«وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    «التحالف الإسلامي» يسلط الضوء على الأطر القانونية لمحاربة الإرهاب    والد الفريق محمد البسامي إلى رحمة الله    أطلقتها الوزارة في حائل ضمن مسار المناطق.. «خيمة الإعلام» تطور مهارات الكوادر الوطنية    227 صقرًا تشارك في 7 أشواط للهواة المحليين بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الرابع    100 ألف مستفيد من تمويل بنك التنمية الاجتماعية    تطبيق نظام الشرائح على ضريبة المشروبات المحلاة    شتاء البر    المملكة تضخ مليونًا و401 ألف لتر ماء بمحافظة الحديدة خلال أسبوع    انفجار الإطار والسرعة الزائدة ساهما بحادث جوشوا    بيان السيادة.. حين تفصل الرياض بين عدالة القضايا وشرعية الوسائل    متحدث التحالف: سفينتا الإمارات كانتا تحملان 80 عربة وأسلحة وذخائر    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    الميزة الفنية للاتحاد    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    «كهف الملح» من حلم القصب لواقع الاستجمام    ضبط شخص بمنطقة مكة لترويجه (22,200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    «تهامة عسير» .. دعم السياحة البيئية    131 مليارا أرباح قطاع التجزئة في عام    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    «جدة التاريخية».. وجهة سياحية جاذبة    منصات النحت    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    اعتراف خارج القانون.. ومخاطر تتجاوز الصومال    الصين تنتقد صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان    الأهلي يفقد روجر إيبانيز أمام النصر    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    مجلس الوزراء: السعودية لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    الشؤون الإسلامية بجازان تختتم الجولة الدعوية بمحافظة ضمد ومركز الشقيري    مدير تعليم الطائف يثمن جهود المدارس في رفع نواتج التعلّم    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    هل المشكلة في عدد السكان أم في إدارة الإنسان    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    غزال ما ينصادي    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    300 ألف متطوع في البلديات    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    7.5 % معدل بطالة السعوديين    افتتاح أول متنزه عالمي بالشرق الأوسط في القدية    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. تونس تسعى لعبور تنزانيا.. ونيجيريا تلاقي أوغندا    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    الرئيس الأمريكي يلوح باقتراب السلام.. وزيلينسكي: ضمانات 50 عاماً على طاولة ترمب    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة الخلاص عند المفكر فهمي جدعان
نشر في اليوم يوم 02 - 03 - 2017

يخلص المفكر فهمي جدعان في كتابه المهم «في الخلاص النهائي- مقال في وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين» الصادر عام 2007، دار الشروق إلى نتيجة مؤداها أن دعاوى هؤلاء ونظمهم لم تكن واضحة بما يكفي لتحديد الحدود في النظام الواحد كالإسلاميين مثلا، ناهيك عن الحدود بين نظام وآخر. حيث تطال مقولاتهم جملة من المفارقات التي تسندها إلى مفاهيم ملتبسة تعتمد بالأساس على ما يسميه «المخيال العربي العام» الذي بدوره يختزل الفروقات فيما بينها، ودائما ما يحيل هذه الفروقات إلى نوع من التسطيح والثقافة الشعبية.
وهو عندما يتطرق إلى الإسلاميين فهو يشير بشكل مباشر إلى المعاصرين منهم الذين يهجسون بالسلطة والدولة والحاكمية. لكن مجرد الهاجس لا يعني أنهم ينطلقون من مفاهيم واضحة ومحددة تكون أشبه بمرجعية تضمهم جميعا، والاشتراك أو الإحالة إلى مطلق الإسلام لا تحسم الاختلاف ولا ترفع التمايز كما يؤكد المفكر نفسه.
لكن من وجه آخر، لا يخفي الكتاب أن ثمة تطورا طال مقولات الإسلاميين وأدخلهم هذا التطور في التاريخ بعد أن كانوا في تفكيرهم ورؤاهم متعلقين بالميثي أي الأسطوري. إذ يرتكز في دعواه على فكرة الخلاص باعتبارها الفكرة الثاوية في فلسفة النهايات التي بشر بها الفكر الغربي منذ أواخر القرن العشرين كنهاية الإيديولوجيا، ونهاية السلطة، ونهاية الغرب والدين، ونهاية الإنسان نفسه، حيث أصبحت ظاهرة العدمية هي العلامة الفارقة على دخول المجتمعات إلى ما بعد الحداثة. وهي فكرة بالنسبة له تعكس الوجه الآخر لفلسفة النهايات، والتي لا تمثل عنده سوى «أخرويات» أو «أسكاتولوجيات دنيوية أي أيديولوجيات في الماهية والوظيفة والمنزع وأن روحها العميقة تتسم بالإطلاق والقطعية أو الدجماطية» ص 18.
