من خلال تجربتي المتواضعة وعملي الطويل في الجهاز الحكومي كان أو القطاع الخاص أو غيرها من الأجهزة الخدمية ذات العلاقة والمباشرة بالوطن والمواطن كسبت مكاسب معنوية لا حدود لها ولا مسافات، بل تجربة ثرية غنّية بأهمية التعامل مع الآخر وضرورة احتوائه وأنه ليس بالمال وحده تحقق الرضا، وآمنت إيمانا كاملاً بالمثل الذي يرددّه عامة الناس والقائل (قابلني ولا تغدّيني)!! وأن سرّ نجاح الموظف مهما علا شأنه ومهما كانت إخفاقاته فإن تلبية حاجات من التجأ إليك ستغطي عيوباً أخرى لا نراها ولكن لا تفوت على المتلقّي، لذا يتوجّب علينا أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى عندما يكرم الإنسان بمنصب وجاه فإنه يعطيه المهلة ليرى كيف يتعامل مع الآخر. من هنا ومن خلال الفرصة المتاحة لي بلقاء العديد ممّن أولاهم الله المسؤولية تجدني أطلب منه أن يستغلّ هذه الهبة الإلهية والفرصة الذهبية بألا يبخل بخدمة المستضعفين والوقوف بجانبهم وتلبية حاجاتهم ولو بالكلمة الطيبة والابتسامة العريضة فهما حسنتان، وأن يقدّم ما يستطيع إن كان الأمر ضمن صلاحيته على تلبيته وألا يترك هذا الكرسي إلّا وقد ترك أثراً إيجابياً في حياته بسمعة تعلو به وألا يكون المنصب سبيلاً لغرور وكبرياء وغطرسة ومن تواضع لله رفعه وأعلى مراتبه. وليسمح لي القارئ العزيز وزيراً كان أو موظفّاً عادياً أو من وهبه الله جاهاً ومالاً ببعض المقتطفات مما قرأته عن أهمية هذا الجانب لعلّه يكون لنا جميعاً بعد توفيق الله خير معين:- قضاء حوائج الناس لذة لا يعرفها إلا من جربه، إن بعض الناس يتأفف من لجوء الناس إليه لقضاء حوائجهم خاصة إذا كان ذا وجاهة أو سعة من المال. وأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه؛ فلئن تقضي لأخيك حاجة كأن تعلمه أو ترشده أو تشفع له في خير أفضل عند الله من ثواب اعتكافك شهراً كاملا. قال أبو العتاهية: أقْض الحوائج ما استطعت وكن لهمِ أخيك فارج فلخير أيام الفتى يوم قضى فيه الحوائج وعن ابن القيم إن السعي في تفريج الكربات وقضاء الحاجات من أعظم الطاعات والقربات وهي سبب لنيل الرضا من الله والمحبة من الناس، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي ومصالحه لا تتم إلا بالتعاون مع الآخرين، فاحتياجاته كثيرة وكرباته عديدة. والمؤمن الصادق هو من يحب الخير لنفسه وللآخرين، بل ويسعى إلى تفريج الكربات عن الناس، حتى ينال من ربه حسن الجزاء وفيض العطاء في الدنيا والآخرة قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن نَفَّسَ عن مسلمٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدنيا نفَّسَ اللهُ عنه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ»، وكلما أكثر العبد في تنفيس الكرب عن المؤمنين نفّس الله عنه كرباً كثيرة يوم القيامة، وقد دعانا الإسلام إلى تفريج كرب إخواننا والوقوف إلى جانبهم في الملمَّات والأحزان، ومواساتهم والإحسان لهم، وحثنا على السعي في قضاء حوائج الناس فهي من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ» لذا يجب علينا كمسلمين أن يكون لنا قلب حي تجاه إخواننا فنتفقد حوائجهم ونسمع أخبارهم ونحاول مد يد العون إليهم، قال ابن القيم رحمه الله: *من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به. * ومن رحمهم رحمه. * ومن أحسن إليهم أحسن إليه. * ومن جاد عليهم جاد الله عليه. *ومن نفعهم نفعه. *ومن سترهم ستره. *ومن منعهم خيره منعه خيره. *ومن عامل خلقه بصفةٍ.. عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، بل الأهم من هذا وذاك أن الله سبحانه وتعالى عندما يكرم الإنسان بمنصب وجاه فإنه يعطيه المهلة ليرى كيف يتعامل مع الآخر.