يطالبون بالعدل والإنصاف حين يتعلق الأمر بحقوقهم؛ لكنهم لا ينتهجونه في أبسط حقوق غيرهم.. أولئك هم النرجسيون.. تتضخم النرجسية في المجتمع عندما يطالب أفراده بإقامة العدل في جل حقوقهم لكنهم لا يتحفزونه في تعاملاتهم.. العدل، والمساواة، الموضوعية، الإنصاف كلها مفاهيم ومترادفات تحمل قيمة عالية في حال انتهاجها بدون تجزئة وتناقض.. البعض لا يعي تلك المفاهيم جيدا إلا عندما يتعلق الأمر بشؤونه، أما في حقوق غيره فتختلف المعادلة تماما.. يمكن إدراك النرجسية المجتمعية في عدة مؤشرات منها الاجتماعية والفكرية والثقافية.. لا نتحدث هنا عن النرجسية الخالصة والمتصلة بالمرض النفسي إنما تلك الممزوجة بضعف الأدب والخلق. ففي الجانب الاجتماعي على سبيل المثال؛ في أبسط يومياتك عند خروجك من المنزل لأي غرض تجد نفسك تختنق في فوضى الشارع وأنانية السائقين من حولك، تلك التي أضافت فوق أزمة الزحام عبثا وهما آخر.. وبذات المبدأ وتحت وطأة النرجسية نرى فوضى الطابور وعدم احترامه، فمعظم طوابير المحاسبة في الأسواق أو مكائن صرافات البنوك لابد وأن صادفك عندها من يحاول ان يتعدى عليك أو على غيرك في خط الطابور، ولا أعرف سر هذا النوع من السلوك الذي قد ينتهي في كثير من الحالات بالمشادات الكلامية ثم المشاجرة!! أما على الصعيد الثقافي والفكري فنجد أن كثيرا ممن يدعون احترام الاختلاف ويطالبون بالموضوعية في النقد هم أنفسهم من يمارس الانتقاد بشراسة لإسقاط قيمة الفكر أو الشخص المخالف، ليس هذا فحسب بل قد يلجأ في بعض الحالات إلى تأليب الرأي العام عليه بعدة طرق واتهامات.. أعتقد أنه مع كثرة حالات التناقض بين ما يقوله الناس ويفعلونه أصبح سلوك الانفصام الاجتماعي العام غير مستنكر كثيرا، فلا يخجل ولا يشعر بالعيب والتشتت من يقول كلاما مناقضا لفعله.. هذا النمط الفكري الشائع أفرز أعدادا كبيرة تحترف التنظير لكنها تعجز عن التطبيق في أبسط سلوكياتها.. باختصار لا يمكن ان تتزن كفة العدل في كل شؤون الإنسان ونواحي حياته إلا إذا أقام الصدق وقدم الإنصاف في حقوق غيره بذات القدر الذي ينشده من الآخر.. العدل صفة تستجلب (الحظ الكبير) في معظم شؤون الحياة، لذلك الأنانيون والحسدة والبغيضون وسيئو الأخلاق دائما ما يعانون رداءة الحظ ويرددون ذلك في سخطهم وشكواهم الدائمة.. أعلم أن النزوع للإنصاف وإقامة العدل والحرص على حقوق الآخرين خلق فطري بالدرجة الأولى لكن بمحاولة التعود يمكن اكتسابه.. أعتقد أن عوائد الإنصاف والتخلق بها تستحق عناء المحاولة لمن يعاني فقدانها أو انخفاضها، تستحق ان يلزم الإنسان نفسه بها وإن بدت شاقة في بداية الأمر. طبعا هناك فئة من الظلمة والنرجسيون وأصحاب القلوب المعتمة لا يمكن أن يستوعبوا هذا المنطق فهم مرضى حتى النخاع؛ هؤلاء مواقف الحياة وقانون العاقبة الأخلاقية هو من يتكفل بهم.