أمريكا: اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان    أستراليا تقدم الدعم للقضاء على الملاريا    فودين: دي بروين الأفضل في الدوري الإنجليزي الممتاز    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    الأخضر تحت15 يخسر من سلوفينيا في بطولة ديلي نازيوني    مدرب الطائي: سوء الحظ وراء الخسارة أمام الفيحاء    إصابة مالكوم وسالم الدوسري قبل مباراة الهلال والفتح    كيسيه: لم نتوقع صعوبة المباراة.. ولن نفرط في أي نقطة    فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    "زرقاء اليمامة" تعيد الأضواء ل"مركز فهد الثقافي"    "المُحليات" تدمِّر "الأمعاء"    هوس «الترند واللايك» !    مقامة مؤجلة    نار «الأصلية» أم هجير «التشاليح» ؟    492 ألف برميل نفط يومياً وفورات يومية    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    أمير حائل يرفع التهنئة للقيادة نظير المستهدفات التي حققتها رؤية المملكة 2030    سمو وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية قبرص    أمير جازان ونائبه يهنئان القيادة بما تحقق من إنجازات ومستهدفات رؤية المملكة 2030    60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    «ألبرتو بُري» يتجاوز مأساته    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    المملكة تبدأ تطبيق نظام الإدخال المؤقت للبضائع    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    النفع الصوري    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    مساعد رئيس الشورى تلتقي بوفد الكونجرس الأمريكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحربش: الموسيقى سر نجاح الأطباء وعلماء الرياضيات
نشر في عكاظ يوم 19 - 06 - 2020

كاتب برتبة طبيب، وطبيب برتبة إنسان، يؤكد أنه في حالة انسجام ورضا مع مهنة الطب، ويؤمن بأن للرأي صلاحيات مقيدة أو مرسلة حسب الظروف والطموحات، لأن الرأي المكتوب هو أوضح أنواع الحوارات القابلة للاستعادة والنقاش.
الكاتب الدكتور جاسر عبدالله الحربش، استشاري الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، أوضح في حواره مع «عكاظ» أن الفلسفة مفهوم غير موجود في البيئات العربية، مشدداً على أهمية الموسيقى، ومبيناً أن بعض الجراحين لا يجرون العمليات دون سماع الموسيقى.
وحذر الحربش من «الزواج الإلكتروني»، لافتاً إلى أنه ينتهي بالطلاق أو الابتزاز. أما «الصحوة» فقال إن التقدم والعدالة كفيلان بموت هذه الحركة.. وإلى نص الحوار:
• لو لم تكن طبيباً، ما الطموح البديل بالنسبة لك؟
•• هذا السؤال يتكرر في أكثر الحوارات الشخصية وبالذات مع من يتوسم فيهم النجاح في المهنة أو الوظيفة والنشاط الخاص. قد يكون السؤال أسهل فهماً وإجابةً لو طرح على الشخص الأقل اقتناعاً بنجاحه ويرى أنه أضاع فرصة نجاح أكبر لو كان في مجال آخر. أكرر شخصياً نفس الجواب على هذا السؤال بنفس القناعة، وهو أنني في حالة انسجام ورضا مع مهنتي كطبيب لأنها تجمع عدة أشياء: دراسة الطب تتطلب جهداً وتصميماً أكثر مما تتطلب ذكاءً خارقاً، وتجمع بين إمكانيات الحصول على المردود المادي المريح والتقدير النفسي والاجتماعي، وأهم من ذلك كله تفتح الدهاليز المغلقة غالباً للتعرف على مختلف طبقات المجتمع ومشاكلها وطرق تفكيرها وطموحاتها من خلال المقابلات اليومية في العيادة وعلى أسرّة المرضى لكل الأجناس والأعمار والجنسيات والتنوع الجغرافي والثقافي والعقلي. الطبيب هو المهني المتفرد في مهنته بالتعرف المفصل أولاً على الجسد البشري من الخارج والداخل في المرحلة الدراسية الأولى، ثم على أسرار الخلية والأعضاء والغدد وترابطها الفسيولوجي والكيميائي في المرحلة الوسطى، ثم على الإنسان كما هو بعد أن تداهمه وعكة أو علة أو مرض عضال، بتأثيراتها على تماسكه أو انهياره، تفاؤله أو انكساره، وحرصه على بقاء نفسه أولاً أم على مستقبل أطفاله وأهله. هكذا يتاح للطبيب التعرف على الإنسان على طاولة التشريح عارياً، ثم عليه غامضاً مكتسياً بتفاصيله الداخلية ذات النشاطات اللانهائية التي لم يفكك العلم تفاصيلها بالكامل بعد، ثم كممارس ومعالج يتعرف على اختلافات التعامل مع الحياة والموت في الأيام والساعات الأخيرة لكل مريض سلم وتعافى أو غادر إلى حيث لا يعلم الطبيب ولا المريض المغادر.
