قال أحد الكتاب الغربيين عن اختيار نوع الحياة إن أفضل أنواع الحياة التي نختار أن نعيشها هي: الحياة الحقيقية، أي أنها حياة في حالة تماس مباشر مع العالم، حيث العلاقات التي نقيمها ينبغي أن تكون أصيلة والإنجازات التي نكافح من أجلها لا بد أن تكون حقيقية. وهذا يعني طبعا أن علينا مواجهة الصعوبات التي تنتج عن علاقات سيئة، وفي بعض الأحيان نتوقع أن تصبح أهدافنا غير قابلة لأن تتحقق، غير أن الحياة الأصيلة، وإن شابتها بعض الصعوبات هي مجموعة من الاختيارات قد تكون صائبة في بعض منها، وفي بعض الأحيان تكون غير صائبة. كل منا تكون له خياراته في الحياة والتي من خلالها يمكن أن تضر الآخرين أو تفيدهم. ولكن هل يأخذ كل إنسان في حسبانه عند وضع خياراته في الحياة الآخرين ومدى ضررهم أو منفعتهم؟ لقد ميز اللَّه سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر الكائنات الحية، وجعله المعمر لهذه الأرض لما حباه من نعمة العقل والتفكير والتبصر.. إلا أن سلوك هذا الإنسان معقد نتيجة لأنه ينشأ عن شخصية ذات تركيب عضوي، منها ما هو جسمي ونفسي واجتماعي وانفعالي تعيش في بيئة مادية ومناخية، وتؤثر فيها العوامل البشرية بشكل كبير ولا نستطيع أن نعزل هذه التركيبات عن بعضها فهي تتفاعل فيما بينها في حركة دائمة مستمرة.. ويكون سلوك الإنسان هو نتاج هذا التفاعل الجسمي العقلي النفسي الاجتماعي الانفعالي. وإذا كان السلوك الإنساني هو أساس تقدم أي أمة أو تخلفها، وإذا كانت كافة المجتمعات في مختلف دول العالم سواء الفقيرة منها أو الغنية، المتحضرة منها أو قليلة التحضر بها ألوان وأنماط مختلفة من الأفكار والسلوكيات البشرية، نجد أن الإنسان يكون أمام اختيارين حسب قوته النفسية والسلوكية وقوة ارتباطه بمجتمعه وخوفه عليه وهذان الخياران هما إما الانسياق وراء أهواء ورغبات شخصية والتي تجد في هوى المتربصين بمجتمعاتنا أرضا خصبة حتى يجتمع الطرفان على تدمير المجتمع، وتذهب كل الجهود التي تبذل في سبيل تقدم ورقي المجتمع أدراج الرياح. أما الخيار الثاني فهو التمسك بالمجتمع وطي أي خلاف أو اختلاف ومناقشته في إطار الأسرة الواحدة وصد كل محاولات الأعداء للنيل من مجتمعاتنا والعمل على الوحدة والتطور والرقي بكل قوة بحيث نكون معول بناء لا معول هدم. إن ما شهدته مجتمعاتنا في الفترة الأخيرة من جنوح بعض الفئات نحو الضلال، أو السعي للاستقواء بأعداء أمتنا العربية لن يكون إلا إلى زوال، ولن تكتب له أي طرق نجاح في ظل إصرار حثيث منا على التعامل مع مثل هؤلاء بكل قوة وحسم وحزم، وعدم ترك السفينة لتجنح أو تركها للبعض الذين يحاولون تدميرها، والوطن العربي دائما عزيز بأبنائه المخلصين الراغبين والساعين إلى التطور، والذين لا يخافون مواجهة الشدائد أو نوائب الدهر أو مكائد الأعداء، وما دمنا متيقظين دائماً محتمين بوحدة أمتنا العربية وأفكارنا القويمة الرشيدة، نخاف على بعضنا، نتحاور في إطار من الثقة المتبادلة والرغبة في التعمير والبناء، نطرق سبل التغيير إلى الأفضل فلن تكون مجتمعاتنا عرضة للتخريب، أما المجتمعات التي تتعرض لبعض التخريب وكانت لنا القدرة على اللحاق بها وإنقاذها فسيكون مصيرها أيضاً إلى الخير والرشاد، وأما المجتمعات التي نالها الكثير من الخراب والدمار فلن نتجاوز عنها، ولن نيأس أبداً عن السعي إلى إنقاذها بقدر استطاعتنا وتفاعل الظروف المختلفة. هذه هي أمتنا العربية والاسلامية والتي تقوى إن شاء الله بأيدي أبنائها المخلصين، ولن تكون هناك فرصة أبدا للمخربين، أعز الله أوطاننا وحفظها بكل خير.