في المقال السابق تناولنا بعض التعريفات للقصة القصيرة.. ونحن هنا نؤكد على الخلط والتعقيد الذي شاب مصطلح القصة لنخلص إلى الرؤية الفنية التي يرى منها النص فهي التي ستحدد كنهه. روبرت شولز مؤلف البنيوية في الأدب يعرف القصة في كتابه «عناصر القصة» كونها Fictionm هي حكاية مختلفة وهذا التعريف يشمل مساحة تتضمن الأكاذيب الشخصية والنكات العرضية التي تسرد بوصفها حديثا بالاضافة إلى اعمال الرؤية الابداعية كالفردوس والمفقود لميلتون وغيرهما. ومن تحليله لكنه المصطلح يقول ان الواقع Fact والخيال (أو القصة) Faction من المعارف القديمة، والكلمتان مشتقتان من اللاتينية الأولى بمعنى الصنع او العمل، والثانية بمعنى الصنع والتشكيل. وفي الاستعمال العام تعبر الأولى عن الواقع والحقيقة والثانية عن الوهم والكذب.ويقول شولز ان المكان الذي نجد فيه علاقة بين Faction, Fact هو التاريخ وكلمة التاريخ History نفسها تخفي معنيين هما: الأحداث التي حدثت، والرواية المدونة عن الأشياء التي يفترض انها حدثت أي حوادث الماضي وحكاية هذه الحوادث أي الواقعة Fact والقصة Story التي تكمن في كلمة H.story ويخلص شولز في النهاية إلى اننا نفكر بالقصة بوصفها مختلفة كل الاختلاف عن المدونات التاريخية نفكر في كونها اختلفت بوصفها نتاجا غير طبيعي وغير حقيقي للخيال البشري.ومن شولز إلى (ه بيتس) الذي يقول: «يمكن للقصة القصيرة ان تكون أي شيء يقرره الكاتب ابتداء من موت حصان إلى أول علاقة غرامية في حياة فتاة شابة. ومن صورة وصفية ادبية جامدة وخالية من الحبكة إلى نظام يتكون من حدث وصوره، وعن قصيدة نثرية مرسومة إلى نموذج عن مصطلح Short story. لقد حاولنا هنا وفي المقال السابق الكشف عن الالتباس والخلط والتعقيد في تناول هذا المصطلح وفي نفس الوقت قدمنا بعض التعريفات التي تلتقي حول الشكل الفني المسمى بالقصة القصيرة ونود ونحن في اطار المصطلح. ان نورد عبارة ليوسف ادريس يقول فيها «انني في كل قصة قصيرة اكتبها اشعر بأنها انما هي محاولة جديدة لتعريف جديد للقصة القصيرة لم اقله.. ان كل قصة قصيرة قرأتها وهزتني تماما. كانت دائما لحظة تركيب كوني متعدد المكونات. يؤدي إلى خلق مادة جديدة اسمها الحياة».تلك العبارة كما يقول الناقد احمد ابو العلا.. وكما نرى من سياقها تؤكد على شيئين هامين هما: انه ليس بالضرورة ان يكون للقصة القصيرة تعريف محدد. نتحرك من خلاله ونحكم به على العمل الفني . وثانيهما أن القصة القصيرة تستمد مادتها من الواقع «الحياة» وهذا الواقع متجدد ومتغير وبالتالي لا يوجد قالب ما لدى كاتب القصة القصيرة لينظر من خلاله وهو لا بد ان يختار دائما الزاوية التي يتناول الواقع منها. وكل اختيار يقوم به يحتوي على قالب جديد او على امكانية اخفاق.من كل ما سبق يمكن القول ان أي شكل ادبي جديد لا يمكن ان يظهر بمعزل عن الاشكال الادبية السابقة عليه. فهو يأتي امتدادا او تعديلا او تمردا.. او غير ذلك.. ومن هذا المنطلق نستطيع القول ان القصة القصيرة جدا شكل ابداعي. اصبح له وجوده وكيانه ويختلف عن القصة القصيرة والاقصوصة. وهذا الشكل لا بد ان تحتمه الضرورة الابداعية لتأتي الاجابة على سؤال: لماذا؟ مقنعة ومبررة فنيا. ورحابة الابداع ومرونته تتسع دائما لكل جديد كما يقول نجيب محفوظ. ولنا ان نتعامل مع القصة القصيرة جدا بمنطقها وبالمقاربات التي تطرحها وبقواعدها التي فرضتها فهي لم تجئ كمجرد وهم او بدعة او طفرة خالية من القواعد والا اضحت مجرد كتابة بعيدة عن الواقع ومحكوم عليها بالتلاشي. وتبقى قضية الفرز والتأصيل والتأكيد من الاهمية بمكان حتى لا يحدث مثلما حدث ويحدث في قصيدة النثر من اختلاط وادعاء وتخريب بدعوى التجديد من قبل البعض.