رئيس مجلس الوزراء العراقي يصل الرياض    آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    492 ألف برميل وفورات كفاءة الطاقة    «زراعة القصيم» تطلق أسبوع البيئة الخامس «تعرف بيئتك».. اليوم    الرياض.. عاصمة القمم ومَجْمَع الدبلوماسية العالمية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    القتل ل «الظفيري».. خان الوطن واستباح الدم والعرض    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    تجربة سعودية نوعية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    انطلاق بطولة الروبوت العربية    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    فيتور: الحظ عاند رونالدو..والأخطاء ستصحح    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    سلامة موقع العمل شرط لتسليم المشروعات الحكومية    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 02 - 12 - 2010

«أم محمد» سيدة مسنة، توجهت إلى المحكمة الجزئية في جدة لرفع قضية عقوق ضد ابنها الذي تهجم عليها وحاول ضربها، ليحكم عليه بالسجن جراء الجريمة التي اقترفها، والتي تخالف الشرع والقيم والمروءة والأخلاق الحميدة.
أم محمد واحدة من 120 أما وأبا يتوجهون شهريا لمحاكم جدة لرفع قضايا عقوق ضد أبنائهم المتمردين، خصوصا أن القانون يعتبر أن الاعتداء على أحد الوالدين بالضرب من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف ما لم يحصل تنازل.
هذا الازدياد المضطرد في حالات العقوق دفع المحكمة الجزئية في جدة بمناشدة الجهات الأكاديمية والهيئات المختصة ومؤسسات المجتمع المدني إلى دراسة وتشخيص هذه الظاهرة والحد منها قبل تفشيها.
وقد علقت محكمة جدة الجرس بإعلانها تسجيل زيادة ملحوظة في قضايا العقوق بنسبة 20 في المائة في العام الجاري، موضحة أن مكتب قاض واحد تلقى 14 دعوى عقوق من آباء ضد أبنائهم، متهمين إياهم بعدم الطاعة، والتلفظ على الوالدين، والتهجم، ومحاولات الاعتداء، فيما بلغ متوسط عدد قضايا العقوق لدى كل قاض في المحكمة الجزئية في جدة ومحكمة الأحداث سبع قضايا عقوق في الشهر الواحد، ويبلغ متوسطها في الشهر الواحد 120 قضية، وما مشكلة سمر البدوي مع والديها ببعيدة الذكر عن الرأي العام.
هذه الأرقام تثير الغرابة والدهشة معا، كونها تحصل في بلاد الحرمين وضمن مجتمع إسلامي يعلم فيه النشء بر الوالدين وخطورة عقوقهما في المسجد والمدرسة ووسائل الإعلام، مما يعني أن هناك خللا ما في طبيعة الرسالة الموجهة أو آلياتها وقنواتها الموصلة.
«عكاظ» فتحت هذا الملف الشائك وتساءلت عن أسباب تنامي قضايا العقوق في محاكم جدة، وهل وصلت لحد الظاهرة، وهل النسبة متماثلة مع المحاكم الأخرى في باقي مناطق المملكة؟. واستقصت عن دور الجهات المعنية من الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية والشورى والجهات الأكاديمية ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وجمعية حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها في حل هذه المشكلة عبر الجهود المنوطة بها، إضافة لدورها في إعداد الدراسات والأبحاث العلمية، كما بحثت مكامن الخلل في الوسائل المستخدمة لتوجيه الرسائل التوعوية، وخلصت إلى التوصيات المقترحة للحد من المشكلة في سياق التحقيق التالي:
بداية يؤكد القاضي في المحكمة الجزئية في جدة الدكتور محمد الموجان أن النسبة التي تستقبلها المحكمة في جدة مرتفعة خصوصا خلال العام الجاري، مبينا أنه لا يمر أسبوع إلا وتمر قضية أو قضيتان عليه، وأرجع الموجان أن معظم حالات العقوق ضد الأمهات والآباء تأتي من أبناء مدمنين للمخدرات والمسكرات أو يعانون من ضيق ذات اليد والبطالة وعدم وجود وظيفة مما يحوله لعالة على أمه وأبيه، الذين قد يعانون من مشاكل عديدة وإذا لم يستجيبوا لمطالبه المادية فإنه قد يتطاول عليهم بالسب أو الضرب.
