الذهب يحقق مكاسب أسبوعية وسط ضعف الدولار    (أوبك +) تقرر زيادة إنتاج ثماني دول لمواصلة دعم استقرار سوق النفط    نادي المسؤولية الاجتماعية يعقد اجتماعاً برئاسة أ. سلطان المنديل لتعزيز المبادرات المجتمعية    حماس: جاهزون للدخول في مفاوضات فورية لتبادل الأسرى    رابطة دوري المحترفين تتولى الرقابة المالية للأندية    باريس سان جيرمان يتغلّب على بايرن ميونخ ويتأهل لنصف نهائي مونديال الأندية    وزير الخارجية يفتتح المبنى الجديد لسفارة المملكة في موسكو    ابن فرحان ولافروف يبحثان تطورات الأوضاع في المنطقة    الزعيم وضع الكرة السعودية في مصاف العالمية    "نيوم"يتعاقد مع الحارس البولندي مارسين بولكا    ظهور نادر للفنان المصري عادل إمام بعد غياب طويل    مبادرة كنوز السعودية تطلق فيلم "الوجهة"    بئر غرس.. ماء مبارك وأثر نبوي خالد    الصدقة في الميزان    في انتظار الطبيب    أمير الشرقية يعزي أسرة الراجحي    نيابة عن أمير الرياض.. أمين المنطقة يحضر حفل سفارة راوندا    الشؤون الإسلامية بنجران تغلق 460 بلاغاً    تنفيذ 19 مشروعًا مائيًا وبيئيًا في جازان ب1.5 مليار ريال    اتفاقية صحية لدعم وتثقيف المصابين بالأمراض المزمنة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُعيد قدرة المشي ل"ثمانيني" بعد ساعتين من استبدال مفصل ركبة    أمين منطقة القصيم يوقع عقد صيانة شوارع بنطاق بلدية الصفراء بمدينة بريدة قرابة ١٧ مليون ريال    محافظ الزلفي يشيد بمستوى التعاون ويكرم القطاعات المساهمة في موسم عيد الأضحى المبارك    جمعية ثقفني وفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة القصيم يوقعان شراكة مجتمعية ضمن فعاليات الملتقى للقطاع غير الربحي في التعليم والتدريب لعام 2025م    27 قتيلا إثر فيضانات تكساس    ماسك يصف القانون «الكبير والجميل» لترامب بمشروع «استعباد الديون»    حرس الحدود يقبض على (6) إثيوبيين بجازان لتهريبهم (138.3) كجم "حشيش"    المنتخب السعودي ينافس (90) دولة في أولمبياد الكيمياء الدولي (2025)    البدء بصيانة جسر خادم الحرمين وتقاطع الملك عبد العزيز بالدمام    ضبط (17863) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق في المملكة    اجمالي أرباح الهلال المالية في مونديال الأندية    فلومينينسي ينهي مغامرة الهلال في كأس العالم للأندية    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الأمل والكفر بالمعروف
نشر في عكاظ يوم 24 - 11 - 2023

كثيراً ما راج الاعتقاد بأن ليس ثمة ما يجمع بين الأدب والسياسة ولا ما يصل بينهما، وفي ما عدا التناقض الرحب والشاسع بين سُبلهما ومآلاتهما فلا وجود لما يتشاركانه، ولذلك ساد ما يشبه اليقين بأنهما لا يقفان على طرفي نقيض فحسب، بل إن حروناً وتجافياً أزلياً ظل قائماً بينهما وسيظل أبداً، ولعل في ذلك ما يمكن الظن بصحته وإنْ ليس على نحو حتمي، فللآداب على اختلاف أجناسها وتعدد فنونها خصوصيتها في التعاطي مع الصراعات الفكرية والحضارية والحروب العسكرية والأزمات السياسية وما يرافقها من أحداث؛ يمتد إلى شفافيتها وتلقائيتها في الحديث عنها وإبداء ما تشعر به حيالها، على عكس السياسة التي تمتلك تنظيماً شعورياً وانضباطاً انفعالياً مذهلاً يظهرها في أكثر مواقفها حدة ووضوحاً على نحو تعتريه الشكوك فلا تبدو أبداً بعفوية الأدب ومباشرته، بيد أن الإنسان كقيمة وغاية يمكن أن يكون الاستثناء الذي يجتمعان من أجله ويلتقيان حوله.
