لا تختلف مقالة د. حسن النعمي (الطلاق وثقافة الاستعلاء) عن غيرها من المقالات التي سبقتها إلى مقاربة الطلاق باعتباره مشكلة اجتماعية، وحرصت على تبيان ما عدته سبباً أو أسباباً لظاهرة ارتفاع معدل حالات الطلاق. باختزال أتمنى ألا يكون مخلا، يُحَمل د. النعمي الرجل الجزء الأعظم من المسئولية تجاه ما يحدث من حالات الطلاق بسبب مجيئه الى الزواج بوعي وفهم خاطئين لمبدأ القوامة يسندهما جهل بالتغيرات التي حصلت في حياة المرأة. إن الطلاق عند النعمي، كما عند غيره، مشكلة عظيمة بأبعاد وارتدادات اجتماعية خطيرة، وهذا ما يشكل نقطة اختلاف كبيرة بينه وصاحبي، الذي فاجأني قبل ما يزيد على العقدين بوجهة نظر إلى الطلاق مختلفة جداً آنذاك ولا تزال عن وجهات النظر السائدة في المجتمع، أو بالأحرى وجهة النظر السائدة، كون تلك الوجهات لا تختلف جذرياً وجوهرياً عن بعضها البعض، إذ تتقاطع عند التهويل والتضخيم من «خطورة الطلاق» والتأكيد والاصرار على تصويره كمشكلة اجتماعية تهدد أمن واستقرار المجتمع. لا يشكل الطلاق نهاية العالم لا بالنسبة للزوج أو الزوجة، وقد يكون تمهيداً لحياة أخرى سعيدة سواء بالزواج أو بدونه. كما أنه لا يشكل نهاية العالم سواء بالنسبة للمجتمع أو لأطفالهما إذا كان لهما أطفال، إذ أن الحياة الزوجية غير المستقرة والخالية من المودة والانسجام بين الأبوين، لن توفر السعادة والرفاهية للأطفال، بل قد تكون لها آثار نفسية مدمرة عليهم الطلاق، عند صاحبي، أولا، مسألة شخصية، هكذا هو ويجب أن يبقى، ويرى أن القلق والخوف منه مبالغ فيهما إلى حد بعيد. وثانياً، وهو الأكثر إدهاشاً، مطالبته بالتوقف عن التعامل مع الطلاق باعتباره ،دائماً وأبداً، دليلاً على فشل العلاقة الزوجية بين الطرفين. ويقترح بديلاً عن ذلك مقاربة الطلاق على أنه نجاح الطرفين في ادراك أنه لا يمكن أن يستمرا في العيش معا. بكلمات أخرى، لا يشكل الطلاق نهاية العالم لا بالنسبة للزوج أو الزوجة، وقد يكون تمهيداً لحياة أخرى سعيدة سواء بالزواج أو بدونه. كما أنه لا يشكل نهاية العالم سواء بالنسبة للمجتمع أو لأطفالهما إذا كان لهما أطفال، إذ أن الحياة الزوجية غير المستقرة والخالية من المودة والانسجام بين الأبوين، لن توفر السعادة والرفاهية للأطفال، بل قد تكون لها آثار نفسية مدمرة عليهم. فحوى كلام صاحبي دعوة لتقبل الطلاق كحدث إنساني عادي لا يستدعي كل هذا الهلع والقلق، وأنه طالما أن هناك زيجات، سيستمر وقوع الطلاق، ولن يتوقف إلا بتوقف الناس عن الزواج. بعد عشر سنوات تقريباً، تذكرت كلام صاحبي عن «عادية الطلاق» واعتباره نجاحاً وليس فشلاً كما ينظر إليه المجتمع، وأنا أقرأ كتاب الأمريكية باربرا دافو وايتهِد «ثقافة الطلاق،1997» ( The Divorce Culture)، التي تتناول فيه بالتحليل «ثقافة الطلاق» التي بدأت في التشكل والانتشار ابتداء من ستينيات القرن العشرين. باختصار لا يمكن إلاّ أن يكون مدخلا لكتاب شائق وغني، ترصد باربرا وايتهد تحول الطلاق الى طريقة وأسلوب حياة نتيجة نشوء ما تسميه ثقافة الطلاق التي أدت بدورها الى «ثورة الطلاق» التي تضرب بجذورها بالنمو الاقتصادي الذي شهدته الولاياتالمتحدةالأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفي التغير الجذري الذي طال منظومة الأفكار المتعلقة بواجبات والتزامات الفرد تجاه الأسرة والمجتمع، وعبّر عن نفسه في التحول من الشعور والالتزام الأخلاقيين بالواجب تجاه الآخرين إلى الالتزام تجاه الذات، إذ أصبح الناس أكثر وعياً وحرصاً على الاهتمام باحتياجاتهم ومصالحهم الشخصية. امتد هذا التغير الى العلاقة الزوجية بتقديم الأنا على الآخر في جدول الواجبات . وكان من نتائجه البداية في الحكم على الأسرة وقوة العلاقات الأسرية، كما تقول وايتهد، وفقاً لقدرة الأسرة على تحقيق الإرضاء والاشباع للحاجات والرغبات الفردية، وفقدت بالتالي دورها كفضاء للتضحية والخدمة وأداء الواجبات نحو الآخرين. وفي حال عجز الأسرة عن تحقيق الإرضاء للذات، يكون الطلاق احد السبل المتاحة الى ذلك، فضلا عن كونه فرصة لإعادة صياغة وتشكيل الذات من الداخل الى الخارج، ولإنعاش النفس الداخلية. وينطبق هذا على الرجل والمرأة معا. twitter:RashedAlkhaldi