(1) في خطاب انفعالي غير مبرر-اعتدنا على مفاجآته بين وقت وآخر-شن شيخنا محمد العريفي في خطبة أخيرة له هجوما لاذعا على الصحف السعودية وكتابها بلا(استثناء)وبلا استعانة بالكلمة الرافعة للحرج الملتمسة لموضوعية ما..كلمة(بعض),بسبب تجردهم-على حد زعمه-من الوطنية وعمالتهم لجهات أجنبية مشبوهة!واصفا الخطاب الصحافي الثقافي المحلي بالعفن والنتانة,وأصحابه بالظالمين والمفسدين والمنافقين والمنحرفين أخلاقيا,وهم يكتبون وفي أيديهم سجائر أو مضلات أخرى آثمة,وبأن كتاباتهم تنبعث من غايات رخيصة يتسنى لهم من خلالها رؤية فتياتنا يقدن سياراتهن في الشوارع العامة,أو وهن يستحممن على شواطئنا الممكنة!..صواعق من كل شكل ولون تجعل جدنا الحطيئة بجلالة هجائه في تراثنا العربي(يهون)أمامها,وعندئذ لاتكفي(الثلاثة)آلاف درهم لكي يشتري منه مؤمن أعراض المسلمين بها,والتي انتهكت في دينها ووطنيتها واخلاقها وممارساتها..و(كل)ذلك الاندفاع الانفعالي كان بسبب أن الشيخ اختزل تاريخ صحافتنا وثقافتنا في اثني عشر يوما فقط,لم يجد فيها تحذيرا من الاضطرابات الأمنية التي كان من(الجازم)في وعي الشيخ إنها ستحدث في بعض مناطق المملكة! (2) ..بصراحة,فالمشهد الذي نهض بتأطيره الشيخ كان ظالما كارثيا بكل مقاييس الدين والدعوة,وبالمعايير العلمية الموضوعية,وبكل المقاييس,لأن الذي كان(جازما)في وعي الشيخ لاينم عن معرفة خالصة بالشعب السعودي الأصيل ونوع التظاهرات التي من الممكن أن ينهض بها فرحا بالملك النبيل وقراراته الحانية!ثم لأن الذين اتجهت إليهم ألسنة الشيخ الحداد هم مثقفو البلاد وكتابها ورؤساء تحرير صحفها,من الذين عرفوا بالاستقامة والاتزان والالتزام التام بشروط العمل الاعلامي الداخلي والخارجي على السواء,بل إن بعضهم قاد بعض مشاهدنا الصحافية لأكثر من ثلاثة عقود,لم يكونوا فيها يوما إلا محل ثقة وزراء مؤسساتها الاعلامية وولاة أمر البلاد عامة,إلا إذا ارتأى شيخنا العريفي شيئا آخر لم نره على الأقل خلال الأربعين عاما الأخيرة من عمر بلادنا المباركة!وفي اللحظة ذاتها فإن هؤلاء الكتاب/المثقفين كانوا أكثر أطياف المجتمع صدقا في تعرية أخطاء الواقع أمام حكامنا ومسؤولينا..منددين صارخين في وجه الفساد والغش والبطالة والخلل في أداء بعض الأجهزة الحكومية الذي نتج عنه مستشفيات عاجزة وشوارع مهترئة ومدارس مهملة,و(متواجدين) بجهد منقطع النظير في أماكن الأحداث الحقيقية لنقل حركة مجاري السيول ومخططات الأحياء الرابضة في الأودية,في الوقت الذي كان البعض من غيرهم مشغولا ب(ديكورات) استديوهاته الفضائية استعدادا لمواجهات فكرية!! أو لتعليق كل تلك الكوارث التي تضرر منها المجتمع على شماعة(القضاء والقدر)وفساد عقائد المنكوبين!..فمن كان ياشيخنا صادقا مع دينه ونفسه ووطنه ومجتمعه أكثر؟ومن الذي كان نفعا لمجتمعه حقيقة؟ (3) ..عندما ينادي كتابنا ومثقفونا بإعطاء المرأة حقوقها في التعليم والعمل والحياة,من تلك الحقوق التي نهض بها الاسلام في خطابه الرصين مع المرأة فإنهم حتما لايريدون أن يشاهدوها عارية على الشواطئ او سافرة في الشوارع بالضرورة؟ فهل كل علاقة بين رجل وامرأة داخل مجتمعنا تتجه دائما إلى العلاقة الجسدية الشهوانية؟ المسألة أكثر احتراما من ذلك بكثير ياشيخنا الفاضل,أما خطاب حق المرأة في إعلامنا فهو ليس إلا جزءا من خطاب إعلامي ثقافي يمس حقوقا كثيرة..كحق المريض والعاطل وطالب العلم..ولكن ربما ان عاطفتك المرهفة ياشيخنا جعلتك تستبعد كل الحقوق من اجل حق المرأة وحده!! (4) ربما أنني قد قلت في مقاربات سابقة بأن خطابات معينة لاتصيغ نصوصها إلا بمفردات الاقصاء والعنف والتصنيفات الجائرة(هل يعد خطاب الشيخ العريفي الأخير أنموذجا على تلك الخطابات بتوافر تلك المفردات؟)هي التي أفضت بنا إلى مهالك الارهاب والتطرف وأشكال العنف وجعلت منا أمام الآخرين رموزا لاستعلاء الصوت الواحد! أجزم بان الخطاب الثقافي-في أسوأ حالاته-لم يشكك يوما في أعراض الناس وعقائدهم ووطنيتهم!وتصنيفهم على أسس وهمية ليسهل وصفهم بالظلم والفساد والنفاق,وفي حالات أخرى بالزندقة والفجور التي تستوجب القتل والتعزير!وأصحاب الخطاب الثقافي في بلادنا–في أسوأ حالاتهم-لم يتهموا أبناء جلدتهم بالانحلال الأخلاقي الذي يجعل صاحبه يهجس بارتياد حفلات السفارات الماجنة,أو يكتب وفي يده الأخرى بقايا من كأس الحفلة الأخيرة! (5) يمكن على سبيل المجاوزة والتجاهل والسمو أن يمرر العقلاء الخطاب الأخير للشيخ العريفي,لو كان في سياق خاص,أما وأن ذلك الخطاب قدم على ملأ من الناس في خطبة جمعة,ومن داعية معروف وأستاذ أكاديمي في احدى مؤسسات بلادنا التعليمية فتلك المصيبة الكبرى,لأن صاحب الخطاب قد استغل منبرا دعائيا عاما للبوح بمشاعر وجدانية انفعالية لاتمثل إلا صاحب الخطاب.وهذا ماتنبه له الأجلاء في خطابنا الديني ذات خطاب سابق لشيخنا العريفي ضمن فيه شحنًا مذهبيًا وإثارة لنزعات طائفية,حيث اعلن سماحة مفتي البلاد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رفضه لذلك الانفعال الدعوي سعيا لما من شأنه توحيد الكلمة وجمع الصف ومراعاة المستويات العلمية للمصلين,وشيخ جليل من كبار هيئة العلماء انتقد ماورد في خطاب مماثل للشيخ العريفي مؤكدا على أن هذه الآراء لاتمثل إلا الشيخ نفسه,مشددا على الدور الذي يقوم به خادم الحرمين في جمع كلمة المسلمين,لأن مثل تلك الخطابات الانفعالية الاقصائية تقدم الفرص على طبق من ذهب لأطراف تناصب العداء الحقيقي لهذه البلاد واهلها..وفي السياق ذاته فمن المخجل حقا أن يظهر بعد صمت مطمئن كبارالذين تناولهم شيخنا في خطابه الاقصائي ليدعوا له بالهداية والدعوة إلى نشر محبة الاسلام وسماحته.. (6) وبعد فهل أن وطنية الشيخ العريفي قد خولت له وحده الهجوم الصريح على صحف بلادنا التي ترعاها مؤسسات حكومية كريمة كانت تحت ثقة ومسؤولية ولاة أمر البلاد..؟!وهل وطنيته تجعل له الحق في انتهاك اعراض عباد الله المكرمين العاملين في قطاعات بلادنا الكريمة؟؟وهل استجاب شيخنا وهو سليل أسلاف أجلاء للنداءات التي تحتفي-على عادة المجالس الرصينة الجليلة-(بالركادة) والاعتدال وضبط اللسان عن التجريح بالقول والنفس عن سوء النية؟