وحصر الموجان الفئة العمرية العاقة التي ترفع ضدها القضايا ما بين 17 إلى 30 عاما، وعد الموجان الأمراض النفسية والاكتئاب والضغوط الحياتية والبطالة من أهم الأسباب التي يبرر بها الأبناء عقوقهم لآبائهم.
وبين الموجان أن القضاة يبذلون جهدهم لحل القضايا وديا، مشددا على أن معظم الحالات تنتهي بتنازل أحد الأبوين عن سجن ابنه بعد الحكم، مستذكرا قضية سيدة تقدمت بتنازل عن ابنها العاق المسجون ليصوم معها في شهر رمضان الماضي.
الحل الودي
وذكر الموجان أن القضاة يجتهدون في حل هذه القضايا والحد منها من خلال نصح الشباب وتذكيرهم بخطورة العقوق وفق ما جاء في الكتاب والسنة، إضافة لمحاولة توظيف الشباب وإيجاد مصدر رزق لمن يعانون البطالة.
ورفض الموجان القول بأن النسبة الكبرى من قضايا العقوق تقع من غير السعوديين، بقوله «معظم القضايا ضمن شريحة السعوديين بل إن نسبة السعوديين في ازدياد مستمر ونحن نغفل عن ذلك، لذا علينا التنبه ودراسة هذه الإشكالية ومحاصرتها قبل أن تنتشر بشكل أكبر».
ولاحظ الموجان أن قضايا العقوق ضد البنات قليلة قياسا بالقضايا المرفوعة ضد الأولاد، وأرجع أسباب عقوق البنات إلى عضلهن من قبل آبائهن والسيطرة الذكورية في المنزل، ونفى الموجان تشابه نسبة العقوق بين محاكم جدة وباقي محاكم المملكة، مبينا عدم معرفته بذلك.
وهنا يوضح رئيس المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور صالح آل الشيخ أن قضايا العقوق التي ترد إلى محكمة الرياض ليست قليلة لكنها لا تقارن بالرقم الكبير لمحكمة الرياض، مضيفا «توجد قضايا عقوق لكنها ليست بالرقم الكبير وتتمثل في عدم الاهتمام بالوالدين وإهمالهم والتلفظ عليهم، لكنها نادرا ما تصل للاعتداء الجسدي».
وأرجع آل الشيخ أسباب هذه القضايا إلى تعاطي الأبناء العاقين للمخدرات والمسكرات أو رغبة الابن بالاستقلال في حياته، فتصطدم تلك الرغبة بإرادة الأب الذي يريد أن يكون الابن تحت جناحه، مما يولد ردة فعل من الابن تجاه والديه، وعد آل الشيخ عدم الإنفاق على الوالدين أحد أهم الأسباب لعقوق الأبناء لآبائهم إضافة لوجود فجوة بين الآباء والأبناء تساهم في حصول العقوق.
أسباب العقوق
ولم يذهب المستشارون الأسريون بعيدا عن رأي القضاة في تحليل أسباب ارتفاع قضايا العقوق في المحاكم بخلاف ما يحدث في المنازل من مشاكل بين الآباء والأبناء تحمل في طياتها قضايا عقوق لا تصل إلى أروقة المحاكم، وهو ما أكده رئيس لجنة التكافل الأسري في إمارة المنطقة الشرقية والمستشار الأسري الدكتور غازي الشمري، مبينا أن العديد من قضايا العقوق تصلهم في الإمارة بمعدل أربع إلى خمس قضايا في الشهر الواحد، مضيفا «عندما افتتحنا اللجنة في الإمارة لم نكن نتوقع أن تصلنا قضايا عقوق بهذا العدد، لأننا كنا نظن أن اللجنة ستعالج قضايا العنف والابتزاز وغيرها من القضايا الأسرية الشائكة».
ورأى الشمري أن سبب كثرة هذه القضايا يعود لضعف الوازع الديني عند الأبناء، والإعلام الفاسد الذي يصور حرية الشباب دون التقيد بدين أو عرف أو احترام لأم وأب واتباع نماذج غربية متحررة تغذي ثقافة تمرد الأبناء على الآباء، وبين الشمري أن سلوك العقوق هو سلوك دخيل على بلد إسلامي، فهو صنيعة إعلامية غربية، ولاحظ الشمري أن هناك فجوة كبيرة بين المشايخ ووسائل الإعلام ساهمت في انعدام وجود حوار يساهم في حل كثير من المشاكل الاجتماعية مثل العقوق.
