الأمن حاجة أساسية لكل المجتمعات، وهو من الشمول بحيث يغطي كل افتراض لأي اختراق يهدد ويربك حياة الأفراد في أي موقع كان، ولذلك فإن الدلالة الشائعة بأن اختصاصه محصور في الأجهزة الأمنية ليست منصفة، وليست كافية لتحققه، فهو عمل مشترك يقوم به الأمنيون ويساعدهم أفراد المجتمع، وحين يتم الحديث عن "الحس الأمني" فذلك أمر أشبه بالحاسة السادسة التي توجد في كل شخص، ولكن تتفاوت قدرتها من شخص لآخر. الحس الأمني متوفر بحد أدنى لدى الجميع، وربما أن فعاليته تأتي من حافز غريزي، فلو أننا شعرنا بخطر نشوب حريق أو صعق كهربائي نبادر إلى رد فعل لسلامة النفس والممتلكات، وذلك هو المطلوب الوعي به، ومع تطور الزمن وظهور كثير من المتغيرات التي تستهدف اختراق أمن المجتمع، تبرز كثير من الضرورات الأمنية التي تبدأ من الفرد، على نحو ظهور التطرف والإرهاب الذي يتطلب حسا أمنيا من المواطنين كما فعل الشاب الفدائي عبدالجليل الأربش. حالة الأربش نموذج للحس الأمني الذي يعكس تطورا يواكب المتغيرات الأمنية التي يشارك فيها أفراد المجتمع، ولعل موقعها لم يكن بحاجة لجهد أمني، ولكن الظرف المرحلي بوجود متطرفين يستهدفون المساجد تطلب من "الأربش" سدا للثغرات. مسجد العنود واحد من بين 96 ألف مسجد تقريباً، منها 9 آلاف جامع، يمكن استهدافها من قبل جماعات إرهابية، وقد يتحول الأمر الى حالة مهددة للأمن والاستقرار. الإرهاب لا يستثني المساجد من تصنيفاته الطائفية، وقد يتجه الى كل أماكن التجمعات البشرية: كالمجمعات التجارية، والمعارض، وغيرها، باعتبارها مواقع لحشود بشرية، وقد تعتبر هدفا للمتطرفين لإحداث ضرر يتفق مع عقليتهم الإجرامية، ويحقق لهم أهدافهم التخريبية المروعة في المجتمع، وذلك يملي نوعا متقدما من الحماية الأمنية والرقابة الروتينية في أوقات الصلوات والمناسبات وغيرها، وهذه الأماكن لم تعد تأمن غدر المتطرفين الذين يستبيحون حرمتها ويريقون الدماء فيها دون رادع أو زاجر، حيث إنهم مضللون بأفكار متطرفة عدائية وعنيفة لا تقيم وزنا للحرمات والمقدسات، وفي هذه الحالة يمكن توقع أبشع أنواع الجرائم التي يمكن أن تلحق بالأبرياء. الحماية المتقدمة للمساجد وأماكن المناسبات لا بد وأن تتناولها مراكز الاستشارات الأمنية - التي لم نفعلها بعد - بالدراسة ووضع الحلول الناجعة لكبح استهدافها من قبل المتطرفين، ومن خلال هذه المراكز الأمنية يمكن تفعيل الإجراءات الرقابية الفنية سواء من خلال الكاميرات على مدار الساعة، أو تحليل الحركة في الأوقات العادية ومواقيت الصلوات أو غير ذلك من "التكتيكات" الأمنية الحديثة. ومن خلال تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب - ونجاحها في مكافحته حتى أصبحت نموذجا أمنيا في التعامل مع الإرهابيين - فإن لدينا من الخبرة ما يؤهلنا للتعامل الاحترافي مع الحالات التي حدثت مؤخرا في القديح والعنود بالدمام، ويمكن لمراكز الاستشارات الأمنية الخاصة التي صرحت لها وزارة الداخلية بممارسة المهنة أن تقدم لنا الدراسات الأمنية ذات القيمة النوعية في تأمين المساجد بخطط إستراتيجية تكفل -بإذن الله- تحقيق الأمان في بيوت الله وإقصاء المتطرفين من المعادلة الأمنية، وذلك بتوقع الخطوة التالية لهم وكيفية تعاملهم مع الوقائع، وفي المحصلة النهائية نكون قد تقدمنا بخطوة متقدمة عليهم بما يقلل الأضرار ويمنع ارتكاب الجريمة الإرهابية، فهل سنعمل على فسح المجال لمراكز الدراسات الأمنية؛ كي تشاركنا في نشر مفاهيم الثقافة الأمنية ودعم الحس الأمني؟!.