إن كنت تنتمي إلى هذه الشخصية، فحاول أن تعيد النظر في وضعك الحالي لتغييره؛ أما إذا كان أحد من حولك هو من ينتمي لها فحاول الابتعاد عنه قدر ما تستطيع.. أتحدث هنا عن الشخصية الأنانية، ويسميها البعض بالنرجسية، وهي مسميات لطيفة ولبقة نوعا ما لوصف شخصية «متوحشة نفسيا» فاسدة وطنيا.. قد يستغرب البعض من عملية الربط «تحليليا» بين التوحش النفسي والفساد الوطني! الأمر ببساطة أن الشخصية الأنانية تكون مشبعة بأفكار وتوجهات مضادة للآخرين في أبسط أمور المصلحة والحقوق، فعادة يفتقد هذا النوع من الشخصيات أبسط قواعد الذوق واللطافة في عدة مواضع منها على سبيل المثال: الحوار، انتظار الدور في الطابور، قيادة السيارة بالنسبة للرجال.. فعلى مستوى الحوار أو الحديث نجده دائما كثير المقاطعة للآخرين، يتحدث كثيرا عن نفسه، لا يحسن الإنصات.. أما على مستوى احترام الطابور فهو لا يجيده بالذوق وإذا أحس أن هناك فرصة لاختراقه لا يتوانى في فعلها متجاهلا تذمر المحيطين، وإذا لم يجد فرصة لذلك تشعر بذبذبات قلقه وحركته وتحفزه تخترق جسد من هو أمامه! أما على مستوى القيادة فالجميع يعرف ويعاني من هذه الإشكالية ولربما ساهم هذا النوع من الشخصيات في سوء حالة مرضى الاكتئاب والضغط والسكر في الشوارع، بدون إغفال النظر طبعا عن كمية المصائب والحوادث التي يحدثونها.. طبعا هذه أمور بسيطة تتعلق بالحقوق المشتركة في تفاعلات الناس، أما في الجانب الاجتماعي الخاص بفئة «الأنا المزعجة» فهي مؤرقة لمعظم المحيطين بهم سواء في دائرة الأقارب أو زملاء العمل. عموما المهم هنا هو قضية الأنا والفساد الوطني، إن شيوع مثل هذا النمط وتكاثره بلا رادع اجتماعي وقانوني وتربوي، يخلف نوعا من الفوضى، فأبسط مثال لتقييم الأضرار التي ينتجها هذا النوع من الشخصيات على المستوى الظاهري، هي إتلاف الممتلكات العامة من أماكن جلوس وطاولات أو أشجار وغيرها، إضافة إلى انتشار الأوساخ والقمامة في أماكن الترفيه على الشواطئ والحدائق العامة، فالمواطن هنا يتصف بنوع من الاتكالية والأنانية لأنه لم يهذب نفسه ولا أولاده على احترام الملكيات العامة وتقديرها من منطلق اشتراكه في منفعتها، والمسؤول أيضا أناني ولا يفكر إلا في جوانب تخص مصلحته، لذا نجده بطيئا جدا في استصدار القرارات التي تنظم فوضى الحياة العامة، ولا ألومه هنا بشكل مطلق فالمسؤول في النهاية ابن بيئته الاجتماعية والثقافية، التي غذته على وجوب الاهتمام بمصلحته الخاصة أولا وثانيا وثالثا.. وعودة على ذي بدء، هناك «أنانيون» بالفطرة ينجبون أولادا أنانيين بالوراثة أو أنانيين بالتربية، وهناك أنانيون ضحايا، بمعنى أن شعورهم جاء كردة فعل على واقعهم، فهم مقلدون يسايرون واقع حياتهم بمعطياتها.. الفئة المجني عليها في هذه القضية؛ هي التي لم تتقبل هذا الوضع وتشعر بنوع من الغربة الثقافية وهي في وسطها الاجتماعي ووطنها الأم. في النهاية لن استقرئ أسباب وصولنا لهذه المرحلة؛ إنما أترك عدة تساؤلات لاستنهاض التفكير والتحليل «لمن يهتم منكم» وهي: هل من الممكن أن تشيع الأنانية في ثقافة ما بالعدوى الاجتماعية؟، ما المطلوب لإشاعة احترام الحقوق والحريات في تفاعلات الأفراد البسيطة في الحياة اليومية؟، ما أكثر القيم استحواذا وأهمية في التفكير الجمعي «للعقل السعودي»؟. أرجوكم نحتاج تحليلا منطقيا بعيدا عن نظرية المؤامرة وفساد المسؤول التي أرهقت العقلية العربية. * إعلامية وباحثة في الدراسات الاجتماعية