرة السعودية، فقد يكون السائق على غير خلقٍ قويم، ونحن نأتمنه على أطفالنا ونسائنا، كما قد تكون الخادمة كذلك، وقد أوكلت إليها المرأة السعودية كثيرا من وظائف الأمومة التي هي في اعتقادي مما تفتخر به المرأة في كل مكان، فإذا فتح الطفل عينيه صباحا وجد أمامه الخادمة، وعندما يخلد إلى نومه يجدها إلى جواره. أما وقد أصبحت هذه الظاهرة من ضروريات الحياة المعاصرة عند كثير من الأسر، بحيث باتت «شرا لابد منه»، فإنها مازالت، رغم بروزها على الساحة الاجتماعية، ومن زمن ليس بالقريب، تحتاج إلى «ضبط» و«تنظيم» و«ترشيد» و«تقنين»، بحيث لا يترك الحبل على الغارب، «لكل من أراد». كثيرون منا يعانون من «هروب» السائق بعد وصوله بأيام أو شهور، وضياعه بين أمواج البشر المقيمين في البلاد، والطامة الكبرى في هروب الخادمات، لما يشكله وجودهن من غير رقابة إلى مساوئ ومفاسد أخلاقية واجتماعية في الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وكثيرا ما سمعنا بعصابات يقودها من أبناء جلدة الخدم. قد نعاني كثيرا من أجل توفير تأشيرة لاستقدام سائق أو خادمة، بل قد يضطر البعض إلى الالتفاف على الأنظمة والقوانين، بل وأن يسلك طرقا غير شرعية، حتى يحظى بهذه التأشيرة أو تلك، وما أن يظفر بالمراد، حتى يفاجأ بهروب سائقه أو خادمته دون سابق إنذار. هروب هؤلاء له أسبابه التي نتحملها نحن بالدرجة الأولى، فلا ألوم سائقا مجهولا، أتانا من مجتمع مخالف لنا في الدين والعادات والتقاليد، ولا ألقي التبعة على خادمة مجهولة النشأة، مخالفة في كل شيء. ومن العجيب أن أنظمتنا تدقق كثيرا في استقدام الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وغيرهم، ممن هم من المفترض على قدر من العلم والثقافة والخلق، ونطلب منهم شهادات الخبرة، بل وتزكية البعض لهم وموافقات جهات عملهم، وهذا أمر جميل جدا أن يحدث، لنجلب أجود المستوى ليفيد مجتمعنا، لكن تجدنا نتهاون عندما نستقدم طائفة السائقين والخادمات، مع أني أرى في هذه الطائفة خطورة أكثر مما يمثله «أستاذ جامعي» أو «طبيب» أو «مهندس». نحن نكل أمر استقدام السائقين والخادمات لمكاتب كل همها أن تربح، ولا يمكن لنا محاسبتها إذا هرب السائق أو هربت الخادمة، وربما نقبل بنوعيات «متدنية» في خبراتها، بل وأخلاقياتها، طبقا للبلاد التي قدموا منها، ونعرف عنها «التحرر» و«الانفلات» لمجرد أن هؤلاء «أرخص» و«أقل تكلفة»، إذا ما جاؤونا من بلاد أخرى تنظم قوانينها عمل تلك الطوائف. نحن نتحمل أيضا هروب هؤلاء، فبعضهم، وبعضهن، يهرب من سوء المعاملة أحيانا ولا ننكر هذا، أو تحميلهم فوق طاقاتهم. وعلى أي حال، نحن لا نضع «المصلحة العامة» فوق مصالحنا الشخصية، عندما نفكر في استقدام العمالة الأجنبية، ونحتاج إلى إيقاظ الواعز الأخلاقي بداخلنا، وإنهاض ضمائرنا التي قد تغفو قليلا ، كما أننا نحتاج إلى تفعيل القوانين وتطبيقها بحزم وشدة على «الهاربين» وعلى تلك المكاتب التي تقوم باستجلاب هؤلاء دون اختيار وتدقيق وتمحيص. ولعل أبسط ما يمكن أن نواجه به هذه الظاهرة الخطيرة، هو أن نرفض تشغيل أي سائق أو خادمة، دون الرجوع إلى كفيله ومن استقدمه، ونطالب في الوقت نفسه بتوقيع العقوبات الرادعة. على هؤلاء الهاربين، ومن آواهم ورضي بتشغيلهم، فمن خان أخاك بالأمس، سيخونك حتما في الغد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة