أصغتُ مُعادلة رياضيَّة ، تقول: وعي زائد + ذهن حاضر = تفكير دائم. فهل الإنسان بحاجة إلى أنْ يُفكِّر بصفة مستمرَّة؟! نعلم أنَّ كُل شيء يبدأ بالوعي ، ولا قيمة لشيء من دونه. لكننا أمام إجهاد الوعي بأكثر من اللازم ، وهذا ما سيقودنا إلى زيادة الآلام ، وأغلب المُصابين بالإكتئاب النفسي ، من المُثقفين . الاسترخاء مطلب ، وهو الهدوء وعدم إشغال الذهن بالتفكير ، فكم نحنُ بحاجة إلى هذا الاسترخاء والراحة الذهنية التي لا تُثقل علينا حاسة الوعي. يُقال: أنَّ التفكير والقلق صِنوان لا يفترقان ، وهذا الكلام صحيح إذا طغى التفكير على الوعي والذهن. يقول هنري فورد:( إنَّ التفكير أصعب الأعمال ، وهذا هو السبب في أنَّ القليلين هُم الذين يختارونهُ كعمل). إنَّنا على يقين بأنَّ المعرفة هي أساس الوعي ، وأنَّ حضور الذهن والوعي قُوَّة لا يُستهان بها ، فإمَّا أنْ تُعطينا طاقة إيجابية أو العكس ، وهذا ما يدعونا إلى أنْ نتحرَّى الأصح ، هل هو في ديمومة التفكير المتواصل ، أم بحسب الأحداث والمواقف؟! يقول جورج برناردشو:( إذا حاولت التوقُّف عن التفكير لِعدَّة دقائِق ، ستجد نفسك مُحاصراً بالأفكار من جميع الجهات). وفي المُقابل يرى البعض أنَّ بين الماضي والحاضر والمُستقبل ، ليس هُناك سوى وَهَم في تفكير العقل البشري. ولو أخذنا الأوقات الحزينة ، نشعر بها أنها طويلة ، بينما الأيام الفرحة تَمُرُّ كالدقيقة ، وهذه هي النسبية التي دعا إليها الفيلسوف ألبرت أينشتاين. يسبقُ العاطفة في الزواج ما يُسمَّى التوافق في التفكير والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة المالية بين الزوجين . يقول جاك بيني:( أنا وزوجتي متزوجان منذُ أكثر من 47 عاماً ، ولم يصل بِنا النقاش لدرجة التفكير في الطلاق، رُبما وصل للتفكير في القتل ، أمَّا الطلاق فلا). ومثل هذه الحالات ما هي إلا نوعٌ من التفكير ، وليست نوعاً من الفلسفة يُمكن تعلمه ؛ وإنَّما يُمكن تعلُّم التفكير ، بطريقة فلسفية. سألتْ سيِّدة أرستقراطية مُتصابية الكاتب العالمي الساخِر [ برناردشو] : كم تُقَدِّر عُمري؟! وبعد لحظة من الاستغراق في التفكير أجابها قائلاً: مَنْ ينظُر إلى قوامك الممشوق ظنّكِ ابنة ثماني عشرة ، ومَنْ نظر إلى عينيك العسليتين ظنّكِ ابنة عِشرين ، ومن نظر إلى شعركِ الكُستنائي ظنّكِ ابنة خمس وعشرين ، فأعادت سُؤالها ، بعد أنْ أطربها ما سَمِعَتْ ، وقالت: قُلْ بِصِدق .. كمْ تظُنَّ عُمري؟! أجاب شو : أنهُ مجموع هذا كُلَّه . لنا أنْ نتخيَّل هذا التفكير بين السائل والمسؤول ، ومدى اتساعه وضيقه ، حتَّى لتَظُنُّ أنك أمام عقول عظيمة ، في نُقطة ما يتوافقون ، وفي أُخرى يختلِفون. في نهاية مقالي هذا ، يجب أنْ نعرف أنَّ إعمالُ العقل أفضل من إهماله ، ولدينا الكثير مِنْ مَنْ عطَّلوا عقولهم وأذهانهم ، وكان ولاؤهم لغيرهم أكبر ، فالولاء المُطلق يعني انعدام الوعي ، وإذا انعدم الوعي فإنَّ الفشل والخطر مصيرهم. يقول قائل :( الوعي المتأخر خيرٌ من الحماقة المُستدامة). كما أنَّ الفراعنة والأباطرة تألهو ؛ بسبب وجود جماهير تخدمهم بلا وعي.