إحباط تهريب (177,150) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي في جازان    عبدالله عطيف ينفي اعتزاله كرة القدم: «الحساب كان متهكر»    السعودية تتخذ خطوات تعزز أمن الطاقة العالمي وتدعم استقرار الأسواق        ثيو هيرنانديز: سعيد بانضمامي لأكبر نادِ في السعودية    بدء إجراءات نزع ملكية العقارات المتعارضة مع مشاريع تطوير الطرق في الرياض    خطيب المسجد النبوي: الإخلاص لله واتباع سنة نبيه أصلان لا يصح الإيمان إلا بهما    خطيب المسجد الحرام: التوبة والرحمة بالمذنبين من كمال الإيمان والغلو في الإنكار مزلق خطير    هدف جديد في الهلال لتعزيز الهجوم    رابغ تحتفل بالعميد.. حفل يروي قصة عشق لا ينتهي    مستشفى "التخصصي للعيون" يحصل على عضوية جمعية بنوك العيون الأوروبية (EEBA)    إطلاق أول دليل إرشادي سعودي لعلاج التهاب الفقار اللاصق المحوري    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية يقيم دورة لتدريب منسوبي الفرع لغة الإشارة    "مبادرة واعد" تجذب الأطفال في مهرجان جامعة الحدود الشمالية الصيفي    الذكاء الاصطناعي هل يمكن استخدامه لاختيار شريك الحياة؟    نسك من الحجوزات إلى الخدمات والخصومات للحجاج والمعتمرين    من قلب أفريقيا إلى السعودية: الغبار الأفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    معالجة الهدر والاحتيال وسوء استخدام التأمين الصحي    48 ألف عينة بيولوجية في مختبرات وقاية    ارتفاع أسعار الذهب    امطار على جنوب المملكة و رياح و حرارة عالية على عدة مناطق    الصين تطور قطارًا تصل سرعته إلى 600 كيلومتر في الساعة    القلاع والبيوت الحجرية في جازان مقصدًا للسياحة محليًا وعالميًا    مجموعة روشن شريكاً لبطولة "LIV Golf"    الاتحاد السعودي للإعاقات البصرية ونادي الشباب يوقّعان اتفاقية شراكة استراتيجية    أخضر البراعم يدشن مشاركته في البطولة الآسيوية بمواجهة الصين تايبيه السبت    الحارثي : إدراج الذكاء الاصطناعي في التعليم ضرورة وطنية تستجيب لتحولات العصر    مازن حيدر: المُواطَنة تبدأ بالتعرّف على التاريخ    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بالأحساء ينظم ورشة عمل نوعية بعنوان: "القيادة الإعلامية"    القوة الناعمة.. السعودية غير؟!    قطة تهرب مخدرات    لماذا يداوي القائد المجروح؟    ريال مدريد يُخبر النصر بسعر رودريغو    خمسة كتب توصي سوسن الأبطح بقراءتها    السينما وعي    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة فرنسا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة بزه بنت سعود    جمعية الذوق العام تدرب مندوبي التوصيل على مستوى المملكة    رحلة شفاء استثنائية.. إنهاء معاناة مريضة باضطراب نادر بزراعة كبد فريدة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    اختتام أعمال توزيع هدية خادم الحرمين الشريفين    "ورث" يجدد الفنون بلغة الألعاب الإلكترونية    "لويس الإسباني".. أول رواية عربية مستوحاة من "الفورمولا"    "درويش" في الخليج نهاية أغسطس    أكبر مصنع لأغشية التناضح العكسي    بين الدولة السورية و«قسد» برعاية أمريكية.. اجتماع دمشق الثلاثي يرسم ملامح تفاهم جديد    محرك طائرة يبتلع رجلاً أثناء الإقلاع    إحباط تهريب 310 كجم مخدرات    استهدف مواقع تابعة ل"حزب الله".. الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات برية جنوب لبنان    أكد على تعزيز فرص التعاون مع روسيا..