باختصار: الطب يجمع بين العلوم المادية بقسوتها وعريها مع تعامل الجسد وما تحدثه الأمراض داخل هذه المادة المعقدة أثناء الحياة والمرض وبعد الموت. أهم من ذلك التعرف على التوزع البيئي والغذائي والنفسي للأمراض المختلفة وما تحدثه في المكان والزمان من تفاعلات وانفعالات لا تعرفها المؤسسات الصحية والاجتماعية، ويبقى بعضها أو الكثير والأعمق منها مستوراً بين المريض والطبيب عندما تحصل بينهما الثقة المتبادلة. لذلك لا غرابة في أن يكون الطبيب مهنياً بالمفهوم العلمي المادي، وأديباً بالمفهوم الثقافي التعبيري، وفيلسوفاً بالمفهوم الروحي المعرفي، وكثير من الأطباء جمع كل هذه الصنوف في كيان واحد. بعد هذه الإجابة على سؤالك أترك الاستنتاج عما تحقق لي من طموحات للقارئ.
• متى تطرح البقعة الجغرافية الإنسان من أرض الطموح؟
•• يبدو هذا السؤال كما لو كان ملغوماً اجتماعياً أو سياسياً ولكن بعد التأمل فيه ليس كذلك وحسن النية. الطموح كوقود للنجاح نتاج إلحاح ذاتي ينبت داخل الطفل النبيه من الجنسين من خلال المقارنة بين الكبار في مجتمعه الخاص، وتنميه في بداياته الأولى أو تطفئه نوعية الرعاية المنزلية قبل الاجتماعية، حسب الإدراك الواعي المتوفر عند الوالدين وإمكانياتهما المادية. بعد ذلك يأتي دور اليقظة الاجتماعية الحضارية، هل هي مشدودة بقيود وتدية إلى الماضي وتخطط للطفل أن يصبح نسخة مكررة في السياق المألوف، أم أنها تريد له أن يتغير ويجدد لإدراكها الحضاري الاجتماعي بضرورة التطور والتغيير والمنافسة. الطموح الفطري عند الطفل والطبقي عند الوالدين، مع الطموح المتوفر اجتماعياً حسب الانغلاق أو الانفتاح السائد، كل هذه الطموحات لا تبدل ولا تغير المجتمعات ما لم يتوفر لها الطموح السياسي القيادي. هذه حقيقة ثابتة في تاريخ كل المجتمعات ولا يوجد في التاريخ البشري كله أمة وشعب سجل حضوراً حضارياً مشرفاً إلا مع وجود القائد الطموح المجدد المتحدي لمعضلة البقاء في نفس الزمان والمكان، أو برسالة سماوية يكلف الله تعالى بها أحد أنبيائه ورسله.
لأن الحديث عن الرسالات السماوية ليس هذا مجاله فنحن نتكلم هنا عن الإنسان والأرض والطموح، علينا أن نتذكر ما تحقق من نقلات نوعية لليابان القصية في شرق آسيا بقيادة الإمبراطور ألميجي، ولروسيا الاقطاعية الفلاحية بقيادة المجدد بطرس الأكبر، ولألمانيا المتخلفة بين كل الجوار بقيادة فريدريك الأول، وللصين المخدرة بالأفيون بقيادة ماوتسي تونج، وأن نتذكر في نفس السياق الحضاري ما تحقق لهذه الصحراء القاحلة المتقاتلة على موارد الماء والكلأ بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. نمر حالياً (بدون نفاق ولا تكسب) بفترة طموح تجديدية جديدة واعدة.
