بعد الأزمة القطرية تحدث كثيرون حول مستقبل «مجلس التعاون لدول الخليج العربية». وكانت بدايات المجلس قد شكلت أملاً لمواطني الخليج بضرورة توثيق وتسريع التعاون، وكان يمكن أن يتطور المجلس ليثمر وحدة خليجية اتحادية، لو لم تمتد الأصابع العابثة، ولو لم يصغ بعض قادة الخليج للهماسين والسحرة والنمامين وتجار المصالح والنفعيين والأحلام الطوباوية. وهذه معضلة وبائية سوداء توهن أي اتحاد دولي في التاريخ. تشكل المجلس عام 1980 على صدى عدوان إيران على ناقلات النفط الكويتية وتهديدات إيران للكويت، في بدايات حرب إيران والعراق. وتوحد المجلس تلقائياً وحشد قواه الدبلوماسية والعسكرية والمالية، لتحرير الكويت من الغزو الصدامي عام 1990. وفي عام 2011 قررت المملكة والإمارات، والكويت إرسال قوات إلى البحرين لمنع غزو إيراني وشيك، بأسلوب ما، للبحرين. وشاركت قطر اسميا تقريباً، ولاحقاً اتهمت البحرينالدوحة بالنفاق وأنها في الحقيقة كانت تدعم الفوضى في البحرين، بحجج منها أنها تود التوسط لدى قوى التمرد. ولوحظ أن عمان أيضاً تغرد خارج السرب بحجج ليست استراتيجية ولا تعزز لا الخليج ولا عمان المنفردة. من المنطق أن الكويتوالبحرين حريصتان على بقاء المجلس وتعزيزه. والمملكة من جانبها صبرت وقدمت تنازلات من أجل استمرار المشروع ونجاحه. وفي أزمة قطر الأخيرة (2014، 2017) تحججت الدوحة بالسيادة، ورفضت التخلي عن حزب الإخوان وأهدافه ومؤامراته، وتقديم ما يمكن أن يقال إنه تنازلات للسعودية والخليج ككل، لكنها، في المقابل، قدمت تنازلات سيادية موجعة لتركيا وإيران. وهذا منطق دبلوماسي غريب لأن تنازلاتها السيادية لتركيا وإيران، بتكاليفها الباهظة، لن تعوض الإسناد السعودي للدوحة التي كانت تمارس دوراً عربيا قيادياً أيام المساندة السعودية، إضافة إلى أن السعودية وحدها هي التي تعزز اقتصاد قطر تجارياً وسياحياً. وتعاني الدوحة الآن من خسائر مستمرة وعزلة على الرغم من تنازلاتها لتركيا وإيران. وهذا يعني أن الحقائق وأحكام الجغرافيا قاسية صلبة لا يمكن تحطيمها أو القفز عليها أو تجاهلها. وتكمن قوة مجلس التعاون في تعزيز مكانة الدول الصغيرة، ففي أيام «عز المجلس»، حينما يجتمع أمير قطر أو وزير خارجيته مع مسؤولي العالم العربي ومسؤولي العالم، كان يتحدث باسم القوة الخليجية الضاربة سياسياً واقتصادياً وجغرافيا وعسكرياً، ويجد من يصغي إليه ويستمع ويحترمه، وربما يفرض شروطه بقوة ولديه مساحة واسعة للتفاوض على أي موضوع، فهو مسلح بإسناد ست دول بينها دولة كبرى. الآن وزير خارجية قطر حينما يجتمع مع أي مسؤول عالمي، لا يجرؤ على التحدث باسم أي قوة، وليس لديه أي مساحة للتفاوض سوى تقديم عروض شراء، ووعود مالية فقط، وإذا لم يكن المال عنصراً فاعلاً في موضوع، يضطر للخضوع والموافقة على شروط الآخرين. لأن الدبلوماسية العالمية مصلحية، ولا تعترف بالقوى الصغيرة، دعك من إنشائيات المنتديات والمنظرين. مجلس التعاون يواجه خطر التلاشي إن لم يصحح المسار، وإن لم يعترف بالحقائق، وأهمها أن المملكة عمود المجلس الفقري وقوته الأساسية، سياسياً واقتصادياً وجغرافيا وعسكريا. ويكون أعضاء المجلس أقوياء فقط بدعمهم لمواقف المملكة واستراتيجياتها السياسية، وليس منافستها ومناطحتها ومحاولة خطف دورها أو التآمر عليها، وبالمنطق الطبيعي البدهي قوة المملكة ونجاحها تعزيز لكل دول المجلس وإضعاف المملكة إضعاف للكل، مجموعات وفرادى. • وتر لا تظنن الخوارط ترسم بدفق المحابر.. تلك وجوهنا.. بالأنفاس والدماء الزكية رسمت خريطة وطن المآذن.. والعاليات.. إذ تهدي كرائم الديم ماءها للهجير وسيوف السواحل وأرض المكرمات.. وإذ الثرى مزيج الروح وضياء الأقمار.. وأفئدة من الناس تهوي، وسنابك خيل..