تُبقي الآداب على الأفكار أياً كانت متيقظة ومتأهبة، وتشحذ همة العقل وعزيمة الفكر، وتمدنا بالنور الذي يقينا الظلمة والقيم التي تدفعنا لنبذ الظلم، وتظهر مخالبها للدفاع عن الوطن ولمنافحتها عن الحقيقة، وتمنح السياسة القوة الروحية التي تمكنها من حماية الأوطان والعمل على ازدهارها ونمائها وهي بذلك تستهدف الإنسان، فيما تشير السياسة إلى موضع الخطأ الذي تجترحه العاطفة وتعيد برفقة الآداب تشكيل بُنى الوعي من خلال إبقاء الأوطان الفكرة المحورية التي تنطلق منها الآراء وتنبعث عنها الرؤى وهي بذلك تهدف إلى نماء الإنسان ورفاهيته أيضاً، ولذلك فهما يجتمعان حول الإنسان وبرفقته يجتمعون حول الوطن، ولبلوغ ما يؤمل يحتاج الأدب إلى مخيلة حقيقية فيما تعمل السياسة للوصول إلى حقيقة متخيلة، ولذا فالفكرة السائدة والتصور الرائج عن العلاقة التي تجمع الآداب بالسياسة ليست دقيقة.
يستهل الأدباء حديثهم عن أنفسهم بالوطن ويستعيرون اسمه ليُعرفوا بأنفسهم ومن ثم يستيعنون بمعناه ليصفوا نظرتهم نحو الحياة ورؤاهم وسيرهم الممتدة من انبجاسة القلم الأولى إلى علامة الترقيم الأخيرة، فكل ما يملكونه يبدأ من الوطن ويعبر من خلاله ويعبر عنه؛ قيمهم وقيمتهم، ولطالما كان تجليهم مؤثراً حين يحضر الوطن في نتاجهم، فيبدو ذلك المتجذر في وجدانهم وقد أضفوا عليه من ألقهم وأسبغوا عليه من وهجهم مشعاً وبراقاً، وكذلك تفعل السياسة إبان تعريفها عن نفسها وحين تحمل راية الوطن نحو المراكز العليا على صعيد العالم، ولذلك فالآداب والسياسة على تماس مباشر وعلاقة وطيدة في أي مشروع وطني وليسا متنافرين كما توحي النتاجات الأدبية المضطربة التي ظلت ردحاً من الزمن تتصنع الثورية وتتقمص القومية للتعبير عن عُقدها.
الواقع ألّا حصر للتفاصيل التي تخلق فرادة الأدب وتفرد الأديب ولا حصر أيضاً للأحداث وثيقة الصلة ببراعة السياسي ومهارته في مزاولة السياسة، ولذلك ففي إزاء كل عمل أدبي نابه يُبرز قيمة الوطن، ثمة نجاح لسياسي نابغ يبني سياجاً حوله، ومن أجل هذا يفترض المنطق دعماً أدبياً لا متناهياًَ للعمل السياسي الذي يُبذل لتجاوز مأزق ما أو الظفر بحقٍ مغتصب، والنظر بعينٍ يقظة وعقلٍ فاحص إلى ما يراد به، سيما حين يقع وطن ما تحت نير الاحتلال فيمسي بحاجة إلى من يعينه على استعادة حقوقة.
في الإقليم الأشد اضطراباً على كوكبنا تنشأ الأزمات السياسية بشكل مستمر وتتعقد بسرعة فائقة حتى لا يعود في الأفق ما ينبئ عن سبيلٍ إلى حلها ولا يُرى ما يؤشر إلى ذلك، فتتحول الانفعالات السلبية التي تجتاح الشعوب إلى شعور باليأس ويسود الإحباط وينمو الاعتقاد بأن ما هو على وشك الوقوع كارثي وبأن المنطقة تتجه نحو الدمار، ويُتخيل ألّا وجود لمن هو معني على نحو جدّي بإيجاد الحلول أو الدفع نحو استقرار المنطقة وبالتالي الالتفات نحو تنميتها.
