من شاهد خلو مقعد ممثل المملكة في منظمة اليونسكو، بعد أن غادر ممثلنا القاعة، قبل بدء مراسم تأبين الهالك شمعون بيريز، محتجا على تمجيد السفاحين والارهابيين، لا شك لحظتها يغشاه شيء من الفخر والارتياح، واطمأن بأن هناك بقية عزة وكرامة، تأبى أن تنتقص وتمتهن في مقر دولي، هذا الشعور الإيجابي أحاط بكل عربي ومسلم، كان قد تضجر واستشاط غضبا، بعد مشاهدته تلك الهرولة المخزية والفاضحة، من شخصيات عربية رسمية، حضرت جنازة أحد رموز الإجرام، فجاء موقف ممثل المملكة الرافض للتأبين بمثابة التعويض، الذي خفف الوطأة على الجماهير العربية والإسلامية، التي شاهدت على الهواء مباشرة، تلك البكائيات والانحناءات، أمام جثمان مجرم شهير ورمز من رموز الإرهاب، ولا أدري هل يعي هؤلاء أن تأبينهم لبيريز هو نوع من التأييد لإجرامه، ومشجع لغيره من الطغاة والإرهابيين؟ المصيبة أن كل من حضر وتأثر وبكى وتباكى، قد عاصر إجرامه وهو شاهد عيان، على أنهار الدم الفلسطيني التي أسالها هذا المجرم، ويعرفون جيدا أنه صاحب فكرة الاستيطان، التي فتتت بها الأرض الفلسطينية، وتتعجب كيف استطاع هؤلاء أن يغيبوا عن وعيهم ويتعاموا عن ذكرى اغتيال الطفل (محمد الدرة)، والانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى المسماة (انتفاضة القدس)، التي تزامنت في ذلك اليوم مع تأبين المجرم، وستستلقي على ظهرك ضحكا، عندما تسمع أحدهم وهو يبرر حضوره، وقد منح بيريز حسنة توقيع أول صهيوني لاتفاقية (أوسلو)، في عملية سلام مع السلطة الفلسطينية، وقد تناسى ولم ينس أن المجرم نفسه، بخداعه وبأساليبه الماكرة، هو من تحايل وتنصل من استحقاقات الاتفاقية، وكانت مجزرة (قانا) التي قضت على 250 لبنانيا، أحد انجازاته الإرهابية بعد توقيع (أوسلو). لا أدري ما سر انفراد جنازة هذا المجرم بالاهتمام، ولماذا حظي وحده بهذا الزخم الإعلامي؟ فما الفرق بينه وبين أقرانه المجرمين الهالكين قبله، والذين شاركوا معه في التخطيط لاغتصاب أرض فلسطين؟، فمناحيم بيجن وبن جوريون وجولدا مائير وانتهاء بإسحاق شامير، كل منهم له سجله الخاص والحافل بأنواع جرائم الحرب، عموما ما حصل من تأبين هنا أو هناك، هو خذلان عالمي وانتكاس في مفاهيم العدالة العالمية، التي بدلا من تقديمه كمجرم حرب قبل هلاكه، لمحكمة الجنايات الدولية، نظير سفكه لدم الشعب الفلسطيني الأعزل، نجدها تكرم المجرم على حساب ضحاياه، غير آبهة بمشاعر أسرهم!! موقف ممثلنا في منظمة اليونسكو، كان محل تقدير واحترام شرفاء العالم، وما كان للسفير (الدكتور زياد الدريس) القادم من دولة السلام، أن يناقض مواقف دولته المبدئية والدينية الواضحة والثابتة، تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى، ولا أن يناقض مبادئه هو وقِيمه كمواطن سعودي، وقد مُنح شخصيا لقب (سفير السلام) من الاتحاد، تثمينا لإسهاماته في ترسيخ ثقافة السلام والتسامح، من أجل السلام العالمي داخل منظمة اليونسكو، من يحمل تلك القيم وهذا السجل الشرفي، من الطبيعي أن يرفض المشاركة، في تأبين مجرم محترف الإجرام!! من يراقب المتغيرات السياسية ويتأمل تطوراتها، يدرك أن المملكة ليست دولة براغماتية انتهازية، تتقن التلون السياسي فتقول شيئا وتفعل نقيضه، فالمملكة لها مكانتها وثقلها الدولي، وتتبوأ صدارة العالم العربي والإسلامي، وقد تحملت منذ نشأتها مسؤوليتها الإقليمية، فسخرت قدراتها ومواردها لخدمة قضايا الأمة، وما زالت القضية الفلسطينية تحتل أولوياتها الحتمية وما زالت المملكة تسعى مع المحبين للسلام لإحلال السلام العالمي، الذي هو هدف من أهداف سياستها الخارجية، التي تتسم بالحكمة والاتزان والعقلانية!! * كاتب