المملكة تعرب عن خالص تعازي وصادق المواساة لذوي الضحايا ولحكومة وشعب الكويت الشقيقة    رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    تدشين تجربة التاكسي الجوي ذاتي القيادة لأول مرة في موسم الحج    53 طائرة سعودية لإغاثة أهالي غزة    داني لينون : اسكتلندا بإمكانها تحقيق مفاجأة أمام ألمانيا في افتتاح يورو 2024    القيادة تهنئ رئيسي روسيا والفلبين    الشؤون الإسلامية في جازان تنهي تجهيز أكثر من ١٢٤٠ جامعًا ومصلى للعيد    المركزي الأمريكي يثبت أسعار الفائدة ويتوقع خفضا واحدا هذا العام    إسرائيل ترفض تقريرا يوثق جرائم الحرب المرتكبة في غزة    خطوات هانتر بايدن بعد إدانته بتهم الأسلحة الفيدرالية    «الصحة العالمية»: غزة تواجه مستوى كارثيا من الجوع وظروفا تصل لحد المجاعة    ختام بطولة هاوي لكرة القدم في الرياض    كل الطاقات لخدمة الحجيج    ترميم صمام ميترالي لثلاثيني    الهلال يبدأ الدفاع عن لقبه بالبكيرية    أخضر الملاكمة التايلندية ينتزع ذهب العالم    اللواء الفرج يؤكد تسخير إمكانات الدفاع المدني لأمن وسلامة ضيوف الرحمن في موسم الحج    الداخلية الكويتية: ارتفاع عدد الوفيات من جراء حريق المنقف إلى 49 حالة    قرارات ضد 26 شخصا نقلوا 102 مخالف لا يملكون تصريح حج    شيماء الشريف.. وإنجاز للمثقفة السعودية    2300 موظف لرقابة الأسواق والمسالخ بالرياض    وصول طلائع ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج من «فلسطين» إلى مكة المكرمة    إطلاق خدمة الإسعاف الجوي لخدمة ضيوف الرحمن    100 مليون يورو تنقل روديغر إلى النصر    45 كشافًا من تعليم جازان يشاركون في خدمة ضيوف الرحمن    رئيس الاتحاد الآسيوي: التصفيات الآسيوية أظهرت انحسار الفجوة الفنية بالقارة    صحة الشرقية تنظم فعالية حج بصحة بالشراكة مع مطارات الدمام    نصائح الحج بلغة الإشارة للصم وضعاف السمع    معرض Saudi Warehousing & Logistics Expoيعزز سوق الخدمات اللوجستية البالغة قيمته 15 مليار دولار    هيئة الأدب والنشر والترجمة تختتم النسخة الثالثة من مبادرة «الشريك الأدبي»    الرئيس الفرنسي يطالب الأحزاب الديمقراطية بالتحالف معه قبل الانتخابات    جوالة جامعة جازان تشارك في معسكرات الخدمة العامة بموسم حج هذا العام    ارتفاع أعداد الجامعات السعودية إلى 32 جامعة في تصنيف التايمز للجامعات ذات التأثير في أهداف الأمم المتحدة    بدء التسجيل العقاري في 8 أحياء شرق الرياض ابتداءً من 17 ذي الحجة    «إي اف جي هيرميس» تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق لشركة «أرامكو»    الواجب تِجاه المُبدعين فِكرياً وأدبياً وعِلمياً    الصحة تنقل 18 حاجًا عبر 31 عربة إسعافية من المدينة إلى المشاعر المقدسة    فرصة لهطول الأمطار على مرتفعات مكة والجنوب وطقس شديد الحرارة بالرياض والشرقية    تابع سير العمل في مركز قيادة الدفاع المدني.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد مشاريع التطوير في المشاعر المقدسة    شكراً..على أي حال    خالد وهنادي يردان على تنبؤات ليلى حول طلاقهما ب«آية قرآنية»    150 وسيلة و 1500 إعلامي محلي ودولي في «ملتقى الحج»    سفراء "موهبة" يحصدون الجوائز    العدو الصهيوني    حج بلا أدلجة أو تسييس!    