هي حالة محيرة فعلا. فالعالم كله شرقه وغربه يشهد بأن إسرائيل هاجمت بقوات، كان رجالها ملثمين، بواخر مدنية كانت تمخر عرض البحر الأبيض المتوسط في المياه الدولية متجهة إلى غزة، لتوصل مواد غذائية وطبية ومواد بناء، لأناس قامت إسرائيل بقصفهم وهدم مساكنهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومصانعهم وملاعبهم، وقتلت الآلاف من أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم، مستخدمة في عدوانها عليهم أحدث تقنيات القتل والتدمير، بما فيها أسلحة محرمة دوليا، ما أكده تقرير اللجنة الدولية. والعالم كله شرقه وغربه أدان هذا الخرق الهمجي للقوانين الدولية، إذ إن دولة إسرائيل لم تنتظر وصول أسطول الحرية إلى مياهها الإقليمية، والتي يعطيها القانون الدولي حق الدفاع عنها، وإنما أعطت نفسها الحق لأن «تتقرصن» في المياه الدولية وتشن هجوما استباقيا فيها. هل خطأ إسرائيل هذا يحتاج إلى «دروس خصوصية» ليفهمه أغبى غبي في هذا العالم ؟!. كل العالم، وحفاظا على السلم والأمن العالميين انتفض ضد هذه الجرأة الإسرائيلية واستهانتها بالقوانين والأعراف الدولية، حتى الدول الغربية المؤيدة والمنحازة لإسرائيل هالها الأمر. ويمكنك أن تسأل لماذا سارعت للوقوف في وجه إسرائيل هذه المرة، وهي التي لم تهتز لها شعرة لمذابح إسرائيل المتوالية في فلسطين من قبل؟. الإجابة تبدو واضحة. لأن الصمت هذه المرة يمس مصالحها، إذ إن السكوت هذه المرة كان يعني التسليم بأن البحر الأبيض «بحيرة إسرائيلية» ، وهذا خط أحمر في استراتيجيات الدول الغربية المطلة على البحر الأبيض. إلا أن المحير في الأمر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تستوعب هذا الدرس وتحتاج، دون دول العالم أجمع إلى «دروس خصوصية» لفهمه، مؤكدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بل وعملت على إجهاض مشروع مجلس الأمن لتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة في الجريمة الإسرائيلية، تحقيقا لرغبة إسرائيل في تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية حول الحادثة، كما جاء على لسان نائب الرئيس االأمريكي جو بايدن، وكما يمكنك أن تتوقع فإن توني بلير (بتاع الرباعية) ذهب نفس المذهب بعد أن أبدى أسفه بالطبع على وفاة بعض الأشخاص في حادث أسطول الحرية !. يمكنك أن تتساءل الآن : لماذا هذا الاستخذاء من دولة كبرى مثل الولاياتالمتحدة تجاه «دويلة» مثل إسرائيل التي يعتمد وجودها عليها ؟!. ألا يبدو لك ذلك غريبا ومحيرا ؟!!. لقد كتبت من قبل في كتابي «نحن وأمريكا» محاولا حل هذا اللغز، إذ إنها المرة الأولى في تاريخ الأمبراطوريات العالمية التي تنقاد فيها إمبراطورية أو دولة عظمى ما إلى مقاطعة أو «دويلة» من توابعها بهذا الشكل الأعمى ومثل هذا الاستخذاء، وتساءلت في ذلك الكتاب عن السبب وراء هذه الظاهرة التاريخية. ولم أجد إجابة سوى تشابه التجربتين الأمريكية والإسرائيلية في محاولة اغتصاب وطن لهما على أرض قوم آخرين وما يستدعيه ذلك من إبادة السكان الأصليين أصحاب الأرض. ورغم هذا يظل السؤال قائما. ولكن إجابته الآن صارت أكثر وضوحا، وتتلخص في: أن ما بين أمريكا وإسرائيل ليس حلفا إستراتيجيا سياسيا عقلانيا. إنه حلف عاطفي/ ميتافيزيقي / لاعقلاني. الكاسب فيه هو العصبة الصهيونية. والخاسر فيه هو الولاياتالمتحدةالأمريكية قلعة الحرية التي خسرت سمعتها وهيبتها ومكانتها ونفوذها العالمي حين أيدت مذبحة «أسطول الحرية».. ولله الأمر من قبل ومن بعد . * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة