لم تكن رحلة عادية، تلك التي قمت بها مع البعثة الإعلامية المرافقة للملك سلمان خلال زيارته التاريخية لمصر. كلنا فوق أرض الكنانة، شعرنا بأننا خلية نحل لا تهدأ، لقاء هنا وآخر هناك، لم نكد نستريح حتى نتحرك لمتابعة ما جاء الملك لينجزه وما يقدمه من مشاريع وما يوقعه من اتفاقيات مليارية تخدم المصريين والسعوديين معا. في كل مكان رافقنا فيه خادم الحرمين الشريفين، لمسنا مدى الحب والتقدير والاهتمام الكبير الذي يوليه المصريون قيادة وحكومة وشعبًا بالملك سلمان، والوفد الرسمي المصاحب له، سواء من الوزراء أو رجال الأعمال أو نواب البرلمان الذين نظموا قصائد فخر بالمليك، كما شهدنا حفاوة بالغة ليس من الإعلاميين المصريين فحسب، وإنما من كافة فئات الشعب المصري، الذين عبروا عن هذا الحب بلافتات ترحيبية متعددة الأشكال والأحجام، استقبل بها المصريون ملكًا يحبهم ويقدر كفاحهم، ويقف بجوارهم في السراء والضراء، ليس منة أو هبة، وإنما تقديرًا لمصر ودورها المحوري في المنطقة. هذا الحب ترجمه ملك الحزم والحسم في مشروعات تنموية ستغير خارطة مصر الحضارية والعمرانية والاقتصادية، وستعيد الاستثمارات العربية عامة والسعودية خاصة إلى مصر، الغنية بثرواتها ومواردها وأصالة شعبها، وتوج الملك هذه المشاريع والاتفاقيات الاقتصادية (21 اتفاقية) بأكبر وأهم وأخطر ثلاثة مشاريع حققتها الزيارة، وهي الجسر البري بين المملكة ومصر، ومنطقة التجارة الحرة لتنمية سيناء وتعديل الحدود البحرية لإعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، بعد أن ظلت الجزيرتان الواقعتان عند مدخل خليج العقبة، تحت السيطرة المصرية منذ يناير 1950، بناء على طلب من الملك عبدالعزيز، من الحكومة المصرية لتوفير الحماية لهما، في وقت لم تكن فيه للمملكة قوات بحرية، واليوم كما يؤكد المصريون العقلاء وليس المتربصون وأصحاب الشائعات المغرضة من الإخوان وأذنابهم عادت الوديعة لأصحابها الأصليين بالمحبة والود وبالرجوع لحقائق التاريخ والجغرافيا. ومن أجمل ما شاهدته في الزيارة، تلك اللحظة التي قُلد فيها الملك سلمان قلادة النيل (أرفع الأوسمة المصرية) ثم منحه، يحفظه الله، الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، وقبلهما ذلك المشهد الذي جمع فيه الملك الحكيم سلمان كل الأطياف السياسية والدينية والشعبية في قاهرة المعز الفاطمية، عندما التقى بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وتواضروس الثاني بابا الإسكندرية، وجمع من السياسيين من مختلف التيارات الفكرية (ليبراليين واشتراكيين ويساريين)، ليثبت الملك للعالم كله مدى سماحة الدين الإسلامي، واتباع السعوديين للمنهج الوسطي المعتدل غير المتشدد على عكس ما يروج له البعض. وكم كانت كلمات الملك مؤثرة وقوية وهو يتحدث عن الإرهاب وأخطاره، وأهمية توحد العرب والمسلمين لمواجهة آفته اللعينة ومنظماته وعصاباته وميليشياته الدموية، التى تلعب على وتر الطائفية والمذهبية، ومن الأزهر نجح ملك السعودية في إيصال رسالته الواضحة والبليغة بأن السعوديين، يؤمنون بالحوار البناء، ويمقتون الإرهاب، وحريصون دائمًا على حماية المكتسبات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي حققتها شعوب الأمتين العربية والإسلامية. من القاهرة أدركت أن السعودية ومصر دخلا مرحلة متقدمة جدًا من التعاون في مختلف المجالات، وأن الدولتين بحكم قوتيهما السياسية والعسكرية والاقتصادية، سيشكلان تحالفًا استراتيجيًا قويًا، يتجاوز كل حدود الجغرافيا، ويحطم كل المفاهيم التقليدية للأمن العربي، وهو ما اتفق عليه أيضًا زملائي من الإعلاميين المصريين، فهم لديهم نفس مشاعرنا وأحاسيسنا، وأصبحت لديهم قناعة تامة الآن بأن القاهرة والرياض سيصوغان مرحلة أخرى من العلاقات المتفردة، والمتميزة التى تعود بالخير على الشعبين السعودي والمصري، وتمكنهما من مواجهة التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة من دول إقليمية وتكتلات عالمية، لا تريد الخير لأكبر دولتين في المنطقة العربية، وتسعى دائمًا إلى زعزعة استقرارهما، وهو ما حذر منه الملك سلمان وأخوه عبد الفتاح السيسي، في جميع اللقاءات التى جمعتهما في هذه الزيارة التاريخية. فهنيئًا للشعب المصري بما يصله من خير ودعم من أشقائه، وهنيئًا للسعوديين، بما ستجلبه الاتفاقيات من عوائد استثمارية ومشاريع عملاقة وأنشطة تجارية وصناعية جديدة، تضخ المزيد من الدولارات في شرايين الاقتصاد الوطني، وتعود بالنفع على الشعب السعودي. وهنيئًا لنا نحن الإعلاميين بما ثبت لنا من قدرة الإعلام السعودي على مواكبة العصر تقنيًا ومعلوماتيًا، وعلى ظهوره بالمستوى المشرف الذي يليق بمليكه.