تدشين فعالية "الفن صديق البيئة"بالخبراء    لماذا شرعت روسيا في إجراء تدريبات نووية؟    الرئاسة الفلسطينية تحذر: إسرائيل تخطط ل«أكبر جريمة إبادة جماعية» في رفح    أغسطس «2020».. آخر فوز للراقي    بسبب الهلال..عقوبات من لجنة الانضباط ضد الاتحاد وحمدالله    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    "آلات" تطلق وحدتَي أعمال للتحول الكهربائي والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي    تعليم الطائف ينظم اللقاء السنوي الأول لملاك ومالكات المدارس الأهلية والعالمية    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    انطلاق "مهرجان الرياض للموهوبين 2024".. غداً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    «كلاسيكو» تأكيد الانتصار أم رد الاعتبار ؟    اللذيذ: سددنا ديون الأندية ودعمناها بالنجوم    80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر    مساعدات إيوائية لمتضرري سيول حضرموت    برعاية ولي العهد.. 600 خبير في ملتقى الرياض لمكافحة الفساد    السعودية.. الجُرأة السياسية    5 مشروبات تكبح الرغبة في تناول السكَّر    انطلاق بطولة كأس النخبة لكرة الطائرة غدا    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الاول للورد والنباتات العطرية    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    المجرشي يودع حياة العزوبية    «عكاظ» ترصد.. 205 ملايين ريال أرباح البنوك يومياً في 2024    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    بدر بن عبد المحسن المبدع الساعي للخلود الأدبي    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    «أكواليا» تستعرض جهودها في إدارة موارد المياه    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    عزل المجلس المؤقت    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    باسم يحتفل بعقد قرانه    تقدير دعم المملكة ل "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"    مهرجان الحريد    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يدلني على أستاذي ؟
نشر في الوئام يوم 25 - 04 - 2016

قصص عجيبة متناثرة جمعتها لكم ونظمتها في عقد ومقال، وبما أنّنا في زمن السرعة وغياب التحليل والإطناب، فلابد أن أعصر لكم أفكاري لتكون وجبة خفيفة أثناء سيركم.
محمد المبارك معلمي في أولى ابتدائي، رجل غريب وقصتي معه أغرب، ومثيرة للضحكة، رغم أني لم أقابله إلا مرتين بعد غيابه عشرين عامًا ! فاللقاء الأول كان قبل ليلة العيد، كان يسير بسرعة كعادته أطال الله عمره، تلعثمت وطار نفسي حينما لمحته، هتفت بصحبي الذين كانوا يسيرون معي ! هل عرفتم هذا الرجل ؟ من ؟ ذاك يا أغبياء انظروا إليه قبل أن يختفي بين السيارات !
– دعه يذهب ودعنا نشتري لوازم العيد واترك عنك الفضول الزائد !
– يا رفاق هذا الأستاذ محمد المبارك !
– ليس بصحيح !
– ما دام أنه ليس بصحيح فسأذهب وأخبركم عن شأنه..
– اذهب !
الحمد لله أدركته بسرعة ونبضات قلبي كأنها طبل في يد مخمور طربان، فلا يسكن ولم يرجع إلى وضعه الطبيعي..
– أستاذ محمد المبارك ؟
– نعم.. من أنت ؟
– أنا فلان من طلابك.. هل تذكرتني ؟
– يبدو أن ملامح وجهك قد تغيرت فأنا أعرفك بالدم.. فأنت من تلك العائلة – وقد صدق – ولكن لا أتذكرك شخصيا يابني !
– ابتسمت لفراسته، ثم دار بيني وبينه حديث أشبه ما يكون بماء الفرات، ثم جاؤوا صحبي يهرعون بعدما رأوا أنني أطلت الوقوف معه فتقرر لديهم أنني محق وأنه معلمنا المخلص.
مع مضي الأيام والليالي وبعد ذاك اللقاء الماتع.. يا للأسف لقد ضاع رقمه من جهازي، وحزنت عليه حزنًا شديدًا لا يعلم به إلا من فلق الحب والنوى !
كنت أستعيد محور حديثي معه مرارًا وأقول لنفسي هل تغيرتي يا نفس عليه لكي يستنكر ؟ هل تبدلت يدّي عليه ؟ صوتي ! أين ذهب ذاك الصوت الرخيم عني وعنه، أليس ذاك الطفل الصغير هو أنا ؟!
لم نسيني أستاذي وقد درسني عامًا كاملاً وكنت أمامه في الطاولة الأمامية وأشارك أمام ناظريه لا أغيب !