أذاً البقعة الجغرافية لا تطرح الإنسان من أرض الطموح، وإنما نوع الإدارة وطموحاتها في تلك البقعة الجغرافية. عندما تكون الإدارة من النوع الاستحواذي (Extractive institution) المنغلق على نخبه السياسية والقضائية والتجارية الأنانية يحصل عندئذ طرح الإنسان من بيئته وهجرته إلى أرض أخرى لتحقيق طموحاته، وعندما تكون الإدارة من النوع الاحتوائي المنفتح على المواهب والإمكانيات بدون تحيز نخبوي أناني (Inclusive institution) تتفتح عندئذ المواهب والإبداعات. أغتنم الفرصة هنا لتحفيز القارئ للاطلاع على كتاب أحسبه من أفضل الأبحاث في هذا المجال بعنوان: Why nations fail, origins of power prosperity and poverty (لماذا تفشل الأمم، أسباب التطور والازدهار والفقر)، من إنجاز أستاذين أكاديميين في الاقتصاد والاجتماع السياسي؛ أحدهما من جامعة هارفرد والآخر من معهد ماشاشوست للعلوم والتقنية. لعله يزيد في الشرح وضوحاً مقارنة أوضاع كوريا الجنوبية وأختها الشمالية، أو الولايات المتحدة الأمريكية لجارتها المكسيك، للتعرف على دور القيادة والإدارة في تطويع الجغرافيا للتطور أو الاعتذار بها للتخلف.
• ما معنى كاتب رأي بقاموسك، وهل للآراء صلاحية برأيك؟
•• لا فرق في الهدف من إبداء الرأي بين خطيب على منبر مسجد أو شريط أو قرص مسجل أو متحدث في بث فضائي، وبين كاتب الرأي في نشرة مطبوعة. الكل يحاول الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس للتأثير عليهم بما يعتقد أنه اقتنع به ويتمنى انتشاره في المجتمع الذي يعيش فيه. ولكن للتوضيح باختصار: كاتب الرأي المتواجد محلياً يجير نفسه على طبقة المثقفين الملتزمين بنشر الفكر والثقافة والحوار. الالتزام ينبع من كون الكاتب داخله الشعور أنه يعرف في بعض الجزئيات الاجتماعية ما يجب أن يطلع عليه غيره. ليس بالضرورة أن تكون بضاعته مفيدة، بل وقد تكون أحياناً ضارة ومعطلة. هنا يأتي دور الرقابة الرسمية والاجتماعية التي تمسك بيدها مقبض الباب إلى المجتمع فتفتحه قليلاً أو كثيراً، وما يحدث يكون حسب طموحات قيادة المجتمع واستنارته والخصوصيات الاجتماعية. نحن ما زلنا نتذكر تأثير الدعاة والوعاظ عندما سيطروا على منابر الرأي المدرسية والأكاديمية والخطابية لعدة عقود وإلى أين وصلنا معهم. الآن علينا مهمة المقارنة بين كاتب الرأي أو قائله آنذاك لنتذكر من مانعهم وعانى منهم، مقابل كتّاب الرأي الذي جاؤوا بعدهم، بما في ذلك الغث وهو كثير والسمين وهو القليل. من الطبيعي أن تكون للرأي صلاحيات مقيدة أو مرسلة حسب الظروف والطموحات، لأن الرأي المكتوب هو أوضح أنواع الحوارات القابلة للاستعادة والنقاش. أما إذا كان المقصود في السؤال بمفردة صلاحية هو سعة أو ضيق الإطار الذي على الكاتب أن يتحرك بداخله فتلك أمور مرحلية انتقالية تتحكم بها السلطات الثلاث وليس كاتب أو قائل الرأي.
• بين باطنية التخصص وعقلية الطرح إلى ماذا يسعى الحربش اليوم؟
•• لست أسعى لشيء مختلف عما سعيت إليه طيلة حياتي الدراسية والعملية، فقد تحقق لي الكثير بحمد الله في بيتي ومع مرضاي وأصدقائي. إن تمنيت المزيد من التوفيق فهو للأحفاد والحفيدات وأجيال المستقبل بالمعنى الاجتماعي الواسع.
