هل فكرت مرة بمعنى الجمال؟ أو أن تتأمل الجمال من حولك؟ أو أن تشاهده؟ تراه تتلمسه بحواسك، تشعر بقربه منك برغم كل لحظات الإحباط؟ أم أنت ممن لا يرى معنى لكل هذا، وترى بكلامي هذا حالة ترف، لا تعيش على أرض الواقع، أي مثالية بعيدة عن نوازع البشر. كم هي نسبة ممن يمكن أن يعطيك درسا بالواقعية، التي لا تلتقي مع رؤيتك للجمال؟! لا أريد أن أعطي نسبة دون أن تكون هناك دراسة ميدانية لحال مجتمعاتنا وعلاقتها بالجمال، ولكني أميل للقول إنها كبيرة، برغم الفن والشعر الذي عشنا عليه منذ العصر الجاهلي إلى الآن، ومع هذا لم يستطع أن يعزز لروح الجمال فينا، برغم أن الشاعر إيليا أبو ماضي بح صوته وهو يقول: والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً نمر على هذا البيت ونعجب به، ونقر بجماله، ولكنه لا يترك فينا أثرا يذكر، غير المتعة اللحظية، التي تتلاشى بمجرد أن تصدم بالواقع. لماذا؟ لأن الكثير منا يرى به لحظة ترف خيالية ليس لها صلة بحياته، فهو يرى بقصائد البكاء على الأطلال أقرب لتصوير حاله، من كل قصائد الجمال مجتمعة، أي ربما بيت واحد من البكائيات، يعادل كل أبيات الجمال في نفسه!. الجمال ليس حالة ترف تمر بها المجتمعات، إنما هو بان للحضارات ومؤسس لسلوك أخلاقي في المجتمع، فلسفة تعيشها المجمعات الحية، وبالتالي لا يمكن أن تؤسس حضارة لأي مجتمع من غير أن يكون للجمال مساحة كبيرة تحتل نفوس أفراده. من المسئول عن غياب فلسفة الجمال من حياة المجتمعات العربية؟ ربما كانت الإجابة عن هذا السؤال كبيرة، وبالتالي لن أبحث هنا عن مشجب أضع عليه كل الأسباب. قد تتفق معي بأن هناك تبلدا في الإحساس بالجمال يعيشه الإنسان العربي، وبأن هناك من يصر على أن يحجب عنه كل صور الجمال، كل هذا وأكثر منه، قد تتفق معي أو تختلف. بل قد يخرج عليّ من يقول مقالك هذا ليس فيه أمل لسير نحو الجمال، فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، ففاقد الشيء لا يعطيه، فأنت أشبه بمن يرى أن العرب بلا أي مسحة للجمال، وهذا محال، فلو لم يكن العربي يعيش الجمال واقعا في حياته، كيف كتب كل أشعار الغزل، وعرف عنه الكثير من الأخلاقيات وأدبيات الجمال، التي أكدت أنه صاحب حضارة، أي بعنوان آخر صانع لجمال الإنسان. اختلافك معي يا عزيزي صورة جمالية، وبالتالي يكون السؤال عن الجمال جمالا بحد ذاته، فنحن كمجتمعات عربية بحاجة في كل ثانية أن نفتح أسئلة جديدة عن الجمال وفيه، فنقد الجمال العنوان الآخر لصورته فينا، إنني هنا أستثيره لأخرج كل ما أستطيع من صوره، أي أستثيرك أنت أيها القارئ، لترى بعد ذلك كل صوره التي تسكن فيك ومعك وحولك، فمفتاح الجمال اليوم لنا نحن العرب هو الإصرار والتأكيد بالسؤال عنه، فالجمال ليس قوالب جاهزة، تصمت الأسئلة أمامها، إنما أحياء وولادة جديدة، نقتله حينما نمنع السؤال عنه. فهل رأيت الجمال؟ إن رأيته قل لي ما هي فلسفتك عنه وفيه؟