لكن ما أكرمه.. علمني حروف الهجاء وتمكنت منها ثم رحل ولم يعلم أنني تدرجت بمستوى القراءة من بعده، وتعلمت بعضًا من الفنون من سبورته الخضراء والطباشير الأبيض والأحمر، وكتبت مقالات عدة، ومقالاً كان في سببه الآن، إنني يا سادة حريص على لقائه..
أولاً: وفاءً له، ثم أني وجدت رائحة الذكريات تغمرني من كل مكان حين ألقاه، سبحان الله رائحة عطره عادت بي إلى تلك الأيام، كأن رائحته لم تتغير.. فهل تعود تلك الصدفة الذهبية أم يعود لي رقمه فأزوره أو أدعوه وأكرمه !
صوارف الدهر وغوائل الأيام وشواغل الحياة لم تنتشل هذا الرجل من ذاكرتي،
فبعد خمسة أعوام وقفت أمام صنبور الماء عند إحدى مساجد بريدة، وكان هذا المسجد ملاصقًا لإحدى المدارس، خرج رجل من دورة المياه وقد وضع شماغه على الباب بكل بساطة، والشيب قد اشتعل في رأسه ولحيته، ثم أمسك الصنبور ليفتح الماء ثم وضع نظارته في جيبه، نظرت إليه فأحسست أن شيئًا يسير ببطئ بين العظم واللحم من هول ما أرى، والرجل في غاية الغرابة من دهشتي به.
محمد المبارك ؟ نعم.. من أنت ؟
أنا تلميذك فلان وقد التقيت بك قبل خمس سنوات قبل ليلة العيد !
هل نسيت ؟
– أهلا بك يا بني .. اعذرني والعتب على النسيان، فلقد قابلت في حياتي طلابًا ومدارس ومعلمين ومدراء وبشر فذاكرتي يا بني لم تعد تحتفظ بالأشياء، وتعمدت ألا أحفظ !
لم أسترسل بحديثي لأن المؤذن أقام للصلاة.. اختصرت وقلت له: أستاذنا الكريم لقد ضاع رقمك من جهازي، أعد علي الرقم لو تفضلت، فأعاده وهو يبتسم.. ثم ودعته
.. إلى اللقاء.
أيقنت أن جسدي وروحي لم تتغير في ملامحها كثيرًا، فأنا مازلت على العهد القديم، ولكن يبدو أن ملامح ذاكرة أستاذي قد تغيرت !
وأسفاه.. ومرة أخرى ضاع الرقم، فغضبت على نفسي وجهازي.. وقمت أندب حظي السيئ، ما هذه السخافة ؟ لما لا أكتب رقمه على حيطان البيوت لكي أضمن أن جدرانها لا تسقط كما سقطت تلك الليالي والأزمان.
وبعدما عينت وأصبحت معلمًا وكانت خدمتي آنذاك ثلاث سنوات، خرجت مبكرًا من مدرستي في ساجر إلى بريدة.. إلى ذاك المسجد الذي التقيت فيه بأستاذي، إلى تلك المدرسة التي تجاور المسجد لعله يوم كان لقائنا الثاني به كان قد خرج من مدرسته إلى هذا المسجد، ذهبت للمدرسة التي توهمت أنها هي بل أيقنت قطعًا أن هي !
التقيت بوكيل المدرسة أسأله عن اسم هذا المعلم، فقال لا أعرفه فأنا هنا منذ زمن ليس بقريب ولم يمر علي هذا الاسم، أنت متأكد ؟ لحظة أخي.. معذرة إليك.. لقد تذكرت، أعتقد أنه في تلك المدرسة الفلانية وهي ليست ببعيدة عنا.. فانطلق إليها، طفقت أبحث عن كنزي المفقود، وكأنني متسول بين المدارس أطلب بقايا ملامحي ونفسي من ذلكم الأستاذ،
ولم أجده يا رفاق في تلك المدرسة، حتى هذه اللحظة.. لم أجده.
لا تقولوا هذا يبالغ ويبرز وفاءه وقصصه، فأنا لا أبحث عن هذا الحديث البالي والحطام الفاني، ولكني أحثكم معشر الرفاق والمربين والمدرسين على الإخلاص والحب لطلابكم، اجعلوا أيامكم كلها ذكريات جميلة لهم ولكم، احتووهم وازرعوا الطموح المشرق في سويداء قلوبهم، وستجدون هناك طالبًا يبحث عنكم بين الممرات وفي الحوانيت يتسول ويجمع بقايا ملامحه التي بقيت معلقة فيكم، حيث هناك النفوس الكريمة تحن أن تلتقي ببعض !
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون: مرَّ.. وهذا الأثرْ !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.