• عندما يبكي الحربش وتسقط الدموع، ما الذي يرتفع عنده بالمقابل؟
•• لا أذكر أنني بكيت مثلما فعلت بعد هزيمة العرب الكبرى عام 1967م. كنت في ألمانيا وأسكن في أحد بيوت الطلبة. وفي تلك السنة كانت الطموحات العربية متشابهة وخيالية ومتعلقة بأصنام الزعامات الكاريزمية. بكيت آنذاك مع كل زملائي الطلبة العرب، ليس فقط بسبب الهزيمة المنكرة بل بسبب الازدراء الذي تعرضنا له كعرب من الطلبة الآخرين ومن كل الجنسيات الأوروبية والآسيوية والأفريقية. بعد ذلك توقفت عن البكاء وحل محله الألم الصامت، أحياناً تعاطفاً مع آلام مريض وأهله القلقين من احتمال فقدانه، وكثيراً مع ضحايا القصف والقتل والتشريد والغرق في البحار والمحيطات، ولا يعلو فوق ذلك شيء في المقابل مثل الإحساس بالمرارة المزمنة، فلم أعد أحيك آمالاً كثيرة بحدوث عدالة ناجزة وسريعة. صور الأطفال العرب بالذات الذين ينتشلون من تحت ركام البيوت المقصوفة أو الغرقى في البحار لا تبكي ولكن تضغط بصمت على الصدر.
• عندما تعبس ما هي وسائل الابتسامة التي تمارسها؟
•• أتذكر قهقهات وشجارات حفيداتي وأحفادي حين يجتمعون عندي في البيت فأبتسم وأبتهج وأدعو الله أن يجنبهم ويلات الحروب وفقدان الأوطان والتشرد.
• هل كورونا مولود من رحم سياسية أم أنه أزمة طبيعية كونية؟
•• كورونا وباء فايروسي أتيحت له البيئة المناسبة للتحور والانتشار. مسار كل وباء سابق أو لاحق أنه يكمن ويتربص حتى تحين له فرصة انقضاض يخلقها له الإنسان، إما بسبب الجهل كما كان يحدث في الأزمنة القديمة أو بسبب الحروب. مآسي الموت بالملايين عبر التاريخ لا تسببها الأوبئة إلا نادراً، لأنها تحدث بفعل الإنسان الذي يقتل على الهوية وعلى مدار اليوم والشهر والسنة، وقد تجد الأوبئة حينئذ مجتمعات منهكة وجائعة ومنهوبة فتأخذ حصتها من الوفيات وتمضي. مقارنة أعداد الوفيات بوباء كورونا خلال ستة شهور بأعداد القتلى في شهر واحد من القصف في العراق أو سوريا توضح أن الإنسان هو القاتل الأول.
• تصنيف الأقدار على أنها نمط إلهي من قبل العامة، ما ردك عليه؟
•• ذلك هو تصنيف المجتمعات الجاهلة القدرية التي لا تبحث عن الأسباب ولذلك لا يمكن الرد عليهم بطريقة علمية. الزلازل والبراكين والعواصف وغيرها من الكوارث الطبيعية توجد لها مراصد ومراكز أبحاث في العالم الذي يبحث عن الأسباب والوقاية، تستطيع تحديد زمان الكوارث ومكانها والتحذير منها قبل حدوثها. صحيح أن الإنسان لا يستطيع منع الكوارث الطبيعية، ولكن نعرف أن المجتمعات الجاهلة تكون الكوارث فيها أشد وطأة وتدميراً من المجتمعات الواعية، وهذا ما نشاهده بشكل متكرر في الفضائيات. على سبيل المثال الطوفان الذي يقتل ويشرد عشرات الألوف في بنغلاديش أو دولة أفريقية يقل ضرارة وتدميراً على البشر والبنية التحتية في اليابان أو كوريا الجنوبية أو دولة أوروبية.
• ما رأيك بالعربي الذي يدفع بعض المصطلحات الإنجليزية في كلامه ليثبت ثقافته؟
•• إن كان يفعل ذلك ليثبت ثقافته فهو ضحل الثقافة، وإن كان يبحث عن المفردة العربية المناسبة فلا يجدها فهو ناقص الثقافة، وإن كان يواجه مصطلحاً علمياً فشلت جهود الترجمة العربية في إيجاد المناسب له فهو معذور.