وأشار الشمري إلى أنه مهما بذلت من جهود من قبل المدرسة والمسجد في التوعية بخطورة العقوق، فإن هناك وسائل حديثة تهدم ما يبنى في البيوت والمدارس والمساجد.
آثار سلبية
وبين الشمري بعض الآثار السلبية للعقوق في المجتمع من انعدام البركة وانتشار الجرائم، مؤكدا على أن معظم المجرمين ومدمني المخدرات والإرهابيين هم عاقون لآبائهم وأماتهم، بل إن بعضهم وصل به الحال لمحاولة تفجير أبويه بحزام ناسف إذا وقف في طريقه.
واتفق عضو لجنة إصلاح ذات البين المستشار والداعية الدكتور علي المالكي مع ما جاء به الشمري عن خطورة العقوق على المجتمع، مؤكدا على مسألة تناميه من خلال ما يصلهم من قضايا في اللجنة والتي تصل أحيانا للقتل وبعضها إلى تشريد الأسر وتشتيتها، مبينا أنهم في اللجنة يعملون جادين في مناصحة الأطراف وخصوصا الشباب وتذكيرهم بالله تعالى، وربما تحتاج بعض القضايا إلى إحالتها للجهات المعنية لاتخاذ اللازم وذلك لاستفحالها.
وحمل المالكي الإعلام مسؤولية تفشي العقوق في المجتمع قائلا «من الأسباب عدم تبني الإعلام لإيجاد صور تربوية تحيي مثل هذه المبادىء لدى أبنائنا من المشاهدين وغياب الصورة والدور الذي يجب أن يكون عليه إعلامنا، بل إنه مع الأسف أصبح الإعلام معول هدم لكثير من ثوابت الأمة».
وانتقد المالكي بعض خطباء المساجد الذين اشتغلوا بمواكبة قضايا العالم ونسى أهم قضية وهي قضية مستقبل أبنائنا في البر والوفاء مع الوالدين، وواصل المالكي هجومه على بعض المعلمين الذين حملهم جزء من المسؤولية، فهم كما وصفهم آلات مبرمجة يعشقون ساعة الانصراف دون أن يحملون لواء الدعوة إلى الله وإصلاح المجتمعات.
ولي الأمر
واعتبر المالكي، أن ولي الأمر الملك عبد الله بن عبد العزيز، ضرب أروع الأمثلة في صور البر بوالديه وذلك من خلال تسمية كثير من المشاريع الخيرية والجامعات العلمية باسم والديه؛ حتى لا ينساهم التاريخ من الدعاء والوفاء.
وشدد المالكي على أنه لا يوجد ناجح ولا موفق إلا وله سر في البر.
واختلف مدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية السابق والمستشار الأسري الدكتور علي الحناكي مع رأي سابقيه، في تحميل مسؤولية تنامي قضايا العقوق للآباء والأمهات بإهمالهم لأبنائهم وانشغالهم عنهم وعدم منحهم الحب والاحترام والعاطفة والاهتمام، مضيفا «يظن بعض الآباء والأمهات أن مسؤوليتهم تنحصر في تأمين المأكل والمشرب والحاجات المادية فقط، متناسين الحاجات المعنوية والعاطفية والنفسية للأبناء والتي تعد أكثر أهمية».
وشدد على وجود آباء وأمهات لا يتحملون مسؤوليات أبنائهم، بالتالي ينشغل الأبناء بوسائل التقنية الحديثة «كاللابتوب والبي بي» ويخلق له عالما خاصا بعيدا عن أبويه وبالتالي فإن العلاقة بين الطرفين تتقلص فلا يهتم الأب بابنه أو ابنته ومع من يجلس ويتحدث، وعند وجود أية مشكلة تجد ردة الفعل من قبل الأبناء تجاه أبويهم نتيجة الإهمال الأسري والحرمان العاطفي.
ولاحظ الحناكي أن هذه المشكلة تتكرر في بيوت الأكاديميين والمتعلمين وليس الأسر بسيطة التعليم فقط، مشددا على أن غياب الحوار في المنزل واستقلالية الأبناء أحد أبرز العوامل في ظهور قضايا العقوق، إضافة للطمع المالي فيما يملكه الأب أو الأم من مال.
