نجحت الدراما التركية في الاستحواذ على قلوب وعقول المشاهدين في مصر والعالم العربي، في وقت قياسي وغير متوقع، للدرجة التي دفعت بالمشاهدين، إلى حجز أماكنهم أمام الشاشات انتظاراً لمتابعتها. ولم يقتصر الزحف التركي على الدراما فقط، بل امتد مؤخراً إلى شاشات السينما، وحتى اقتحام عالم الأغنية والموسيقى، وهو ما وضع الدراما المصرية والعربية في مأزق، للدرجة التي دفعت بالجمهور إلى الانصراف عنها، وتفضيله للأعمال التركية عليها، بل ولجوء بعض الفنانين والمخرجين والمطربين المصريين، للاستعانة بنجوم أتراك لاستثمار النجاحات المتتالية لهم. وزاد الهوس بكل ما هو تركي لدرجة إقبال الفتيات على شراء صور نجوم الفن التركي والإكسسوارات التي ظهروا بها في مسلسلاتهم، وأمام التطورات المتلاحقة والنجاح المستمر للفن التركي، زادت المخاطر المحيطة بالفن المصري خوفاً من سحب "البساط" من مصر صاحبة الريادة الفنية الطويلة. وتجهز "جبهة الإبداع" لعقد مؤتمر صحفي يضم صناع الدراما لمواجهة هذا الوضع، الذي يراه فريق من الفنانين خطيرا، رأى آخرون أنه مؤشر إيجابي قد يدفع إلى الاختلاف والتميز، في حين ظهر فريق ثالث قرر الالتحام بالتجارب التركية وإحداث تفاعل إيجابي معها. من جهتها ألقت الفنانة فردوس عبدالحميد باللوم على بعض المنتجين الذين انصرفوا لإنتاج أعمال "تافهة"، على حد قولها، خالية من الفكرة والمضمون الهادف، من أجل تحقيق الربح فقط، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لدخول الدراما التركية لتنجح في وقت قصير في استقطاب غالبية المصريين والعرب، في غفلة من صناع الدراما والسينما المصرية. أما الكاتب والمؤلف فداء الشندويلي فقد اعترف بأن صناع الدراما المصرية أخطأوا حينما انشغلوا بتقديم أنماط عصرية من الدراما، وتناسوا الكلاسيكيات على الرغم من وجودها في العالم كله، ولم يتم الانتباه إليها مرة أخرى إلا بعد نجاح الدراما التركية. وأضاف أن "تقديم هذا القالب الكلاسيكي في الدراما المصرية لا بد أن ينطوي على معالجات معاصرة، مثلما فعلنا في مسلسل "زي الورد"، وذلك يختلف كلياً عما يقدمه بعض من محاولة تمصير للقصص العالمية، أو نقل المسلسلات المكسيكية الناجحة إلى العربية مثل "روبي" وغيره، فهذا ليس مطلوباً بالقدر نفسه الذي ينبغي عليه تقديم النموذج المصري". ويرى المخرج محمد فاضل أن "الدراما التركية خطر على الأمن القومي المصري، لأنها تهدد ثقافة جيل من الشباب من خلال ما تبثه لنا من أفكار وقضايا سامة، لا تتناسب وأفكارنا ومعتقداتنا كمصريين وعرب"، واصفاً الهجمة التركية بمحاولة خفية لطمس الهوية العربية، داعياً كل المخرجين والمبدعين والفنانين لضرورة مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة. ويقول الفنان عزت العلايلي إن "من أهم عوامل نجاح الفن التركي اعتمادهم بصورة كبيرة على المناظر الطبيعية الخلابة، والتقنية العالية في الصوت والصورة، بغض النظر عن القصص التي تقدمها، إذ تعتبر أغلب الأعمال التركية لا تتناسب وتقاليد وعادات المجتمع العربي، وبالتالي فإنها ظاهرة سلبية لا بد من التصدي لها للحفاظ على الهوية العربية". وفي سياق متصل فهناك فريق يرى أن نجاح الفن التركي مؤشر جيد لخلق سوق تنافسية، حيث أكد الفنان محمد رياض أن هذه فرصة جيدة أمام الدراما المصرية لإثبات ذاتها، وأن مصر لديها من المقومات ما يمكنها من المنافسة"، مشيراً إلى أن الجمهور دائما ما ينحاز للأفضل والذي يتناسب مع أفكاره وميوله، ومن ثم اعتبر نجاح الفن التركي وسيلة تحفيز للفن المصري لإثبات أنه الأجدر. بينما اعتبرت الفنانة سميرة أحمد أن الاستفادة من نجاح الفن التركي أمر إيجابي للغاية، ويحمل معه كثيرا من الفوائد للجانبين المصري والتركي معاً، من خلال إنتاج فني مشترك، أو الاستعانة بنجوم أتراك لمعوا في عالم الدراما، ونالوا رضا ومحبة الجمهور، وهو ما فعلته في مسلسلي الذي أجهز له حالياً" قلب أم"، حيث استعنت بشركة إنتاج تركية، وممثلين أتراك ومن المقرر عرضه في رمضان المقبل". واعتبرت المطربة غادة رجب أن الغناء باللغة التركية ليس عيباً، فهو محاولة لاستغلال النجاح التركي الذي يستحوذ على العالم العربي، مشيرة إلى أن استغلال نجاح هذا الفن وتوظيفه جيداً، أمر إيجابي ومفيد للغاية. من جانبه أكد المنتج الدكتور محمد العدل، أن هناك أفكاراً ومقترحات كثيرة، حيث تقوم حالياً "جبهة الإبداع" بالتحضير لورشة عمل سيعقبها مؤتمر صحفي يجمع بين كل صناع الدراما وكل الفنانين للرد على الهجمة التركية، لافتاً إلى أن هناك مقترح ألا يتم عرض جميع المسلسلات في رمضان، فليس من المعقول أن يكون هناك شهر واحد للدراما المصرية، وباقي العام للدراما التركية، مشيراً إلى أنه وفي الوقت ذاته لن يتم إقصاء الدراما التركية، خاصة أن هناك من يعمل عليها، ويشتريها بسعر رخيص ليحقق من ورائها الربح.