السعودية ترحب بقرار أمريكا بإلغاء العقوبات عن سوريا بموجب قانون قيصر    عسير في صدارة الوجهات السياحية الأسرع نموًا في الخليج العربي 2025    الين يتراجع بعد قرار المركزي الياباني برفع الفائدة    تيك توك يوقع اتفاقية مشروع مشترك مع شركات أميركية    طلاب المرحلة المتوسطة يبدعون في المعرض الختامي لبرنامج مهارات المستقبل بالطائف    جامعة تبوك تحتفل باليوم العالمي للغة العربية    ارتفاع أسعار النفط في ختام تعاملاته    مقتل سبعة أشخاص في تحطم طائرة خاصة في الولايات المتحدة    موسى المحياني: وضع الأخضر قبل المونديال مخيف والتحرك يبدأ الآن    السياح يوثقون مهرجان الإبل    ألوان الغروب    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    «دوائر النور»    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    فيفا يصدر قراره في نتيجة مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي بكأس العرب 2025        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    القبض على يمني في جازان لترويجه نبات القات المخدر    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    بطولة "قفز السعودية".. عبدالرحمن الراجحي بطل شوط نقاط كأس العالم 2026    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    منتخب المغرب يتوج بلقب كأس العرب على حساب الأردن    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    مصير مباراة السعودية والإمارات بعد الإلغاء    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    طقس شتوي وأمطار تنعش إجازة نهاية الأسبوع في جيزان    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل مفتي جمهورية رواندا    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    برعاية أمير المدينة.. اختتام مسابقة "مشكاة البصيرة" لحفظ الوحيين    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باللغة العربية في يومها العالمي    إمارة منطقة مكة المكرمة تشارك في النسخة العاشرة لمهرجان الملك عبدالعزيز بالصياهد    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    مرتفعات تروجينا وجبل اللوز تشهد تساقط الثلوج وهطول الأمطار    نعمة الذرية    أكد أنه امتداد لدعم القطاع الصناعي من ولي العهد.. الخريف: القرار يعزز التنمية الصناعية ويطور القدرات الوطنية    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    شاهد فيلماً وثائقياً عن أكبر هاكاثون في العالم.. وزير الداخلية يفتتح مؤتمر أبشر 2025    "الغامدي"يتوّج الجواد "يهمني"بكأس وزارة التعليم في موسم الطائف الشتوي    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    البكري تحذر من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام ناظر وملحمة التنمية «2-3»
د. الجشي: أعطى أهمية كبرى لتطوير وصقل الطاقات الوطنية
نشر في اليوم يوم 21 - 01 - 2016

في الحلقة السابقة تعرفنا على شخصية الشيخ هشام ناظر الذي استطاع من خلال اجتهاده ومبادراته أن يساهم في تأسيس الهيئة الملكية إضافة لكونه من الرجال القلائل الذين اعتمدت عليهم الدولة في حقبة وزارة الملك خالد، ليس في مجال التخطيط أو الاقتصاد فقط، بل في كثير من المجالات ذات الأهمية بالنسبة للدولة.
كتابة عقد
بالتزامن مع تلك القراءات كلفت من قبل الشيخ هشام بتولي زمام المباحثات مع «بكتل» حول كتابة عقد جديد للقيام بأعمال الخدمات الاستشارية لمشروع الجبيل. كانت الهيئة الملكية للجبيل وينبع قد تعاقدت مع شركة (شيرمن وستنرلبخ) الامريكية لتقديم الاستشارات القانونية، ومنها المساعدة في إعداد العقد مع «بكتل»، كما كانت الهيئة الملكية قد تعاقدت، أيضا، مع المكتب السعودي (سعود الشواف للاستشارات القانونية) لنفس الغرض.