رقم كبير
وأشار الدكتور علي إلى أن المسؤولية مشتركة في الحد من ازدياد قضايا العقوق بين وسائل الإعلام والجهات التربوية والإرشادية وحتى مراكز الأحياء والعمد والذين يجب أن يكون لهم دور من خلال ملاحظتهم لبعض القضايا في أحيائهم ومحاولة حلها بشكل ودي، معتبرا وصول الرقم إلى 120 قضية في الشهر رقما كبيرا يحتاج إلى مراجعة لمعرفة الأسباب وحلها.
لكن المشرف على كرسي الحسبة وقضايا الشباب في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور نوح الشهري، يرى أنه لا يمكن الجزم بأن المشكلة كبيرة إلا من خلال دراسات علمية وبحثية تقارن عدد حوداث العقوق التي تحدث في المملكة بشكل عام مقارنة بعدد السكان وطبيعة القضايا؛ حتى يحكم على المشكلة بأنها ظاهرة أو مجرد حالات شاذة، نافيا أن تكون مشكلة العقوق ظاهرة في المجتمع السعودي، مرجعا إنتشار هذه المشكلة وكثرتها في المحاكم في الآونة الأخيرة إلى الانفتاح الإعلامي والمجتمعي، إضافة لوجود الشبكة العنكبوتية والفضائيات والتي جعلت الأبناء يعيشون في عزلة اجتماعية عن أبويهم وعن المحيط من حولهم، بعيدا عن الأجواء الأسرية المثالية المسكونة بالإحساس، الاهتمام، العطف، الحنان، والمحبة فيحاول الأبناء اللجوء للعلاقات المحرمة والانحراف والمحصلة النهائية هي الخلاف مع الأبوين الذي قد ينتهي بحدوث العقوق.
لكن رئيس اللجنة الاجتماعية والأسرة في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري فضل تحميل المسؤولية للانفتاح المجتمعي المبالغ فيه، مشيرا إلى أن المجتمع لم يعد كما كان في السابق واختلطت الأعراف والعادات الاجتماعية السعودية القائمة على تعاليم الدين واحترام الأسرة بالعادات والتقاليد التي جلبتها العمالة الوافدة، مضيفا أن مشاكل الحياة الاقتصادية المعقدة مع قلة الوزاع الديني والأخلاقي دفعت العديد من الأبناء للتمرد على آبائهم، «وحصلت الكثير من قضايا العقوق التي نسمع عنها ونراها على صفحات الصحف»، محملا عدم تحمل المسؤولية من قبل الآباء جزء من المشكلة.
تحميل المسؤولية
واعترف الدكتور بكري بعدم تطرق مجلس الشورى لمناقشة هذه المشكلة رغم ضخامة الرقم الذي أعلنته محكمة جدة الجزئية، قائلا «نناقش العديد من قضايا الشباب، لكن للأمانة فإن تنامي قضايا العقوق لم نتطرق له ولم نناقشه بالشكل المطلوب، لكن ربما يكون أحد المواضيع المناقشة إذ دعت الحاجة لذلك»، واعتبر الدكتور بكري أن المشكلة لم تصل لدرجة الظاهرة، محملا جميع الجهات المعنية مسؤولية تنامي القضايا وكثرتها.
وأمام اعتراف بكري بقصور الشورى في مناقشة القضية وتحمل الجهات مسؤولية تناميها، بدورها أنبرت الجهات بالدفاع عن جهودها في تكريس مفاهيم البر ومحاولة محاصرة المشكلة قبل استفحالها بكل الوسائل المتاحة، فوزارة الشؤون الإسلامية على لسان رئيس لجان تقييم الأئمة والخطباء في فرعها في الرياض الدكتور عزام الشويعر برأ خطباء المساجد من تهمة القصور، مبينا أن خطباء المساجد في المملكة يقومون بدورهم بالتوعية ببر الوالدين والتنبيه من خطورة العقوق، فلا يكاد تمر خطبة في مسجد في المملكة إلا ونجد فيه خطبا تتحدث عن خطورة العقوق مستمدة منهجها من الكتاب والسنة والقصص الواقعية المستمدة من الحياة، والبعد عن القصص الخيالية.
ولفت الشويعر إلى أن الوزارة نبهت على الائمة باستخدام أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم، بالترغيب ببر الوالدين والترهيب من عقوقهم، وأشار الشويعر إلى أنه ضمن منهج كل خطيب في خطبهم كل عام التحدث على مواضيع العقيدة والتوحيد أولا ومن ثم بر الوالدين في المقام الثاني، وأكد الشويعر على أن الوزارة تنبه على الخطباء في الدورات التي تعطى لهم بضرورة الحديث عن حقوق الله سبحانه وتعالى، ومن ثم الوالدين وكذلك حق الأبناء على الآباء، «ونعلهم الطريقة المثلى لإيصال الرسالة بشكل بسيط ومحبب ومقبول لدى كل فئات المجتمع».
