إلى ماذا تنتمي ؟.. حاول أن تجيب على هذا السؤال قبل أن تستكمل قراءة هذه الأسطر .. الانتماء في حقيقته حاجة أساسية تدفع الإنسان إلى النشاط باتجاه المجموعة التي ينتمي لها ، فالانتماء حاجة والحاجة من دوافع السلوك الإنساني ، والانتماءات التي ننتمي لها عبارة عن دوائر متقاطعة اخترنا بعضها ووجدنا أنفسنا منتمين لبعضها الآخر دون إرادتنا ، فالعائلة والمكان لانختارها وننتمي لها قدراً، والنادي الرياضي الذي نشجعه والثقافة الفكرية التي نؤمن بها ننتمي لها باختيارنا وهكذا .. إننا نعاني من اضطراب في ممارساتنا الفكرية والسلوكية والشعورية، بسبب تشوه لوازم الانتماء في ثقافتنا ، فعلى الصعيد الرياضي مثلاً كرهي للفريق المنافس وتمني السوء له -حتى لو كان في مهمة وطنية- هو تعبير عن حبي لفريقي ، وما يقال في الرياضة يقال في غيرها لأن المشكلة في جوهرها واحدة ، فأنا في حالة عداء وكره مع الآخر وأتمنى فشله على الدوام حتى لو كان هذا الآخر يستحق هذا النجاح . من عيوبنا في الانتماء ثقافة «عليهم عليهم» ، فتجد المنتمين إلى كيان يتحدون في الهجوم على خصومهم على طريقة العربي القديم : ( وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ) ، فاتباع الحق مرهون باتباع الكيان لذلك الحق . أشعر بالألم الشديد في حالات الاستقطاب الحاد وأنا أشاهد انتقاء الحقائق التي تناسب الكيان الذي ننتمي له لنغيب الحقيقة كما هي ، و يكون الحق مرتهنا لمن يوافقونني في الانتماء ، فيضيع التجرد وينحر الانصاف في ساحات الانتماء المشوه . في ثقافتنا نحو الانتماء نفترض علاقة صراع بين الدوائر التي ننتمي لها ، ( أسرتي - عائلتي - منطقتي - قبيلتي - مذهبي - وطني ... الخ ) ، مع أنها انتماءات متكاملة تلبي حوائج مختلفة ، وافتراض أن أحدها لن تحيا إلا بموت الأخرى يجدد من تصدير أزماتنا وتدويرها على الدوام في حلقة لا تنتهي . وحين يكون الحديث عن الانتماء للوطن فالأمر مهم للغاية ، ولابد من بذل جهد للتفريق بين الدولة والحكومة في وعي الناس ، لأن الخلط بينهما يسيء للانتماء للوطن ، فالحكومة ممارسات تنفيذية قد تفلح وقد تخفق ، والدولة الكيان الكبير الذي يجمع كل المختلفين ، وهنا أتذكر مقولة الفارابي : ( لا دولة فاضلة دون مواطن فاضل ) . شخصية الأمة تعبر عن أفرادها المنتمين لها ، وبعض ممارسات التخوين التي يصدرها البعض ضد البعض الآخر لها انعكاسات خطيرة ، لأنهم يريدون إجبار الناس على لون واحد من الانتماء والوطن يتسع لألوان عديدة . الانتماء يعيش ويترعرع في مزارع «الأمان» و»الحب» ، ولاتسأل عن الانتماء في توابيت «الخوف» و»الكره»..