تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    عرض ضخم من النصر للتعاقد مع فان دايك    تقارير.. لاعب ريال مدريد يقترب من الاتحاد    المنافسة: حصانة قضائية لمنشأتين كشفتا مخالفات    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    القصبي: 157 مليار ريال حجم المدفوعات الإلكترونية بالمملكة    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    100 ألف رأس ماشية استعدادًا للأضحى بالرياض    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    خدمة المبيت تحتضن أطفال الحجاج بجوار الحرم    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    القوات المسلحة: لا تهاون.. أمن الحج خط أحمر    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    حزم وقوة    لجنة رباعية لضبط مخالفات نشاط المياه غير الصالحة في مكة    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    200000 ريال غرامة على مخالفي المنطقة اللوجستية    دراسة لقياس عناصر الطقس المرتبطة بالإجهاد الحراري    6 مهابط للطيران العمودي بمستشفيات مكة والمشاعر    1.6 مليون شخص يتضررون يومياً بأغذية غير آمنة    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    ضيوف الرحمن بين جنبات مشعر منى لقضاء يوم التروية    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    أول حالة إسعافية تُنقل من مهبط برج الساعة عبر الإسعاف الجوي لحاج أفريقي    «منبر جدة» مفتاح لحل الأزمة السودانية    منتخب البرتغال يصل إلى ألمانيا استعداداً لمشاركته في يورو 2024    مارتينيس: البرتغال جاهزة    قائد الأسود الثلاثة: هدفنا كتابة التاريخ    خطط مرورية لنقل الحجاج لمشعر منى    جمعية قدرة لرعاية الأشخاص المعاقين بالرس تحجج 11 معاقاً ومعاقه    الجبير: المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة ولديها مشاريع ضخمة تستهدف الحد من آثار التغير المناخي    غيض من فيض    وزير الإعلام يقيم مأدبة عشاء للوفود الإعلامية المشاركة في "ملتقى إعلام الحج"    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    لم يكن الأفضل !    استعدادات أمانة الطائف لاستقبال عيد الأضحى    الأخضر السعودي تحت 20 عاماً في مجموعة متوازنة بتصفيات كأس آسيا    زيادة حدة التوتر على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية    رئيس الأركان يتفقد قطاعات وزارة الدفاع المشاركة في الحج    تحذير الحجاج من التعرض للحرارة بالمشاعر المقدسة    وزير الحرس الوطني يقف على استعدادات القوات المشاركة بموسم الحج    الربيعة يستعرض جهود مركز الملك سلمان للإغاثة في غزة    جامعة الملك فيصل ضمن أفضل 100 جامعة عالمياً في التايمز للتنمية المستدامة    "الداخلية" تصدر قرارات إدارية بحق (26) مخالفًا لأنظمة وتعليمات الحج لنقلهم (124) مخالفًا    مجلس الأمن يصوّت على وقف حصار ‬الفاشر    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    «حفل بذكرى زفاف أقصر زوجين    25 فعالية لمركز "إثراء" في عيد الأضحى    دورة تأهيلية لجامعي البيانات لموسم حج 1445ه    العقيد الطلحي يتفقد مركز(911)    المملكة تعزي في ضحايا حريق «المنقف» في الكويت    «إش ذي الهيافة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين ينقلب القاضي خصماً

من القواعد المقررة في باب القضاء أن القاضي لا يقضي وهو غضبان، ذلك أن القاضي لا يمكنه أن يكون في الحالة المفترضة من الصفاء والحياد والقدرة على تصور الدعوى ووقائعها واستيعابها على الوجه اللازم لإصدار الحكم وهو تحت تأثير الغضب المخرج له عن حالة الاعتدال.
القاضي قد ينشأ في نفسه مشاعر كراهية لأحد طرفي الخصومة، سواء كان ذلك الطرف أصيلاً في الدعوى أو حتى وكيلاً، وهذه الكراهية قد يكون لها أسباب كثيرة بعضها يمكن أن يعذر فيه القاضي وبعضها لا عذر له
وسبب الغضب هنا قد لا يكون بالضرورة أحد طرفي الخصومة، بل قد يكون سبباً خارجياً لا علاقة له بالدعوى، وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يتوقف عن إصدار الحكم، وأن يؤجل ذلك لوقت يكون فيه أكثر هدوءاً.
وإذا كنا نؤمن بأن القاضي بحكم بشريته يغضب غضباً قد يمنعه عن الوصول للحكم الصحيح في الدعوى، فيجب أن نؤمن أيضاً أن من يغضب قد يكره، فالغضب والكراهية كلاهما من طبيعة البشر.
فالقاضي قد ينشأ في نفسه مشاعر كراهية لأحد طرفي الخصومة، سواء كان ذلك الطرف أصيلاً في الدعوى أو حتى وكيلا، وهذه الكراهية قد يكون لها أسباب كثيرة بعضها يمكن أن يعذر فيه القاضي وبعضها لا عذر له.
فمما يعذر فيه القاضي أن بعض أطراف الدعاوى يكون شخصاً فيه من سوء الطبع والخلق، وقلة الدين والحياء، ما يمنع أي أحد من تقبله والارتياح له. وبعضهم يظهر منه تعمد سلوك مسالك تضليل القضاء، والبذاءة والفحش في القول، أو غير ذلك من سلوكيات مقيتة.