الدور التربوي
ولم يكن موقف دور وزارة التربية والتعليم إلا مشابها لدور الشؤون الإسلامية بالدفاع عن دورها من خلال مدير عام التوجيه والإرشاد عبد الكريم بن سليمان الجربوع الذي بين أن الوزارة لها دور في الحد من تنامي قضايا العقوق، من خلال نقاط ثلاث؛ المناهج الدراسية التي تتضمن موضوعات عن بر الوالدين واحترامهما وتقديرهما، وتنظيم معظم المواد الدراسية والأنشطة المصاحبة لها في جميع مراحل التعليم، إضافة لوجود القدوة الصالحة في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
وبين الجربوع أن دورالتوجيه والإرشاد يتمثل من خلال لجنة التوجيه والإرشاد في المدرسة، إضافة للدور الذي يقوم به المرشد الطلابي وقائيا وإنمائيا في توعية الطلاب نحو البر بوالديهم، وكذلك من خلال البرامج التدريبية الموجهة للطلاب حول تنمية الشخصية وأهمية احترام الوالدين، لما لهما من شأن عظيم وقدر جليل في ظل تعليم وقيم ديننا الإسلامي التي تحث على ذلك وبناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين، ومن خلال برامج التوعية الإسلامية والنشاط الطلابي في هذا الجانب بما يعزز التنشئة الدينية والاجتماعية لدى الطلاب.
الدور الإعلامي
واعتبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام عبد الرحمن الهزاع أن دور الوزارة ليس كافيا للتقليل من قضايا العقوق وانتشاره في المجتمع، مشيرا إلى أن الوزارة ترصد مثل هذه المشاكل وتلقط الإشارات الدالة على وجود مشكلة ما في المجتمع ومن ثم تحاول أن تعالجها عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة.
وشدد الهزاع على أن مناقشة مسألة تنامي قضايا الطلاق في المجتمع بحاجة لأن تكون ردة الفعل عليها بحجم المشكلة، وذلك لن يأتي إلا عبر دراسات علمية تعطي مؤشرات هل نحن سائرون في الطريق الصحيح؟.
ولفت الهزاع إلى أن الوزارة تتحمل مسؤولياتها كاملة بتوعية المجتمع بخطورة العقوق والطرق المؤدية له عبر قنواتها التسع وإذاعاتها وجميع الصحف المحلية. ودعا الهزاع جميع الجهات لحل المشكلة، فالقضية تكاملية خصوصا أن الرقم يعتبر عاليا.
الدور الاجتماعي
واعتبر مدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة عبد الله آل طاوي أن قضايا العقوق التي تأتيهم في فرع الوزارة في مكة قليلة ونادرة ولا تشكل ظاهرة، وغالبا ما تكون عن طريق لجنة إصلاح ذات البين، مبينا أن الوزارة لديها مستشارين وباحثين يقومون بعمل دراسة عن المشكلة ووضع حلول عاجلة لها، وحلها بشكل ودي بعيدا عن إيصالها إلى أروقة المحاكم. ولفت آل طاوي إلى أن الوزارة تعالج الابن العاق بحل السبب الذي جعله يعق أبويه، فإن كان مريضا نفسيا يعاني من ضيق ذات اليد فإنه يلحق بالضمان الاجتماعي ويصرف له، وإذا كان مدمنا فإنه يوجه للعلاج، وإذا كان يعاني من البطالة فإنه يساعد حتى يجد وظيفة ملائمة. وأوضح آل طاوي إلى أن المعنفين من النساء الكبيرات اللاتي يتعرضن لعنف من أبنائهن فإنهن يلحقن بدار الحماية حتى تحل مشاكلهن.
واتفق مدير فرع جمعية حقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة الدكتور حسين الشريف مع رأي آل طاوي بأن قضايا العقوق لا تشكل ظاهرة في المجتمع، مبينا أن دور الجمعية يقتصر على التدخل في حال وجود ظلم من قبل أحد الطرفين بحق الطرف الآخر، مشيرا إلى أن الجمعية تدرس القضية وتتبناها في حال ثبت الظلم لرفعه عن الجهة المظلومة، موضحا وجود حالات ينتهك فيها الآباء حق أبنائهم أو العكس، وقد يحكم القاضي بحكم يخالف الحقيقة، فدورنا حينها التدخل ومحاولة إعطاء كل ذي حق حقه.