أبناء الطائف ل«عكاظ»: «عروس المصايف» مؤهلة لاستضافة مونديال 2034    اتفاقية بين «المظالم» و«مدن» للربط الرقمي    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان (2 2)    وفد شوري يزور «مَلكية الجبيل» ورأس الخير    10 نصائح من استشارية للحوامل في الحج    تحذير طبي للمسافرين: الحمّى الصفراء تصيبكم بفايروس معدٍ    «التهاب السحايا» يُسقط ملكة جمال إنجلترا    "الأمر بالمعروف" تشارك في حج هذا العام بمنصات توعوية متنقلة لخدمة الحجاج    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على منيرة بنت محمد بن تركي    منتجات فريدة للإبل تجذب أنظار زوار المعرض السعودي للسنة الدولية للإبليات 2024 في إيطاليا    شركة مطارات الدمام تعقد ورشة عمل لتدشين 'خدمتكم شرف'    الديوان ينعى الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    أمن الحج.. خط أحمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعدام .. بالنيابة
نشر في أنباؤكم يوم 17 - 02 - 2015


الاقتصادية - السعودية
في عام 1963 بعد الانقلاب على عبدالكريم قاسم في العراق، دارت طاحونة العنف والدم، واقتيد عديد من الرجال والنساء إلى الإعدام.. وفي ملعب بغداد، تم إعدام فتاة عراقية باعتبارها الشاعرة المعروفة لميعة عباس عمارة.. فيما الفتاة المسكينة كانت تصرخ لست لميعة.. لست لميعة، ولكن شهوة الجلاد للدم كانت أكبر من أن تخترقها تلك الصرخات.
مرت سنوات طوال لم يكن أحد ليعرف بهذه الحقيقة، رغم أنها واقعة وردت كحادثة شنيعة في تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق، أشارت إليه الشاعرة العراقية في حوار أجري معها بعد مضي نصف قرن.
على نحو آخر، وفي أوائل النصف الثاني من القرن الماضي، في أمريكا تم إعدام رجل يدعى كارلايل تشسمان بالكرسي الكهربائي في سجن سانت كوين في كاليفورنيا بتهمة أنه المجرم "ذو المصباح الأحمر"، فيما نفى كونه ذلك المجرم في حوار أجراه معه قبيل إعدامه الصحافي مونتوجمري.
ملأت حكاية تشسمان في حينها أعمدة الصحف دفاعا عنه باعتباره عبقري الجريمة – كما أطلقوا عليه - الذي لا ينبغي إهدار خبرته.. فقد اندفع كارلايل في طريق الجريمة بسبب العوز ومرض أمه الشديد الذي حاول تأمين الدواء لها.. فاحترف السرقة من المحال والصيدليات ثم تطورت إلى السطو على المصارف.
وكان في كل مرة يقبض عليه يفلت من السجن بالدفاع عن نفسه أو بمعاونة محاميه، فقد كان نهماً للقراءة في مكتبة السجن، حتى قيل إنه طالع معظم ما فيها، وبالذات كتب القانون.. غير أنه ألقي في السجن آخر مرة بسبب قيامه بعملية سطو على مصرف، ثم دهم البوليس المصرف، ففر تشسمان إلى الشارع، وتوجه إلى سيارة متوقفة في الجوار قفز إليها وهرب. وكانت السيارة لمجرم آخر "اشتهر ب(ذي المصباح الأحمر)؛ لأنه كان يحمل مصباحا أحمر فيها يستخدمه في التلصص على العشاق ممن يلتقون بين الأشجار في الطرقات الريفية.
كان مجرما شاذا يستعذب دهم العشاق في خلوتهم.. فيغتصب الفتاة ويطلق النار على الاثنين ويولي هاربا.. وقد أثارت جرائمه الرعب والفزع، واستنفرت رجال الشرطة للقبض عليه.. وحين طارد البوليس تشسمان بعد عملية سطوه الأخيرة وألقي القبض عليه عثروا في السيارة على المصباح الأحمر"، فاعتقدوا أن تشسمان هو ذاته "ذو المصباح الأحمر"، ولم تفلح كل توسلاته واعترافاته بأنه كارلايل تشسمان وليس "ذا المصباح الأحمر".