وكان خبراء هذين المكتبين قد أعدوا مسودة للعقد، كما كانت هناك مسودة أخرى قدمتها شركة «بكتل»، وكان علي مراجعة هاتين المسودتين مع الخبراء القانونيين (الشواف وشيرمن) وإدخال ما يلزم من تعديلات لاعداد مسودة جديدة واحدة. وفي سبيل ذلك، قمت، أيضا، بزيارة لأرامكو للاطلاع على تجربتها في العقود المماثلة، كما راجعت بعض العقود التي أبرمتها بعض الجهات الحكومية، كما التقيت ببعض أعضاء مجلس إدارة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وكلهم أصحاب خبرة ودراية، للاستماع الى تصوراتهم وآرائهم، وكنت خلالها اراجع مع الشيخ هشام ما يجد من أفكار وإضافات أو تعديلات حول العقد وأتلقى توجيهاته، حتى تم الانتهاء من إعداد المسودة الثانية، التي سلمنا نسخة منها لشركة «بكتل» لتبدأ على اساسها المفاوضات للعقد الجديد، والتي بدأت بفريق الهيئة الملكية المكون من خبراء «شيرمن واسترلينخ» ومكتب سعود الشواف (وكان الاستاذ سعود الشواف نفسه ضمن الفريق)، وفريق «بكتل» المكون من كبير مستشاري الشركة القانونيين ومحامين آخرين وأحد نواب رئيس الشركة وبعض المسؤولين التنفيذيين فيها، واستمرت تلك المفاوضات في مكتب الهيئة الملكية المؤقت بالرياض لاكثر من شهرين، كنا خلالها نعمل ليل نهار لاكثر من عشر ساعات في اليوم، حيث كنا نقرأ مسودة العقد مادة مادة، وفقرة فقرة، وكلمة كلمة، ونتساءل عما تعنيه، وما مفهومنا، وما مفهوم الشركة، وما توقعاتنا، وما توقعاتهم، حتى تتم الموافقة أو يتم التوضيح او التعديل، قبل أن ننتقل للمادة الاخرى من العقد.
وقد نعود لمادة سابقة فنعدلها بما يلزم في ضوء المواد اللاحقة، وغني عن القول إني كنت أطلع الشيخ هشام على نتائج المفاوضات في كل يوم تقريباً، وما تم من تغيير أو تبديل أو اتفاق، واستراتيجية فريق الهيئة الملكية للخطوات التالية، وكنت استمع إلى توجيهاته أو مباركته على ما تم فكان نعم الموجه، وكان لثقته في الفريق المفاوض وتقبله اقتراحاتهم وآراءهم، واعتماده الكلي علينا كفريق الأثر الكبير في استمرار وتقدم المفاوضات، والوصول بها إلى العقد المطلوب، الذي يحقق تطلعات القيادة والمسؤولين في الهيئة الملكية للحصول من الشركة على الخدمات المناسبة، بأفضل السبل لوضع الخطط اللازمة لتحديد مشاريع التجهيزات الأساسية، والمساعدة على الإشراف على تحقيقها بتوجيهات المسؤولين في الهيئة الملكية وموافقتهم، خصوصا وأن (هناك من كان يخلط بين اعمال الهيئة الملكية المسؤولة فقط عن تهيئة التجهيزات الأساسية اللازمة للمشاريع الصناعية، بما فيها المنطقة السكنية، وبين مسؤولية سابك، وغيرها من الشركات، التي تقوم على انشاء وإدارة المشاريع الصناعية، وكان هناك أيضا من يعتقد ان شركة «بكتل» هي التي تقوم او قامت ببناء التجهيزات الأساسية، بما فيها المنطقة السكنية كمقاول (يخطط، ويصمم، وينفذ) تلك المشاريع، وهذا لا يعكس الواقع بموجب العقد الذي ابرمته الهيئة الملكية مع «بكتل»، والذي جاء الحديث عنه أعلاه حيث تم التعاقد معهم كمقدم لخدمات استشارية (تخطيطية وهندسية وإدارية) تبعا لما تراه الهيئة الملكية وبموافقتها، وبحيث يكون تصميم المنشآت، وتنفيذ الاعمال عن طريق مؤسسات وشركات ومقاولين آخرين، يتعاقدون مع الهيئة مباشرة وبموافقتها.
