عدد كبير من الخبراء حاولوا الوقوف عند سياسة ترامب الخارجية وتحديدا الشرق أوسطية، حيث انطلق كثير منهم بالتأكيد على عزلة السياسة الامريكية فترة ترامب، لكونه سيركز على قضايا امريكا الداخلية، متخذا من شعاره «أمريكا أولا» إحدى ركائز هذه السياسة، غير أن الخبراء أمثال جوزيف ناي يرون أن السياسة الخارجية والداخلية للدول الكبرى اصبحت متشابكة ومتداخلة، ولا يمكن تحقيق الفصل بينهما، فالازمات الدولية تؤثر في الامن الامريكي. حاولت وسائل الاعلام تشويه صورة الرئيس الامريكي المنتخب، وجعلته مغرقا بمفهوم المساومات التجارية، وأنه سينظر الى الارباح لا الخسائر، ولكنهم تغاضوا عن ان القرار السياسي الامريكي ليس محصورا في مؤسسة الرئاسة، بل يشاركه الكونجرس ومجلس النواب، وادوات ومؤسسات الضغط المختلفة. أمريكا لا تستطيع تجاهل منطقة الشرق الاوسط، فالمشكلات والازمات التي حدثت، كانت بفعل سياسات امريكية سابقة، من افغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، فالتراجع في السياسة الامريكية كان واحدا من اسباب هذه المشكلات، اضافة الى التدخل غير المبرر بفرض تغييرات مخالفة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول، حيث ينظر جوزيف ناي الى ان دونالد ترامب قد يكون محقا في رؤيته بعدم التدخل في التفصيلات الداخلية للدول والمجتمعات. السياسة الامريكية الجديدة ليست مختلفة بشكل جوهري عن السابق، لكنها ستشهد دينامية وفاعلية أكبر من السابق، ولن تظل سياسة الرئيس الامريكي باراك اوباما بالقيادة الخلفية قائمة، كما ان للولايات المتحدة مسؤوليات دولية وعالمية لا يمكن تجاوزها، لان ذلك سيدفع الدول للبحث عن حلفاء جدد في العالم، حيث تبرز تركيا واحدة من الدول التي تستشعر الاذى من السياسات الامريكية عقب الانقلاب العسكري الفاشل والذي دفع بها الى اعادة علاقاتها مع روسيا والتفكير جديا في الانضمام الى منظمة شنغهاي. هذه التحولات الجيوسياسية، تؤكد أن العالم يتجه بقوة نحو التعددية القطبية، فالتعددية الاقتصادية بدت واضحة، ولا يمكن نكرانها، والعالم بدأ رغم الحروب والازمات الدامية يؤثر ويتأثر بالحرب والسلام في العالم، فالصراعات والنزاعات في الشرق الاوسط لن تبقى حبيسة هذه المنطقة، بل ستشمل اوروبا والدول الغربية وامريكا، والانعزالية لن تصنع الامن والاستقرار للآخرين، فشعوب المنطقة ترى أن على هذه الدول ان تدفع ضريبة عدم مساعدتها في التأسيس للامن والسلام، وعليه فهي لن تدع هذه الدول تعيش سلاما وحدها، فالازمات والمشكلات العالمية تحتاج تدخلا عالميا أيضا. الفريق الرئاسي الذي بدأ الرئيس المنتخب باختياره، لديه معرفة دقيقة بدول الشرق الاوسط، وبخاصة الدول التي تعبث بالامن والاستقرار الاقليمي، وعليه فان الملاحظ ان الحكومة الايرانية ترتعد خوفا، وتعمل على انجاز ملف معركة الموصل وحلب قبل استلام ترامب السلطة، لان ملامح الصدام مع الادارة الجديدة يبدو قادما، مع توقعاتنا بأن التراجع عن الاتفاق النووي غير ممكن، الا ان هناك ضوابط يمكن ادخالها على الاتفاق لمنع ايران من تطوير سلاحها النووي وإجراء تجاربها التي تهدد أمن واستقرار دول المنطقة وتهدد المصالح الامريكية. إيران بدأت تستعجل عقد صفقات السلاح مع روسيا والصين، وهناك معلومات تؤكد توقيع ايرانوروسيا اتفاقيات عسكرية تسمح لموسكو باستخدام القواعد الايرانية، في خطوة تحاول فيها ايران كعادتها وضع موسكو في مواجهة مع واشنطن. بعيدا عن محاولات استشكاف السياسة الخارجية الامريكية وتوجهات الرئيس المنتخب، إلا أننا نعتقد أن الادارة الجديدة ستظهر أكثر قوة والتزاما بالقضايا الدولية ومنها القضايا الاقليمية، وان الذين تحدثوا بسلبية عن الرئيس دونالد ترامب، سيكون اداء فريقه الرئاسي مفاجئا لهم، وعليه فإننا نتوقع أن يكون عهد ترامب قريبا من عهد الزعامات الامريكية العظيمة.