• الشعر جرح يرسم بدمه على الورق، هل رسمت جروحك ولك محاولة شعرية؟
•• أعترف وبدون اعتذار أنني لم أعد أستمتع بالشعر رغم أنني كنت شديد الولع به، اللهم سوى ببعض الوجدانيات من شعر الزمن الجاهلي أو الصدر الأول للإسلام، مثل مرثية متمم بن نويرة لأخيه مالك، أو توجع ابن الصمة القشيري على حبيبته العامرية، أو مرثية مالك بن الريب لنفسه في طريق العودة من خراسان إلى الديار النجدية محمولاً على نعش.
أما محاولاتي الشعرية فنادرة وبائسة ولكن أذكر منها أنني قلت أثناء غزو العراق للكويت الأبيات التالية:
بني عمنا كنا وكنتم فبنتم
لحى الله من منا له البين مطلب
تفيئتموا ظل الفرات ودجلة
ونحن على رقط الحصا نتقلب
دهور مضت والرمل ملء حلوقنا
ينادمنا ضب وصل وعقرب
الأبيات أكثر قليلاً ونشرت آنذاك في مجلة اليمامة.
• العنصرية مرض فكري أم فلسفة اجتماعية سرمدية؟
•• العنصرية عملية تراكمية قد تكون مرحلية مؤقتة وقد تكون قناعة نهائية، وتنتج من عدة عوامل أهمها درجة الانغلاق أو الانفتاح العائلي والاجتماعي الذي ينشأ ويتربى ويتعلم فيه التلميذ ثم الطالب ثم الفرد العامل. يزيد في العنصرية أو ينقص منها الجرعة التربوية المذهبية أو القبلية إذا توافرت لها التغذية المسيسة، وتبقى الجزئية الشخصية المتعلقة بسلامة أو اعتلال نفسية الفرد رغم توفر موازين العدالة والثقافة والتنوير له، ولكنه يكون إنساناً مختل العقل والتفكير، أو ما يسمى الإنسان النرجسي الملتف على نفسه بداخله.
أما الممارسات العنصرية المدمرة بين الدول قديمها وحديثها فأسبابها الأطماع التي تبنى لها مراكز الأبحاث وتجميع المعلومات لتشويه الآخر المختلف وتبرير تدميره حضارياً وجسدياً ومادياً، وإن ما نراه الآن من الثورات والمظاهرات في الغرب سببه الحقيقي هو ما تراكم ثم ظهر معرفياً من جرائم العرق الأبيض ضد الأعراق الأخرى.
• الزواج سنة الحياة هل تؤيد الزواج القائم على المعرفة الافتراضية، وهل سيندثر الزواج التقليدي في المستقبل؟
•• لا أعرف بالضبط ما هو الزواج القائم على المعرفة الافتراضية، ولكنني مقتنع أن الزيجات التي تتم بحسابات الهوى العابر والانجذاب الرومانسي المتخيل لا تدوم، ولذلك تفشل زيجات الشباب عندنا بنسبة 40% أو 50% في السنة الأولى. عندنا مثل قديم ينصح من يريد التقدم لخطبة فتاة أن يتعرف على أخلاق إخوانها لأن الذي رباهم رباها أيضاً معهم. للأسف يحدث الآن التعرف بين الفتاة والشاب بطرق سرية إلكترونية وينتهي الزواج غالباً بالطلاق السريع أو قد يتحول التعارف إلى الابتزاز. الزواج التقليدي بمعنى أن الاختيار متروك للأهل دون أخذ رأي البنت أو الشاب يتضاءل تدريجياً ومصيره النهاية. التعارف المفتوح على أهل الطرفين بدون كواليس خلفية هو المطلوب والقابل للاستدامة.
• ما رأيك في مشاهير اليوم، هل هم مشاهير فلس؟
•• هم لا يختلفون عن مشاهير ما قبل السوشال ميديا، في الرغبات والأطماع مع اختلاف الوسائل وسهولة التواصل، فمنهم بالفعل قديماً وحديثاً مشاهير فلس، ومنهم مشاهير استحقاق يستحقون التقدير، والعاقل من يحسن الاختيار ولكل ذوقه ومقاسه، ولو أن الذوق والمقاس من المتغيرات الزمنية والعمرية.