وقد فرضت الهيئة الملكية على «بكتل» بموجب العقد، ان لا تقوم الشركة بعمل تصميم تفصيلي، او بناء أي منشأة في المشروع، كما منعت «بكتل» من التعاقد مع أي جهة أخرى لتنفيذ أي مشروع من المشاريع الصناعية الأساسية في الجبيل، والتي كانت تأمل اساسا في تنفيذها، الا بشروط وموافقة الهيئة، مما ابعد «بكتل» عن التفكير في تلك المشاريع طيلة سريان العقد.
ثقة ومتابعة
وبغض النظر عما نتج من تلك المفاوضات من عقد دام حوالي عشرين سنة، وهي المدة التي حددها العقد قبل أن تقوم الهيئة الملكية بتجديده مع انتهاء مدته الاصلية مع التعديلات التي فرضها الوضع الجديد، ومع تحقيق العقد لأهدافه واهداف الهيئة الملكية لتخطيط وهندسة وتنفيذ التجهيزات الاساسية لما عرف فيما بعد بمدينة الجبيل الصناعية على أعلى مستويات الجودة وطبقاً لما ارتآه المسؤولون في الهيئة الملكية، إلا أن ما يهمني هنا، هو تسليط الضوء على طريقة تعامل الشيخ هشام معي ومع فريق التفاوض، من حيث ثقته شبه المطلقة ومساندته الكاملة، واعتماده الكلي على الفريق للسير بالمفاوضات، من مرحلة إلى أخرى، دون أي محاولة للالتفاف على تلك المفاوضات أو السماح بالتدخل فيها من الخارج، بل رفض كل التدخلات للتأثير على سير تلك المفاوضات، بادعاء تشدد الفريق، أو عدم الإسراع في انهائه، أو ما شاكل، وفي نفس الوقت كان يطلع أولاً بأول على سير المفاوضات مني مباشرة، ومن كامل الفريق أحياناً، حسبما يكون مناسباً، فهو قد وضع ثقته فينا وحملنا كامل المسؤولية، ولكن دون أن يتخلى هو عن مسؤولياته تجاه تلك المهمة.
اللامركزية: صلاحيات ومسؤوليات
كانت هذه السياسة نفسها هي التي اتبعها الشيخ هشام مع مديري المشاريع (في الجبيل وينبع) أثناء التنفيذ، وهي إعطاء كل الصلاحيات اللازمة (للامركزية) لاتمام الاعمال المطلوبة، دون التخلي عن مسؤولياته في الاشراف والمتابعة، وبالاساليب الادارية المناسبة، مثل طلب التقارير الدورية والاستثنائية التي توضح كيفية سير العمل، وما يحصل من تأخر أو زيادة في التكلفة أو غير ذلك من أمور قد تختلف فيها النتائج عن الخطط.
أضف إلى ذلك الزيارات الميدانية المتكررة للاطلاع عن كثب على ما تم، وما يتم، وكيف يتم، ومستوى الجودة، وكفايتها أو نقصها، وأسلوب الزيارات الميدانية هذه، لا يؤدي فقط لمعرفة المسؤول عن كثب عما هو حاصل بالفعل في المشروع، بل يكون له أيضا، دور تحفيزي للعاملين في المشروع، وباعث للطمأنينة لهم، على سلامة توجههم، مع إصلاح اي خلل قد يحدث، ومن لا يعمل لا يخطئ كما قيل، لذلك كان الشيخ هشام حريصا على كل ذلك خلال عملي معه في مشروع الجبيل طيلة السنوات الست التي قضيتها تحت رئاسته.
