يدور في الأوساط الثقافية الغربية مناقشات حول الموقف الأمريكي الدولي الراهن من بعد العدوان عليها في يوم 11 سبتمبر عام 2001م، وتوصلت الحوارات الى أن واشنطون، لم تعد تعترف بالأصدقاء أو الأعداء التقليديين لها، حتى لا تلزم نفسها بخطط مشتركة في محاربة الارهاب لرغبتها في الانفراد بالخطة ضده ليحقق انتصارها عليه سيطرتها المطلقة على الكوكب الأرضي، لاحساسها بقوتها المفرطة التي لا ترتقي اليها دولة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أوحتى بوجود الصين العملاقة فوق المسرح الدولي وكذلك لا يصل الى مكانتها التكتلات الدولية بما فيها الوحدة الأوروبية التي تتمتع بقدرات اقتصادية هائلة، وهذا الواقع الدولي بالرؤى الأمريكية الجديدة يجعل واشنطون لا تسعى الى ربط نفسها مع حلفائها القدامى أو اقامة جسور لتحالف جديد لانها تريد في واقع الأمر عملاء يخضعون لها بالسمع والطاعة، وقد اتضح ذلك من قول الرئيس الأمريكي جورج بوش للعالم اما معنا ضد الارهاب، واما مع الارهاب ضدنا! رفض البيت الأبيض أن يسمع أو يناقش الرأي الأوروبي الذي حمله الى واشنطون الرئيس الفرنسي جاك شيراك المطالب بتعريف الارهاب لتحديد العدو الذي يعلن العالم الحرب ضده حتى لا تفرض عليه حرب طويلة لا نهاية لها لانتشار العمل الارهابي على كل الأرض بما فيها الأراضي الأمريكية. وكان من الطبيعي ان تتردد كثير من الدول بما فيها الدول الغربية الحليفة لأمريكا تحت مظلة حلف شمال الأطلنطي "الناتو" في الانصياع معه التيار الأمريكي الراغب في تحويل كل العلاقات الدولية الى محاربة الارهاب غير الواضح المعالم خصوصا بعد أن ثبت الخلط بين الارهاب المحرم والكفاح الوطني المشروع فوق أرض فلسطينالمحتلة منذ سنة 1967م. يصل الحوار الغربي الى نتيجة خطيرة عن الموقف الأمريكي بين الأمس واليوم، ففي الأمس كانت واشنطون عاجزة عن التعامل مع العالم منفردة كنقصان خبرتها بسبب عزلتها التي خرجت منها أثناء الحرب العالمية الثانية فلجأت الى التحالف مع أوروبا لتمارس دورها كدولة منتصرة في الحرب، لم يأت ذلك فقط بحلف الناتو الذي قام في عام 1948م بحجة حماية أوروبا الغربية من الخطر الشيوعي الذي يجسده الاتحاد السوفيتي بعد خروجه عن حلفاء القتال ضد ألمانيا النازية بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وانما جاء ايضا قبل ذلك في سنة 1945م بمشاركة بريطانياوفرنسا في حكم الشطر الغربي لألمانيا ا لذي احتلته بقيادة الجنرال دوايت ايزنهاور في الوقت الذي انفردت فيه موسكو بحكم الشطر الشرقي من ألمانيا بعد احتلال الاتحاد السوفيتي له، أما اليوم فإن أمريكا ترفض تماما التعامل بمبدأ الندية مع الدول في العلاقات الدولية دون أن تعبأ بأحكام القانون الدولي العام الذي ينظم علاقات الدول بعضها ببعض استنادا الى التساوي فيما بينها مهما عظم أو قل شأنها لأن الفكر الانساني المعاصر يعطي لكل الدول سيادتها المطلقة الذي يمتعها بحرية اتخاذ القرارات في السلم والحرب. ان أمريكا اليوم بمسلكها السياسي لم تعد في حاجة الى أصدقاء أو حلفاء ليتعاونوا معها في الحفاظ على السلام العالمي الذي توصل الى حتميته ميثاق الأممالمتحدة المبرم في سان فرانسيسكو عام 1945 بعد تجربة العالم المريرة مع الحرب العالمية الثانية، وانما تريد دولا تخضع لها بالتبعية لتنفيذ ارادة امريكا حتى وان كانت هذه الارادة تتعارض مع مصالحهم في العلاقات الدولية أو الاقليمية، وكان من الطبيعي ان يصطدم هذا الموقف الامريكي مع العديد من الدول التي ترفض التنازل عن استقلالها والخضوع للأوامر الصادرة لها من واشنطون وعبر عن هذا الرفض العالمي للسيطرة الأمريكية وزير خارجية ألمانيا فيشر الذي طالب ان يشاركه العالم كله في انتخابات الرئاسة الأمريكية حتى يكتسب البيت الأبيض شرعية حكم العالم، ويقول المثقفون في فرنسا تعقيبا على هذا القول الألماني استحقاق كل مواطن على الأرض ان يرشح نفسه للرئاسة الأمريكية. لا تزال امريكا ماضية في طريقها الذي يستهدف فرض سيطرتها على العالم تارة باستخدام القوة بإرسال قوات حلف الناتو دون موافقة اعضائه الى الحرب في الصرب وتارة اخرى بالتهديد لدول اطلقت عليهم دول الشر وتارة ثالثة بمحاربة الارهاب برؤى امريكية لا يتفق معها احد من اصدقائها قبل أعدائها لتناقض الارهاب بالمسمى الأمريكي عن المسمى الدولي بمرجعية اتفاقية فينا عام 1815م وفي نفس الوقت تلجأ الى السبل السلمية لفرض سيطرة واشنطون على العالم تارة بالعولمة لتصل الى مراميها في السيطرة عبر النفوذ الاقتصادي، وتارة أخرى بالدعوة الى الديمقراطية وتارة ثالثة بمعاداة الاسلام وسيظل الوضع العالمي على ما هو عليه حتى تغيير امريكا موقفها أو تجبر على تبديله.