هل الواقع حقيقة؟ هل الواقع وهم وتصور؟ هل الواقع واقعان أم عشرات أم آلاف؟ هل الواقع يثبت بالعقل والمنطق أو بالقسوة والاضطهاد والغصب؟ هل الواقع ذكي؟ أم أن الواقع هو ما يُعتقد أنه واقع سواء كان طامة من الطامات أو بركة من البركات؟ أعود لمسألة دوران الأرض، فقد كان الواقع في أوروبا بعهد كوبرنكس أن الأرض مسطحة وهي مركز الكون وتدور حولها الشمس والأفلاك، وارتاح الناس لذلك الواقع. جاء كوبرنكس صاحب العقل الشقي - وهو أيضا من فصيلة الرهبان المدافعين عن واقع أن الأرض ملكة الكون - وأزعج الناس المتدينين والبسطاء بأن أنكر الواقع القديم، وفجر نظرية جديدة فلكية فيزيائية قلبت كل مفاهيم الواقع والمنطق المقبول آنذاك وقال يا ناس أنتم لستم على جادة أبدا، فالأرض مكورة وهي التي تدور حول الشمس وأنها ليست ملكة الكون. واقع أفزع الناس ولم يتقبلوه. استمر هذا الواقع الخاطئ حتى جاء بعده بعشرات السنين جاليليو وتبنى النظرية الكوبرنيكية، وقامت عليه تنانين الكنيسة، وأجبرته أن يوقع وثيقة يقول فيها إن الأرض لا تدور، وبالفعل بلا حول ولا قوة كتب التعهد وهو يردد باللاتينية بصوت خفيض: «ايپور سي موڤ» أي إلا غصبا عنكم تدور. الواقع الجديد الذي أفزعنا الآن هو الزيادات والضريبة المضافة، والواقع عند الحكومة أن هذا هو الواقع الصحيح لزيادة إيرادات الخزينة. أيهما الواقع الصحيح؟ كلا الطرفين من الصعب اقناعهما، لذا لا بد من واقع بينهما جديد لا يكسب فيه الطرفان بالضرورة ولكن بأقل الخسائر كحساب المواطن مثلا لكن هذا لا يكفي، لا بد من واقع ينتج به المجتمع أكثر، ويحق له أن يطالب متى رفع هذا الاقتصاد بكله، توزيع القاعدة الإنتاجية، وفتح الفرص المتساوية، وفتح أسواق الخارج، هي الواقع الذي يعرفه العالم الآن.. وغدا، وكل يوم.. نسيت أقول لكم إنه بعد مئات مِن السنين على وفاة جاليليو في العام 1992 أخرجت كنيسة روما هذا البيان: «سنيور جاليليو.. آسفين، أخطأنا بحقك!»