العنصر السعودي
وإذا كان من الصعب الحديث عن تفاصيل العقد هنا، إلا أن نقطة هامة يجب إبرازها، وهي نقطة نالت الكثير من اهتمام الشيخ هشام، وبادر وأكد على كل النقاط والمواد التي جاءت في العقد حولها، وهي المتعلقة بال «عنصر السعودي» مشاركة في أداء الاعمال والقرارات، وتدريبا على كل المستويات، وقد تضمن العقد أسلوباً لعله فريد، في التعامل وتحديد المسؤوليات والمشاركة في القرارات بين موظفي الهيئة الملكية وجلهم، إن لم يكن كلهم، سعوديون، وبين موظفي الشركة أو الشركات التي تقدم خدماتها المختلفة للهيئة، وقد تضمن هذا الأسلوب الاستفادة من الشباب السعودي، أصحاب الخبرة، للقيام بدورهم في المشروع، بالاضافة لإعطاء الفرصة لتوظيف الشباب السعودي المتخرجين حديثاً من الجامعات السعودية وغيرها، وإتاحة الفرص لهم للتدريب المكثف، والممنهج، على رأس العمل، داخل مكاتب المشروع، ومع الشركات التي تعاقدت معها الهيئة، بالاضافة إلى حضور الدورات والندوات والمؤتمرات عند الحاجة، أو عندما تحين الفرصة، مما أتاح للشباب السعودي الفرص لتطوير مهاراتهم، والتقدم وتولي مناصب هامة داخل الهيئة الملكية وخارجها، فكان لهم جميعا (أصحاب الخبرة والخريجين) دور كبير، ان لم يكن الأكبر، فيما تحقق، بتوفيق الله، في مدينة الجبيل الصناعية. (ويستطيع المؤرخون والباحثون الرجوع إلى أرشيف الهيئة الملكية- ولعل مثله أرشيف «بكتل»- للاطلاع على كثير من تفاصيل مفاوضات الهيئة الملكية مع شركة «بكتل»، وكذلك أسلوب تنفيذ متطلبات العقد على الطبيعة، حيث تم الاحتفاظ بكل أوراق المحادثات، وإجراءات وقرارات التنفيذ).
بعد الانتهاء من المفاوضات، وعند توقيع العقد، أثارت «بكتل» نقطة حساسة حول مادة تتعلق بأمور المقاطعة (ضد إسرائيل) التي كانت سائدة لدى الدول العربية، ومنها المملكة. وهنا وقف الشيخ هشام، بكل حزم، رافضاً أي تعديل وأي تحفظات من الشركة، ومهدداً بعدم توقيع العقد، واعتبار المفاوضات كأن لم تكن، مما اضطر الطرف الاخر إلى الاذعان وتوقيع العقد، كما تم الاتفاق عليه مع الفريق المفاوض.
العمل الميداني
بعد توقيع العقد، حثنا الشيخ هشام على التحرك نحو موقع العمل، وإدارته من هناك وليس من الرياض، كما جرت العادة. ولان أرض المشروع، في الجبيل، كانت قاعاً صفصفاً، سمح لنا الشيخ هشام أن نبدأ العمل في الخبر، حتى تتهيأ الظروف للانتقال إلى الجبيل، وهكذا قضينا حوالي سنة ونصفا أو سنتين في مكاتب مستأجرة في الخبر حتى تم إنشاء أول حي سكني مكون من بيوت خشبية (تريلرات)، اتخذنا بعضها مكاتب، وبعضها كمساكن لمنسوبي المشروع من موظفي الهيئة الملكية، وشركة «بكتل» والشركات الأخرى المتعاقدة مع الهيئة.
وحتى يجعل أعضاء مجلس الادارة قريبين من موقع العمل، قرر الشيخ هشام أن يعقد أحد مجالس الادارة في الخبر، حيث كان المقر المؤقت لادارة المشروع، وفي هذا الاجتماع اتخذت الهيئة الملكية قرارات هامة في سبيل تحقيق أهداف المشروع بأفضل وسيلة مناسبة.