وشدد الشريف على أن الجمعية تشدد على منع استخدام الأبوين أو الأبناء حقوقهم في رفع القضايا في المحاكم على بعضهم أو استخدام العنف، مطالبا الشؤون الإسلامية والمدراس ووسائل الإعلام بإيلاء مسألة ارتفاع قضايا العقوق أهمية في حلها، إضافة لتعزيز دور الجهات البحثية.
بحوث علمية
بدوره، اعترف عميد معهد البحوث والدراسات الاستشارية في جامعة أم القرى الدكتور سمير بن حسن قاري بوجود قصور من قبل الجهات الأكاديمية في حل المشاكل الاجتماعية، مشيرا إلى أن مسار البحث العلمي في مجال الدراسات الاجتماعية في المنطقة يتضمن احتمالات وفرص تقدم كبيرة، نظرا لجديته وامتلاكه آليات تصحيح ذاتي سوف تنعكس بشكل إيجابي على مساراته في المستقبل، وإن ما يعزز إمكانات تحققها وجود نماذج رائدة وناجحة كنموذج مركز البحوث والدراسات الاستشارية في جامعة أم القرى.
وأشار قاري إلى أن مسؤولية المجتمع العلمي الأكاديمي تبرز في وضع حقل دراسات ظاهرة العقوق على خارطة البحث العلمي الجاد، ما يؤدي إلى زيادة الوعي بمشاكلها، ويؤدي إلى اتخاذ خطوات عملية نحو إنهاء معاناة الكثير من الأسر المسلمة. واشترط قاري أن يكون البحث العلمي في هذا المجال مستوفيا شروط البحث العلمي والتقييم الموضوعي النقدي للظاهرة، ومنتهيا دائما بنتائج ومقترحات عملية مرتبة وفقا لشروط تحقيقها وإمكانياته ومصاغة بلغة واضحة قابلة للتنفيذ أو للترجمة في سياسات وخطط اجتماعية سديدة واقتراح حلول ناجحة، الأمر الذي يتطلب أولا حوارا متصلا ومتواصلا بين الأكاديميين والمؤسسات الاجتماعية والجهات المعنية لصياغة رؤية مشتركة ووضع برامج بحثية على درجة عالية من الواقعية.
من جانبه، أشار مدير عام إدارة الدراسات والنشر في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الدكتور محمد الشويعر أن المركز لاحظ هناك فجوة كبيرة في المجتمع فأطلق مشروع الحوار الأسري، حيث وجد إقبالا كبيرا وحماسا من المجتمع بكافة أطيافه وكان له أثر طيب في ردم الهوة، مما يساهم في تقليل قضايا العقوق.
ولفت الشويعر إلى أنهم في المركز أعدوا دراسة تحت الطبع تحوي أبرز المشاكل الأسرية وغطينا فيها جميع الجوانب، وأوضح الشويعر أن المركز يتعامل مع المشاكل من الجانب الفكري، مشيرا إلى أنهم قد يدرسون قضية ازدياد العقوق في المجتمع إن دعت الحاجة لذلك.
التوصيات
وخلص الباحثون المشاركون في القضية إلى ضرورة دراسة هذه القضايا من قبل الجهات البحثية لوضع الحلول، إضافة لتضافر جهود جميع الجهات المعنية للحد من المشكلة قبل تزايدها، ونشر ثقافة الحوار الأسري في المجتمع، وشددوا على أهمية تعزيز دور المسجد والعلماء والدعاة بالترغيب في البر والترهيب من العقوق، وأكدوا على دور المدرسة والمنهج والأنشطة في تعزيز الانتماء الأسري.
كما شددوا على ضرورة إيجاد حلول لما يعانيه الشباب من بطالة وفراغ ومشاكل حياتية، وتعزيز دور مراكز الأحياء والعمد في احتواء المشاكل الأسرية، وأكدوا على أهمية عمل دورات للمقبلين على الزواج بطرق التعامل مع الأبناء، والتشديد على مسألة تحمل الآباء لمسؤولياتهم تجاه أبنائهم وأداء حقوقهم، والإكثار من الأناشيد والكليبات والأفلام والبرامج في وسائل الإعلام التي تدعو لبر الوالدين وتحذر من العقوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.