الخريف: السعودية تقود تحولاً صناعياً نوعياً وشاملاً    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    خالد بن سلمان يبحث المستجدات مع وزير الدفاع المجري    أمر ملكي: تعيين ماجد الفياض مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    دراسة: بكتيريا شائعة تسبب سرطان المعدة    أمير تبوك يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الشمالي الصحي والرئيس التنفيذي لتجمع تبوك الصحي    التطبير" سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية وإهدار كرامة الانسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقيلات ونمطية الإدارة
نشر في أنباؤكم يوم 16 - 05 - 2012


محمد المهنا ابا الخيل - الجزيرة السعودية
في عام 1981 أصدر البروفيسور ويليم أوتش (William G. Ouchi) كتابه الذي ملأ الأصقاع ذكره وكان عنوانه (نظرية: كيف تواجه الإدارة الأمريكية التحدي الياباني,.Theory Z: How American Management Can Meet the Japanese Challenge) والذي بيّن من خلاله الأسلوب الياباني في الإدارة والمبني على تعميق الولاء المتبادل بين العاملين وأصحاب الأعمال وهو ما سبب سيادة الاقتصاد الياباني في سبعينيات القرن الماضي. هذا الكتاب شجع رواد مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة على الربط بين الموروث التراثي للشعوب ونمط الإدارة السائد لديها. وخرج لنا بعد ذلك عدد من الكتب التي ركزت على إبراز هذا الربط بصورة وصفات للنجاح الإداري, فمن اعتماد قيم الزن في الثقافة الصينية إلى أسلوب عصابات المافيا في الإدارة كلها كانت تكرس مفهوم أهمية الإرث الثقافي في تبرير النجاحات الاقتصادية.
في بلادنا التي يمتد إرثها الثقافي في عمق التاريخ, لها من التراثي المتراكم ما يمثل مخزوناً هائلاً يعتمد عليه في بناء نمطية إدارية فاعلة, وقد تناول هذا الموضوع عدد محدود من المفكرين والذين في معظمهم ركزوا على الجانب الديني في بحوثهم, وبات هناك مصطلح يتداول بينهم اسمه الإدارة الإسلامية ومازال هذا الموضوع بحاجة إلى إضافات وبلورة حتى يمكن الإشارة إليه بنمط إداري واضح المعالم. ولكن هناك جانباً من تراثنا الحديث في الإدارة شبه مهمل ولا يكاد يذكر إلا في معرض الروايات الشفوية التي تمجد المواقف التي مر بها شعب المملكة العربية السعودية, وأشير هنا إلى التراث الإداري للعقيلات وهم مجاميع تجار نجد الذين كانوا يرتحلون إلى البلدان المجاورة بهدف التجارة والاستثمار ثم يعودون إلى قواعدهم في نجد, وخصوصاً القصيم, حيث طور هؤلاء العقيلات نمطاً للإدارة لديهم يعتمد على تنظيم بسيط ويقوم على التزام بقيم محددة مما جعل نشاطهم يمتد على مدى 500 سنة -كما تتحدث بعض المصادر- ويضمحل مع تطور وسائل النقل والاتصال وتغير التركيبات السياسية والاقتصادية لمنطقة المشرق العربي. وعلى الرغم من أهمية الدور المحوري للعقيلات في بناء الكينونة الاقتصادية لمنطقة نجد خصوصاً, ودورهم المؤثر في كثير من الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية في عصر ضعف الدولة العثمانية وهجوم الاستعمار الغربي, فلم يستأثر هذا الدور باهتمام بحثي يليق, وإن كان هناك بعض المساهمات التي ركز معظمها على الجانب السيري لبعض شخصيات العقيلات، فخلال بحثي لم أعثر على دراسة تتعرض لبنائية العقيلات التنظيمية وأسلوبهم في العمل والتعامل سوى كتاب واحد تعرض لهذا الجانب في بضع صفحات وهو كتاب (نجديون وراء الحدود) لكاتبه: عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم.