وإذا كانت مثل هذه الفلسفات قد احتلت الفضاء الغربي وامتلأت به في لحظته الراهنة بسبب ما يراه البعض من المفكرين الغربيين من فشل في الفكر التنويري العقلاني أو انحساره، فإن الفضاء العربي الإسلامي في تاريخه قد عرف الكثير من أسباب الافتراق والتشرذم والظلم والاحتراب منذ ما بعد التجربة النبوية إلى التجربة المعاصرة، وهناك إرث كامل من الحوادث والشواهد والأفكار والأحاديث التي تعزز مفهوم الافتراق وترسخه، بل إن فهمي جدعان يقر بما لا يطاله الشك أن تجربة الدين الإسلامي لم تتشكل تاريخيا إلا في سياق الافتراق ذاته، وكأن الافتراق هو الأصل بينما الاستثناء هو التوافق. لذلك حين يضع فكرة الخلاص ضمن هذا السياق ويربطها بالتجربة الإسلامية، فإنه يرى الفكرة قد تمثلت في جملة من الحركات والفلسفات والفرق ذات المنزع الخلاصي الأخروي التي ترى في شخص المهدي المنتظر أو المسيح المنتظر الخلاص النهائي من الشقاء والبؤس. لكنه يلفت نظرنا إلى أن هذا المنزع الخلاصي خالطه وعي أسطوري يعلي من شأن فكرة الانتظار والمخلص على فكرة التوجه للواقع والارتكاز في قضاياه. وعليه ظل مفهوم الخلاص بمنأى عن التغير أو التحول في بنيته الارتكاسية حتى مطالع الزمن المعاصر. وليست التجربة السياسية الإسلامية المعاصرة بجميع تشعباتها سوى الدليل على الاستجابة التاريخية باعتبارها الاستجابة التي غيرت في التجربة الكثير من مقولاتها ونظمها ورؤاها وأخضعتها بالتالي على محك الواقع وارتهاناته.
وبجانب هذا التحول، أيضا حدث تحول آخر في أفق التجربة ذاتها، كما يؤكد مؤلف الكتاب، يتصل بمفهوم الدين أو التدين، فبعدما ارتبط التدين في سياقه التاريخي الطويل بفكرة التقوى في السلوك والصلاح الأخلاقي وتهذيب النفس على العبادات تحول إلى «عملية رسالية» هدفها الأساس التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. وتبعا لذلك تغلب العامل السياسي في توجيه دفة التدين بعيدا عن مفاهيم الخطاب الفقهي ومؤثراته، وأصبحت تجربة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضوان الله عليهم عندهم هي الرسالة التي ينبغي استعادتها في إطار ما يسمونه الدولة الإسلامية. لكنهم تغافلوا كما يشير المفكر فهمي جدعان مرة إثر مرة إلى أن مطلب الاستعادة ضمن تجديد الفكر الإسلامي لا يرتبط بنشوء «الدولة الإسلامية» بقدر ما تتاح للقيم الإسلامية الفرصة كي تتحقق في «فضاء من الحرية والعدالة». لا أقل ولا أكثر.
طبعا كما هي فكرة الخلاص عند الإسلاميين هناك فكرة الخلاص في وعود العلمانيين والليبراليين، فإذا كان مفهوم الخلاص عند العلمانيين يتوقف على تحييد الدين في الشأن العام الاجتماعي والدولة، فإن الليبراليين يتحدد عندهم عن طريق الحرية. وعندما يحلل مواقف العلمانيين من جهة، ومواقف الليبراليين من جهة أخرى ويقرنها بتاريخ العلمانية والليبرالية عند الغربيين لا يجد سوى نسخ مشوهة لا ترقى إلى مفهوم التجاوز أو الاستيعاب، بل هي نسخ طاردة. لكنه في ذات الوقت يلح على جانبين بالإمكان أن يشكلا رافعة للالتقاء وحتى التوافق بين هذه الوعود الثلاثة، الأول بالروافد الجاذبة كمفهوم العدل والرحمة والمصلحة عند الإسلاميين، ومفهوم العقلانية التكاملية كما يسميها الكتاب عند العلمانيين، ومفهوم الليبرالية الاجتماعية التضامنية عند الليبراليين. أما الثاني الذي يضم مثل هذا التوافق فهو فضاء الديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.