كان تشسمان قد قدم دفوعات وأدلة قاطعة صارمة على براءته من جرائم "ذي المصباح الأحمر"، إلا أنه في النهاية اقتيد إلى الكرسي الكهربائي لإعدامه.. وفي اللحظة التي ضغط فيها الجلاد على القابس للكرسي الكهربائي لتنفيذ حكم الإعدام.. كانت المحكمة العليا في كاليفورنيا قد وافقت على تأجيل تنفيذ الحكم.. لكن عاملة المحكمة وهي تدير قرص الهاتف أخطأت في رقم السجن فأعادت الكرة ثانية ليأتيها الصوت من الطرف الآخر (لقد تم الإعدام!!) .. وهكذا أزهقت روح تشسمان في الثواني الفارقة بين محاولة عاملة المحكمة في المكالمة الأولى وبين المكالمة الثانية.. مثلما أزهقت روحه بجرائم لم يرتكبها!
ألف تشسمان كتابين مثيرين جدا.... الأول كان رواية بعنوان "الزنزانة رقم....". سرد فيها كيف تحول إلى لص. وأذكر أنه بدأها بفصول حملت العناوين: "الغصن" ثم "الغصن يلتوي" ثم "لقد زاد التواؤه"... إلخ. أما الكتاب الثاني فعنوانه "رواق الموت" طرح فيه تحليله لنفسية الإجرام وكيف يصبح الإنسان مجرما، وكذلك رأيه في معالجة الإجرام.. ومما علق في ذهني من أقواله: "إننا حين نقتل المجرم نقتل الحل معه!".
هذان نموذجان عن الإعدام بالنيابة.. فالفتاة العراقية الشهيدة الضحية التي أطلقوا عليها الرصاص في ملعب بغداد على أساس أنها الشاعرة لميعة عباس عمارة نموذج لتغول السياسة ومزاعم النقاء الثوري باسم التطهير للخلاص من العملاء، الذين كثيرا ما يتبين أنهم حقا شرفاء، لكن أرواحهم تزهق هدرا، ويوصمون بعار هو بكل تأكيد عار جلاديهم ممن كانوا بوابة شرور جلادين آخرين، جاءوا بعدهم أحالوا بلاد الرافدين إلى معتقل رهيب وسلخانة مرعبة.. وكان أبشعهم الطاغية صدام حسين الذي دفع العراق إلى كارثة جهنمية، تكاد اليوم لا تبقي ولا تذر. وقد لخصت مأساته الشاعرة العراقية نفسها لميعة عباس عمارة في قصيدة لبغداد حين زارتها بعد سنوات طوال من التشرد والاغتراب .. تقول فيها:
"بغداد تائهة أنا حيرى
من بعد صدرك لم أجد صدرا
حتى بأحلامي أدوِّر لا أرى
بيتا لأهلي فيك أو قبرا
لا أمسي لا تاريخ لي
فأنا ممحوة من عالمي قسرا
لا جار لي كل البيوت خلت
من مات مقتولا ومن فرا
والشعر حتى الشعر ينكرني
إني أجاهد لا أرى شعرا
بغداد يا أمي أجيبي دمعتي
كيف الأمومة بدلت غدرا؟!
أما نموذج تشسمان فيمثل إعدامه إشكالية معقدة.. تبدأ في ضيق صدر القضاء أحيانا، وميله المفرط إلى الثقة بنزاهته ورأيه مقابل التشكيك بلا هوادة في رأي المتهم وعدم منحه فرصة سماع أقواله.. ربما بسبب النفور البشري من المجرم وعالمه، وانعكاس ذلك على إقصاء إمكانية أن يكون المتهم يتمتع بأي خصال جيدة أو مشاعر إنسانية.. خصوصا حين يوقع المجرم نفسه في مصائد الجريمة مرات متعددة.. كما حدث مع كارلايل تشسمان، فرغم فرادته الثقافية وذكائه الذي أشاد به الكتاب والنفسانيون وسلوكه الطيب في السجن والانطباع الحسن الذي تركه في نفوس من عرفوه، رغم ذلك كله إلا أن القضاء لم يجد أمامه سوى أن ينحاز لما بين يديه من حقائق.. ولم تنفع حتى لحظة الشك التي أوشكت أن تنقذه في أن تمنع سيف القدر من إنجاز المهمة.. وليترك تشسمان خلفه كتابيه.. وفيلماً صدر عنه بعنوان kill me if you can" "اقتلني.. لو استطعت" وقد فعل.. سواء كان هذا القاتل هو القاضي أم الجلاد أم عاملة المحكمة أم (ذو المصباح الأحمر) أم تشسمان نفسه بما أسرف به على نفسه!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.