للعقيلات نمط إداري جدير بالبحث والتوثيق ويقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي: القيم السامية والهيكل التنظيمي للحملة والعلاقات الجماعية والفردية, فمن خلال الروايات والقصص الشفوية التي يتداولها أحفاد العقيلات والتي يشطح بعضها ليماثل الأساطير, يمكن استشفاف تلك العناصر التي فيما أرى كانت السبب في سيادة منهج العقيلات في التجارة والتعامل وتمكنهم من بناء مراكزهم التجارية المعروفة والتي تمثلت في بريدة وعنيزة في نجد والخميسية وسوق الشيوخ وبغداد في العراق ودمشق وعَمّان في الشام والخليل وغزة في فلسطين وإمبابة في مصر. لقد عمد العقيلات على مر العصور الذين سادت تجارتهم فيها إلى تكريس قيم سامية تمثلت في المروءة، والاستقامة، والنزاهة، والضمان، هذه القيم الأربع كانت محور سلوك العقيلي مع تفاوتهم في قيم أخرى، فالعقيلي يعتد بهويته ويعلن عن ذلك بطريقته في اللبس والتعابير اللغوية التي يستخدمها، والقيم السامية للعقيلي الأربع هي جل ما يحرص العقيلي على إظهاره للآخرين ومن يخرقها أو يخالفها بصورة متعمدة يفقد العلاقة التي تعترف به كعقيلي, فهيكلية العقيلات التنظيمية على بساطتها لها مقومات يعتد بها للترقية، فالعقيلي يبدأ حياته العملية أجيراً في الحملات ويطلق عليه لقب (ملحاق) وهو غير مؤتمن إلا على عمله الذي يكسب منه, وبناء على ما يبدو منه من حسن تصرف والتزام بقيم العقيلات يحصل على التوصية والتزكية من رئيس الخبرة أو شيخ الحملة فيصبح عقيلياً في الحملة التالية أو التي تليها وهنا له حق التبضع بمعنى أن يعلن للناس عن قبوله أموالاً ليستثمرها في تجارته ويجلس في منزله لقبول المساهمات والاتفاق عليها والقسم برعايتها وحفظها وتنميتها كماله, وبناء على ما يحقق العقيلي من نجاحات خلال الحملات التي يدوم بعضها ما بين سنتين وخمس سنوات يكتسب الثقة والتزكية ويتقدم في الهيكلة التنظيمية للحملة ليصبح (رئيس خبرة) والخبرة هي مجموعة من العقيلات لا تزيد على ثمانية أشخاص وتجمعهم إما قرابة عائلية أو يكونون من أبناء قرية أو بلدة واحدة أو أن الجامع بينهم رفقة وصحبة وعلى قمة الهيكل التنظيمي للحملة يكون (شيخ الحملة أو أميرها)، وقليل من العقيلات وصل لهذه المرتبة فلها متطلبات عدة منها: سعة الثروة والشهرة بين القبائل ومراكز السلطة والتعليم والحكمة. والعقيلات يهتمون بثلاث علاقات أساسية الأولى: علاقة المبادلة ويطلقون عليها (البيع والمشترى)وفيها يبرز العقيلي قيمه السامية بحيث يطمئن المتعامل معه ويصدقه, والعلاقة الثانية هي العلاقة بين العقيلي بالعقيلي الآخر والقائمة على النصرة والنصح والإرشاد ويسمونها (الخوة) فالعقيلي لا يتدخل في تجارة الآخر ولكنه يسدى له النصح والإرشاد فيما يعلم وينصره عندما يتعرض لغبن أو غش والعلاقة الثالثة التي يعتمدها العقيلات هي العلاقة مع السلطة فالعقيلي يدرك أهمية الاستقرار السياسي لنمو تجارته لذا يعمد العقيلات للانصياع لتعليمات شيخ الحملة الذي يدير العلاقات مع السلطة فشيخ الحملة هو المسؤول عن تعريف وحماية أفراد الحملة أمام السلطات السائدة.
العقيلات ليسوا ظاهرة سادت في عصر واضمحلت, إنها نمطية تشكلت بناء على متطلبات ظرفية ولكنها نابعة من عمق التراث العربي ومتجذرة في أسلوب الحياة السائد بين البادية والحاضرة في نجد ومع تغيير الظروف التي تؤثر في حياتنا المعاصرة وضمور نشاطهم، إلا أن نمط العقيلات في الإدارة والذي كان يستجيب لمؤثرات متعددة وغير ثابتة في مجملها كان قادراً على بناء نشاط تجاري له تأثير كبير ومؤسس في قيام حركة التوحيد التي قادها الملك عبد العزيز -رحمه الله-, لذا فحري بنا أن نولي هذا الجانب من تراثنا قدراً مناسباً من الدراسة والتأصيل لكشف مكامن قدرتنا الإدارية وألا ننتظر حتى يأتي باحث غربي ويصدر كتاباً عن نظرية في الإدارة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.