• لو كان لك امتلاك قوة خارقة، ما القدرة التي تتمنى الحصول عليها؟
•• لتمنيت القدرة على النوم المريح بمجرد أن أضع رأسي على الوسادة.
• ما هو الأثر الإيجابي الذي تدخله الموسيقى على الأرواح والمجتمعات وما وجهة نظرك كطبيب في العلاج بالموسيقى؟
•• هذا السؤال كتبت في البحث عن إجاباته المجلدات واجتهد فيه فلاسفة وأطباء وعلماء أديان وأدباء فنانون. عموماً الموسيقى والرسم والنحت والغناء والرقص محاولات بشرية جينية للتعبير عن مكنونات ومواهب تعجز عن إخراجها اللغة القاموسية الجامدة. ذلك الفيلسوف الرياضي الهندي الذي أدرك وجود «شيء» بين الواحد المعدود والواحد المفقود (السالب)، وهو الصفر، كان شاعراً تعزف موسيقى الأرقام في دماغه حين أدرك أن بين الشيء الموجب والشيء السالب حالة أخرى هي حالة الشيء الذي لا هو موجب ولا سالب ولكنه ليس العدم، وكانت تلك حالة انتشاء موسيقية خلاقة، هناك رياضيون لا يفككون المعادلة المعقدة بدون الاستماع لأنغام خلفية، وجراحون مهرة لا يستطيعون التعامل مع الجراحات المعقدة إلا على أنغام تنبعث من خلفية صالة الجراحة وهناك أطباء يسبرون أغوار المريض لدرجة التعرف على من يحتاج إلى العلاج بإضافة جرعة عزف موسيقي أو ترتيل قارئ رخيم الصوت.
يعتبر الارتباط الحضاري بين الفنون الجميلة والتقدم العلمي والتقني حقيقة معترف بها نظرياً وتطبيقياً، فلا حضارة بدون الجمع بينها وإن بدا لأول وهلة أنها من المتضادات كتضاد الجد والهزل.
• ما رأيك بالمهر المقدم للمرأة وهل تتفق مع من يقول: إنه تسليع لها؟
•• رأيي أنه إرث من الماضي الذي كان فيه الرجل هو القيم والكاسب، وقد آن الأوان أن تدفع المرأة القيمة الكاسبة مهراً للرجل الذي تختاره كزوج، وتسميه ما تشاء تسليعاً أو تدليعاً أو حتى استحواذاً حصرياً غير قابل للتنازل والمشاركة.
• لماذا أغلب المطالبين بحقوق المرأة وحريتها لا ظهور لنسائهم على الساحة؟
•• إن وجدوا كما يدعي السؤال فهم إما أنهم لا يريدون إجبار نسائهم على الظهور دون قناعتهن الشخصية، أو لأن المفاهيم الانتقالية في نظرهم ونظرهن للحريات النسائية ما زالت سطحية متشبثة بالجسد والمفاتن قبل الكرامة الأنثوية والعقل والثقافة.
الرموز النسوية المتصدرة للحضور النسائي الحالي يختلط فيها حسن النية المقنع بالساقط المنحل، وهذه إشكالية مقلقة لأنها قد تحرف بعض الشابات والشباب نحو تقليد الأقل جودة ومصداقية للوصول أسرع إلى الشهرة.