إلا أن ما لا يعذر فيه القاضي أبداً ولا تبرأ به ذمته أن يتأثر قضاؤه بتلك المشاعر، فينظر الدعوى ويحكم فيها وهو تحت تأثير كراهيته لأحد أطرافها.
فإن القاضي إذا كره أحداً لأي سبب مشروع أو ممنوع، لا يمكن غالباً أن يتقبل منه ما يأتي به من حجج وبينات، ولا يعطيها حقها من السماع والتدبر، بل يصبح بعض القضاة مبرمجاً تلقائياً لصالح الطرف الآخر، ويكون الحكم عنده معروفاً سلفاً حتى قبل ختم المرافعة وانتهاء الخصومة ولو بزمن طويل، وبالتالي فلا تؤثر فيه أي أدلة أو بينات يقدمها الطرف المبغوض عنده.
وأنا هنا أتكلم من واقع تجربة وعندي شواهد كثيرة على هذه الحالة، وقد رأيت بعض الحالات التي يثور فيها القاضي على أحد الخصوم لأدنى خطأ أو ما يعتقد أنه خطأ، فيتخذ بحق هذا الخصم إجراءات قد لا تكون مقبولة ولا نظامية، إما بطرده أو رفع صوته عليه وإرهابه أو الغلط عليه بألفاظ غير مقبولة. وكل ذلك قد حدث ويحدث.
كما أن من صور هذه المشكلة أن بعض مرتادي المحاكم سواء كان أصيلاً أو وكيلاً، يعرف عنهم في أوساط القضاة أنهم سيئون، ويتبادل القضاة بينهم هذه المعلومة، وأحياناً يسمع القاضي من بعض الموثوقين عنده ذماً وقدحاً في أحد الخصوم عند هذا القاضي، فيأخذ القاضي موقفاً مسبقاً من هذا الخصم بناء على ما وصله عنه من معلومات.
ويكون من نتائج ذلك أن بعض القضاة لا يلقي أي بال لما يدلي به هذا الخصم من حجج أو دعاوى، ولا يقرأ ويتمعن ما يقدمه من مذكرات على الوجه المطلوب، بل يكتفي بسماع وقراءة الحد الأدنى مما يقدمه ذلك الخصم، وهو في ذلك تحت تأثير كراهيته له أو ما لديه من معلومات سيئة عن هذا الشخص.
وقد سبق لي في إحدى القضايا وحين كنت في العمل القضائي أن ناقشت أحد الزملاء القضاة عن إجراءات اتخذها بحق أحد الخصوم وهي غير نظامية ولا عادلة، فما كان من هذا الزميل إلا أن أجابني: أن هذا الخصم كاذب محتال ظالم... الخ.
كل ذلك بناء على معلومات قد تكون صحيحة أو مغلوطة استقاها القاضي من مصادر خاصة خارج مجلس القضاء، وقد يكون مصدرها الخصم الآخر في الدعوى، فتحول بموجبها القاضي من حكم إلى خصم، ومن قاض إلى محام لأحد طرفي الخصومة.
وهذه آفة خطيرة من آفات العدل، وخطيئة من الخطايا التي لا يجوز أن يقع فيها قضاة القانون فضلاً عن قضاة الشريعة. تمنع هذه الآفة القاضي من معرفة الحق، وتحول بينه وبين الحكم بالعدل، وتحجب بينه وبين تبين وجه الاجتهاد الصحيح في الواقعة محل النزاع.
وإذا وقع القاضي تحت تأثير هذه المشاعر والتصورات، تراه يحكم حكماً مسبقاً ثم يبدأ يحشد الأدلة والأسباب التي تؤيد حكمه، بينما الصحيح الواجب على القاضي العدل أن يستدل ثم يحكم لا أن يحكم ثم يستدل، وفرق كبير بين الحالتين.
فإنه إذا استدل ثم حكم كان أساس حكمه هو الدليل والبينة، أما إذا حكم ثم استدل فإن الحكم المسبق يكون هو الأساس، وتصبح الأدلة تابعة لهذا الحكم فيختار منها ما يوافق حكمه المسبق ويتجاهل أو يجيب ويفند ما يخالف حكمه من أدلة ولو كانت أقوى وأوثق من أدلته التي استدل بها.
ومع التأكيد على أن هذه الحالة تقع في القضاء، إلا أني أرجو ألا تكون كثيرة ولا غالبة، وأن تكون مجرد حالات قليلة لا تجيز التعميم، لكنها توجب التنبيه والتحذير لخطورتها ولمساسها بالعدل، وأنها تعتبر ظلماً لا يجوز السكوت عنه ولا إقراره.
فالله تعالى أوجب العدل مع البغضاء، حتى وإن كان سبب البغضاء هو الكفر. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
لذا فإن القاضي يجب عليه ديانة وتقوى لله حين يجد في نفسه من مشاعر بغض أحد الخصوم وكراهيته ما يمنعه من العدل في حقه أن يطلب التنحي عن الحكم ويترك القضية لغيره، فإنه أبرأ لدينه وعرضه.
والحمد لله أولاً وآخراً هو سبحانه حسبي ونعم الوكيل.
* القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حالياً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.