وعلى مساحة أضيق من هذا الإقليم يبدو الأمر أكثر تعقيداً؛ فالصراع الممتد لسبعةِ عقود ونيف يزداد ضراوة واحتداماً والكيان المحتل يمعن في ممارساته الوحشية ضد الشعب الأعزل في الضفة الغربية وقطاع غزة ومع إطلالة كل يوم تظهر حصيلة جديدة لعشرات الأطفال والنساء والشيوخ الذين قضوا بآلته العسكرية، وفيما تُشَيع فلسطين أبناءها يُشِيع هو الفوضى فتتفشى رائحة الدم وينتشر الدخان وتتهدم الأبنية وتجد الأيديولوجيا مناخاً خصباً لمزاولة نزقها فتضطلع المليشيات بأدوار الحكومات وتزايد على مواقف الأصدقاء وتساق خلفها الغوغاء فتخفت الآمال ويضمحل بريقها ويبدو المستقبل سوداوياً.
الحديث هنا ليس عن الدمار واليأس والإحباط ولا عن الخراب الذي يصنعه الكيان ولكنه عن الأمل، عن الضوء الذي يخترق العتمة ويجلو أثرها عن النفوس، وعن الرؤية العظيمة التي تتسع لتشمل دول المنطقة، عن النُبل الذي يرتدي عباءة خليجية والسمو الذي يعتمر شماغاً سعودياً ويواجهه الجحود الأكثر تطرفاً وغرابة من قبل منظمات وأحزاب فلسطينية وعربية؛ ففي إزاء الجحود والنكران والكفر بالمعروف الذي تواجهه المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً مضنية ومضيئة، وتقود مساعي استثنائية لإيقاف الحرب وإعادة الأمل وإنقاذ الشعب الفلسطيني من الظلم الذي يقع عليه غير عابئة بالتعريض الذي يطال نهجها ولا المزايدات التي تستهدف انتماءها، ساعيةً بثبات نحو الوقف الفوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى القطاع المنكوب كامتداد طبيعي لموقفها الثابت من قضية فلسطين، فيما يحجم الكثير من الأدباء الفلسطينيين والعرب عن الاضطلاع بدورهم في المشروع التحرري بما في ذلك تشكيل بنى الوعي ولفت الانتباه للخطر الذي يشكله تفريغ القضية الفلسطينية من عمقها العربي من خلال استهداف الدول العربية المركزية وتغذية الشرخ المتنامي بين مواطنيهم والشعوب الأخرى والتعريض بالمواقف العربية.
قد يصاب الأديب بالضجر عند الحديث عن السياسة بتعقيداتها اللامتناهية وقضاياها المتشابكة، فقد جُبل على البحث عما يُزيح عنه الأسى ويذهب القلق المتراكم في داخله، ولكن ثمة مسؤولية أدبية وأخلاقية تقع على عاتقه تجبره على القيام بدوره وبصرف النظر عن مآلات ما يحدث، فمتى كان الكاتب متيقظ الضمير نابه الحس، جاء نتاجه منصفاً وعادلاً تجاه الآخرين فكيف به نحو من تجمعه وإياه روابط وطيدة ووشائج عميقة؟
إن أنكى ما قد يصيب القلب هو الجحود الذي يزاوله من أسديته صنيعاً وبذلت من أجل تجاوزه أزماته جهداً مضنياً وسخّرت من مقدراتك ومقدرتك الكثير لخدمة قضيته، ولكنه النبل والسمو اللذان ما فتئا يسبغان على المسيء رداء الصفح ويمدان له يد التسامح، والتسامي عن الإخفاقات الأخلاقية، ففي فلسفة السياسة لدى السعوديين، تعد القيم أمراً مقدساً والاستقرار غاية منشودة وازدهار الإنسان وإزهار البلدان هدفاً مشتركاً تمد لتحقيقة يدها إلى كل من يثبت جديته.
النهج السعودي مختلف تماماً عن الأدبيات التقليدية للسياسة بما فيها البراغماتية والمقايضة وهو بطريقة ما صياغة متفردة تماماً للمفاهيم السياسية تنطلق من القيم الإنسانية، وهو -في الآن ذاته- صلب وواثق يستشرف مستقبل الإقليم ويعمل بأناة وحكمة تفوقان ما تملكه دول المنطقة وفي تأريخ هذا الصراع ما يثبت ذلك، ولذلك كانت وما زالت المملكة العربية السعودية الأمل الذي يدرك المنصفون كم هو صادق وآتٍ وأن ما يفعله بعض الأدباء ليس ضرباً من الجحود فحسب ولكنه كفر بالأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.