استراتيجية المشروع
من تلك القرارات مثلا، استراتيجية تنفيذ المشروع وطرح عدة بدائل منها ما تحمس له بعض الأعضاء، مثل اعطاء عملية تصميم وبناء كل مرافق ومنشآت المشروع لشركة متخصصة واحدة تعمل كمخطط، ومصمم ومنفذ تحت إشراف الهيئة الملكية وبمساعدة «بكتل»، إلا أن الشيخ هشام كان متحمساً لاسلوب آخر، وهو الأسلوب الذي تمت الموافقة عليه، وكان أكثر فائدة للمواطنين السعوديين، من مقاولين وتجار وعاملين، حيث يتم تفتيت المشروع إلى عدة عقود، صغيرة إلى متوسطة، يتم تنفيذ كل منها بواسطة مقاول متخصص في الكهرباء، أو الأعمال الميكانيكية، أو الاعمال المدنية وهكذا، مما يجعل معظم تلك المشاريع في متناول المقاولين السعوديين، ابتداء من دفن وتسوية الأرض، وكانت هذه عملية كبيرة وزعت على عدة عقود، نفذها عدة مقاولين سعوديين، فشبكات المياه وشبكات المجاري، فالطرق والمباني بأنواعها المختلفة، مما أتاح الفرصة لكثير من المقاولين السعوديين للمشاركة في تنفيذ المشروع، وكسب خبرات جديدة لم تكن متوافرة لديهم من قبل، نتيجة تعرفهم على المواصفات التي وضعت للمشروع من قبل الهيئة والشركات الهندسية والاستشاريين التي تعاقدت معهم، والاطلاع على الاساليب المتطورة التي كانت الهيئة الملكية تعمل بموجبها في كل النواحي، (من التخطيط إلى التصميم والبرامج الزمنية المفصلة ووسائل المتابعة والقياس، إلخ).
أما المشاريع التي تم ترسيتها على بعض الشركات الاجنبية لطبيعتها التخصصية أو حجم العمل فيها، فقد عمدت الهيئة الملكية لفرض، وإتاحة الفرصة، للمقاولين السعوديين المتخصصين للمساهمة فيها كمقاولين من الباطن، تحت شروط معينة، وبموافقة الهيئة الملكية.
وهكذا بالنسبة للاعمال الهندسية (تصميم الشبكات، الطرق، المباني) فهي أيضاً قسمت إلى عقود مناسبة لتكون، في معظمها، في مقدور الشركات الهندسية السعودية، كمقاولين أساسيين، أو مقاولين من الباطن، عندما يتم إعطاء عقد هندسي لشركة أجنبية، إذا كان العمل يتطلب ذلك كالسكك الحديدية، وتخطيط المدينة ونظام التبريد بمياه البحر، وما شابه.
بالاضافة إلى ذلك، فقد اتاح التعاقد مع الشركات الهندسية الاجنبية فرصا للشباب السعودي، الذي التحق بالهيئة الملكية بعد تخرجه مباشرة، ليحصل على التدريب النظري والعملي مع هذه الشركات المتخصصة في مقر أعمالها، مما أفاد كثيراً في تدريب هؤلاء الشباب وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة بفعالية، بعد ذلك، في تنفيذ المشروع. (من بداية العمل في المشروع وحتى عام 1985م، تعاقدت الهيئة الملكية مع حوالي 450 شركة ومؤسسة سعودية، وحوالي 100 شركة مختلطة- احد أطرافها سعودي- وحوالي 110 شركات اجنبية).
مساكن القوى العاملة
اضافة إلى هذا القرار الخاص باستراتيجية تنفيذ المشروع، كان هناك قرار آخر على مستوى كبير من الاهمية، يتعلق بسكن العاملين في المشروع، فقد كان السائد آنذاك، أن يتولى كل مقاول إسكان عماله وموظفيه بطريقته الخاصة، مما يتسبب في كثير من المشاكل، في بعض الأحيان، سواء بين العمال والمقاول، أو بين العمال أنفسهم، أو بين العمال والمجتمع.
لذلك قدمت إدارة المشروع وبتوجيه ومباركة الشيخ هشام خلال اجتماع الهيئة الملكية الهام هذا في مدينة الخبر، مشروعاً خاصاً بسكن جميع العاملين في المشروع من موظفين وعمال، حرفيين ومهنيين وإداريين، عزابا ومتزوجين في مساكن (مؤقتة) تعدها، وتشرف على تشغيلها وصيانتها الهيئة الملكية، مقابل استعادة تكاليف ذلك على مدى العمر الافتراضي لتلك المنشآت المؤقتة وتكاليف تشغيلها.