• هل في السعودية فلاسفة، وهل حد القمع الفكري الصحوي من وجودهم؟
•• الفلسفة كمفهوم شامل لحرية العقل في البحث عن الحقائق الوجودية والرياضية والطبيعية والاجتماعية والأخلاقية، وهل الإنسان فعلاً سيد المخلوقات كما يعتقد أم أنه شعور رغبوي في رأس كائن مغرور. هذا المفهوم من الفلسفة غير موجود في البيئات العربية والإسلامية حتى الآن، والأسباب كثيرة بعضها واضح وبعضها مسكوت عنه. الاجتهادات الفلسفية في مصر والعراق والمغرب العربي في العصر الحديث أنتجت شخصيات استطاعت الدخول في حوارات فلسفية من خلال الاطلاع على المدارس الحديثة في الغرب والشرق، لكنها تكاد تكون مقطوعة الصلة بالفلسفة العربية القديمة. عندما يقرأ أحدنا للفيلسوف ابن طفيل كتاب (حي بن يقظان) على سبيل المثال فإنه يستمتع، لكنه قد لا يتنبه لأهمية الأسماء المبثوثة فلسفياً في الكتاب. لماذا اختار الفيلسوف العربي ابن طفيل أسماء مثل حي ويقظان وآسال وسلامان والظبية المرضعة؟ لأنه أراد الرمز على لسان إنسان حي ويقظ التفكير بالفطرة الموجودة عند كل مخلوق سوي بذاته ولذاته للبحث عن الخالق ومغزى الخلق وعن أهمية التساؤل الذاتي في اسم آسال وغريزة البحث عن الآخر وأهمية التعايش في اسم سلامان (سلام لي وسلام لك) وعن النقاء والجمال في الظبية الأم المرضعة، ولا نجد فيلسوفاً عربياً حداثياً بحث في ذلك على ما أذكر وأتوقع.
الفلاسفة العرب مثل ابن رشد وابن باجة وابن طفيل وابن سيناء مدارس فكر وتأمل عملاقة أخذ منها الشرق والغرب ولكن استمرت الأجيال العربية المتتابعة مقصرة في التعرف عليهم وما زالت عاجزة عن ذلك لانشغالها بالفلسفة الغربية.
• الصحوة نامت في السعودية، هل تعتقد أنها ستستيقظ في بلد آخر؟
•• يعتمد مصير ما يسمى بالصحوة على توفر البديل الذي يحقق العدالة والتقدم ويحصن المجتمعات العربية والإسلامية ضد استسهال الأجانب لغزوها واستلابها الفكري والمادي. إن فشلت الحكومات العربية والإسلامية في تحصين وتأمين مستقبل أجيالها معيشياً وعلمياً وتقنياً ستعود التربة صالحة لاستنبات صحوات متكررة قد تكون أشد عنفاً وإرهاباً من سابقاتها.
• الإرهاب وسيلة لاستغلال الدين أم غاية للاستيلاء على مراكز سياسية؟
•• بالنسبة لقيادات وشيوخ ومنظري الإرهاب في المكاتب والفنادق والمنتجعات هو سياسة نفعية دنيوية وخيانات شرعية ووطنية، وبالنسبة لحطب الإرهاب من الشباب المغرر بهم في ميادين الصراع هو غباء وجهل اجتماعي مع رغبات غرائزية شهوانية تخلط بين الدين والخيال الجنسي الجامح كان يصب في آذانهم للأسف على المنابر والفضائيات.
• كطبيب ومثقف إلى أي مدى تجد أن المال قادر على تحريف خارطة العلاج؟
•• شكراً على حسن الظن المبطن في السؤال. أعتقد أن التكسب المالي تغلغل في مفاصل الطب الحديث في كل العالم وبشكل كاسح ومشوه لسمعة الطب التراثية القديمة. الخصخصة وما يترتب عليها من الارتفاع الطبقي عائلياً واجتماعياً اخترقت كل شيء بما في ذلك التعليم والطب والدين والعلاقات الاجتماعية. لا أفهم لماذا يطالب أي مجتمع أطباءه بالالتزام الأخلاقي والمهني وعنده كتّاب عدل أو قضاة يرتشون؟ آفة التكسب اللامحدود أصبحت جزءاً من المحرك العالمي للتنافس.
• لو كنت وزيراً للصحة ما أول ثلاثة قرارات تتخذها؟
•• أولاً: رفع التماس للمقام السامي لتحسين مكافآت التمريض والفنيين بما يعادل أدوارهم الحيوية وتعرضهم للأخطار المهنية.
ثانياً: التركيز في التمويل والتوسع والتجديد على الطب الأولي في الأحياء والقرى، باعتباره الميدان الصحي الأول للتعامل الوقائي والعلاجي والتثقيفي مع الحمل والأمومة والطفولة والتطعيمات وأمراض التغذية الخاطئة ومشاكل السكر والضغط والدهون وزيادة الوزن إلى آخره.