فكانت مشاريع الإسكان (المؤقت) هذه عبارة عن مدينة مكونة من عدة أحياء سكنية، خصص بعضها للموظفين المتأهلين بعوائلهم، وخصص البعض الآخر للعمال الإداريين والحرفيين والمهنيين الذين يأتون للعمل دون عوائلهم، وقد زود كل حي بكل ما يلزم من وسائل الترفيه المناسبة، والتجهيزات الرياضية، وأماكن العبادة، ووسائل التغذية المناسبة، للعمال غير المتأهلين، ولوجود أعداد كبيرة من القوى العاملة من جنسيات مختلفة (أكثر من خمسين جنسية) فقد روعي أن يضم الحي، عند تعيين المساكن، أكبر عدد ممكن من الجنسية الواحدة حتى تكون التغذية بما يتناسب مع متطلبات الساكنين. وقد اتبعت الهيئة الملكية أسلوب تأجير تلك المرافق للمقاول بحيث يدفع مبالغ متفقا عليها ومعلنة، مسبقا، لكل عامل أو موظف يقيم في مرافق الهيئة وحسب نوع المرفق، وللايام التي يقيم فيها الموظف، أو العامل. وكان هذا الترتيب لاسكان العمال والموظفين إلزامياً للجميع بدون استثناء.
بهذه الطريقة، هيأت الهيئة الملكية المسكن المناسب والغذاء المناسب للعامل، وأراحته، وأراحت المقاول من عناء بناء او ترتيب السكن او الغذاء او غيره (عناية صحية، ترفيه، إلخ )، في نفس الوقت تخلصت الهيئة الملكية من مشاكل، محتملة لو قام كل مقاول بإسكان عماله وموظفيه بطريقته الخاصة. وبحمد الله وتوفيقه، وباتباع هذا الاسلوب الذي باركه وتحمس له الشيخ هشام، كما جاء أعلاه، فقد مضت السنون دون أي إشكالات عمالية تذكر، بالرغم من وجود حوالي عشرين ألف عامل وموظف وأكثر من خمسين جنسية في وقت واحد خلال مرحلة الانشاء.
زيارات الملك فهد
وأتذكر، في احدى زيارات الأمير (الملك) فهد «يرحمه الله» للجبيل، ضمن زياراته التفقدية المتكررة، زار رحمه الله، بعض هذه الاحياء السكنية المخصصة لغير المتأهلين، ورأي ما يقدم للعمال العزاب من غذاء متكامل، فأعجب كثيراً بما رأى، وشكر العاملين على الفكرة، ثم اقترح مداعباً، أن تقوم الهيئة الملكية بوزن العامل عند قدومه، ووزنه عند انتهاء عمله، وأخذ مقابل على أي زيادة في الوزن.
نعم، كان هذا قراراً استراتيجياً تبنته الهيئة الملكية، بتوجيه ومباركه الشيخ هشام، وأعضاء المجلس الموقر.
شفافية
ومن ناحية أخرى، فبقدر ما كان الشيخ هشام يعامل العاملين معه بكل ثقة وطمأنينة دون أن يتخلى عن مسؤولياته في المتابعة والتوجيه عند اللزوم، فإنه كان يتعامل مع سمو رئيس المجلس وأعضاء المجلس الكرام بنفس الشفافية التي يطلبها من العاملين في المشروع. فبالرغم من أن سمو الأمير (الملك) فهد -رحمه الله- قد أقر صلاحيات واسعة للشيخ هشام، كنائب لرئيس المجلس، فإن الشيخ هشام كان يتشاور معه «يرحمه الله» في الامور الهامة قبل اتخاذ القرار.
كما أن جميع قرارات المجلس يتم عرضها على سمو الأمير (الملك) فهد قبل أن يعتبرها الشيخ قابلة للتنفيذ. كما كان يرفع ملخصات للتقارير التي ترفع إليه من إدارات المشاريع بشكل دوري، او استثنائي، إلى سمو الأمير (الملك) فهد، وهناك تقرير خاص يعد للعرض على الملك خالد في نهاية كل شهر، او شهرين، يشتمل على ملخص لكل التطورات التي حصلت في المشروع خلال مدة التقرير.
يتبع غدا
امتاز الشيخ ناظر بشفافيته مع الجميع
الشيخ ناظر يشاهد مجسم مصغر لمشاريع الهيئة
د. جميل الجشي مع الشيخ ناظر
فكرة (المساكن) ساهمت في توفير بيئة عمل مميزة لاكثر من 20 الف عامل وعوائلهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.