لماذا؟ لأن كل مشاكل وأمراض مستويات الطب التنويمي الثاني والثالث كالجراحات ومراكز القلب وزراعة الأعضاء وتشخيص وعلاج الأورام بتعقيداتها وتكاليفها المرتفعة، لأن هذه كلها مشاكل وصلت إلى هناك بسبب فشل الطب الأولي في التعامل الوقائي والعلاجي والتثقيفي في بدايات الأمراض الأولى.
ثالثاً: التوسع في مسؤوليات وصلاحيات السلطات الصحية الطرفية في المناطق بحيث تعمل كل سلطة جغرافية باستقلالية شبه كاملة لتدبير شؤون منطقتها الصحية، مع الاحتفاظ للوزير والوزارة بمسؤوليات الرقابة وتوزيع التمويل من الميزانية ورسم السياسة الصحية العامة التي تقرها الدولة.
• دمج الجنسين في صفوف التعليم الأولية، ما النتيجة المأمولة منه بنظرك؟
•• النتيجة المأمولة هي التعود منذ الطفولة على الجوار الأنثوي والذكوري كحضور اجتماعي وبيولوجي وقدرات عقلية متكافئة، بحيث لا تفور القدور في فترات المراهقة بسبب الصدمة بالهرمونات والخيال المنقطع عن الواقع.
• ما هو الحل لجريمة التحرش بالأطفال وما هو السبب الرئيسي بنظرك؟
•• التحرش بالطفل من الجنسين آفة أخلاقية أصلها ميل شاذ إجرامي، تحولت للأسف إلى دعارة إلكترونية وفضائية. جنوحات قساوسة الكنائس الغربية والأديرة الكنسية وفضائح المخرج الهوليوودي الأمريكي ابشتاين كشفت القليل من المستور للعالم عن انتشار الجنس والاغتصاب كجرائم ضد الطفولة يمارسها مشاهير المجتمعات ولم تنج منها حتى الدوائر الدينية والسياسية والأكاديمية والفنية، ربما أكثر من الأوساط الشعبية التي كانت تلصق بها هذه التهمة بتعليل انتشار الجهل والفقر. لا يوجد حل ناجز لمرض التحرش تستطيع فرضه السلطات المعنية بتحقيق العدالة غير التوعية الصريحة والرقابة والعقوبات المغلظة، ولكن الخط الدفاعي الأول يبقى حرص الأهل في البيوت والتجمعات السكنية على أطفالهم من السائقين والخدم ومن المشاركين معهم في الألعاب الإلكترونية، وتثقيف الطفل تربوياً بطرق سهلة الفهم بحيث لا تجعله يعيش في حالة رهاب مربك لشخصيته ونموه، ولكن لا يستسهل الثقة بكل من يلاطفه أو يتحدث معه بسبب حسن نيته في الكبار.
• من الكاتب أو الكاتبة الذي تراهن على قلمه/‏ها في المستقبل؟
•• لن أذكر أسماء بعينها تفادياً لتهمة التحيز ولكن الساحة واعدة سواء في الصحف الورقية والإلكترونية أو في المساجلات الشبابية على وسائل التواصل الخاصة والمفتوحة.
• اختلاف الرأي عند العرب، هل يفسد القضية كاملة؟
•• الحدية الإقصائية التي ورثناها لأسباب دينية ومذهبية مسيسة وتربوية اجتماعية موروثة من الواضح أنها بدأت تخف وتتلاشى، ولكن حل محلها للأسف التباغض الذي يغذيه الإعلام المسيس، والتحاسد الغبي على الإنجازات الخاصة بدلاً من الفرح التكاملي والاقتداء به. المتوقع الطبيعي بين الشعوب المتجانسة هو التنافس التكافلي والإعجاب المتبادل، لكن السائد حالياً بين المجتمعات العربية هو الحسد والمهاترات والانتقاص، ويجب البحث عن المستفيد سواء بين الأجانب أو بين العرب وما هي الأسباب.
• ماذا ستقول عبر عكاظ للعالم اليوم؟
•• أقول إن العالم ليس عقلاً كي يستمع لأحد، لا عبر عكاظ ولا منابر المساجد ولا الصحف ولا حتى منصات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.