لم تكن حضرموت ساحة اشتباك عسكري فحسب، بل مسرحًا لانتهاكات واسعة طالت مدنيين وقوات نظامية وممتلكات عامة وخاصة، في ظل غياب فعلي للحماية والمساءلة. ويوثّق ذلك تقرير صادر عن فريق سام للحقوق والحريات وهي سلسلة من الوقائع التي رافقت التطورات الأمنية والعسكرية في المحافظة، كاشفًا عن أنماط متكررة من القتل خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي، والنهب، والتهجير القسري، في بيئة اتسمت بتعدد مراكز القوة وتراجع الولاية الفعلية لمؤسسات الدولة. ويضع التقرير هذه الأحداث ضمن سياق أوسع من تآكل سلطة الدولة وصعود سلطات الأمر الواقع، حيث ظل الضحايا الطرف الأكثر هشاشة، دون حماية فعّالة أو مسار واضح للإنصاف. أنماط الانتهاكات وثّق التقرير سلسلة من الانتهاكات الجسيمة، شملت الاعتداء على وحدات عسكرية نظامية، ووقائع قتل خارج نطاق القانون، واحتجازًا تعسفيًا، ومعاملة قاسية أو مهينة، ونهبًا واسعًا للممتلكات العامة والخاصة، واقتحام المساكن، والاستيلاء على مرافق مدنية. كما رصد تهجيرًا قسريًا طال مئات الأسر، خلّف آثارًا إنسانية عميقة، تمثلت في فقدان المأوى وسبل العيش، وتدهور الأوضاع الصحية والنفسية، خصوصًا بين النساء والأطفال. القتل والإصابات وتشير بيانات رسمية ومصادر محلية متقاطعة إلى سقوط 32 قتيلًا و45 جريحًا من قوات المنطقة العسكرية الأولى، إضافة إلى 6 قتلى و12 جريحًا من تحالف قبائل حضرموت، خلال المواجهات مطلع ديسمبر 2025. وتعكس هذه الأرقام حجم الخسائر البشرية، وتثير مخاوف جدية بشأن احترام قواعد حماية الأشخاص في النزاعات المسلحة. نهب وتشريد ووثّقت تقارير وشهادات ميدانية عمليات اقتحام ونهب واسعة طالت منازل مسؤولين حكوميين وضباط وجنود، إضافة إلى منازل نازحين ومساكن حكومية قديمة في سيئون ووادي حضرموت. وتخللت هذه العمليات ترويع للأسر، ونهب للممتلكات، وإجبار سكان على مغادرة منازلهم قسرًا، فضلًا عن نهب محال تجارية وأسواق، وفتح مخازن أسلحة دون حراسة. الاعتقالات والإخفاء كما شهدت مدن حضرمية عدة موجة مداهمات واعتقالات نفذتها تشكيلات مسلحة دون أوامر قضائية، طالت مدنيين وموظفين وضباطًا، ونُقل بعض المحتجزين إلى أماكن غير معلومة، بينها مرافق مدنية جرى استخدامها كمراكز احتجاز. وأثارت هذه الممارسات مخاوف جدية من الإخفاء القسري وانتهاك الضمانات الأساسية للحرية والأمان الشخصي. التحريض و الكراهية ورصد التقرير تصاعد حملات رقمية منسقة تدعو للانفصال، مترافقة مع خطاب تحريضي ضد خصوم سياسيين وصحفيين ونشطاء، وتهديدات مباشرة طالت شخصيات إعلامية وحقوقية. كما أشار إلى بروز خطاب ديني تعبوي يشرعن الإقصاء والعنف السياسي، ويهيئ بيئة مواتية لمزيد من الانتهاكات. الإطار القانوني وقيّم التقرير الوقائع في ضوء القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني، إضافة إلى التزامات القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويخلص إلى أن عددًا من الأفعال الموثقة قد يرقى إلى خروقات جسيمة، وربما جرائم حرب، مما يثير مسؤوليات جنائية فردية وقيادية، فضلًا عن مسؤوليات دولية محتملة في حال ثبوت الدعم أو السيطرة الفعلية. منهجية التوثيق واعتمد التقرير على منهجية متعددة المصادر، شملت مقابلات مباشرة مع ضحايا وشهود عيان عبر وسائل آمنة، ومراجعة وثائق وبيانات رسمية صادرة عن جهات حكومية وسلطات أمر واقع، وتحليل مواد مفتوحة المصدر ومقاطع مصورة جرى التحقق من صحتها زمانيًا ومكانيًا. كما استعان بخبراء في القانون الدولي الإنساني والتحقق الرقمي، مع الالتزام الصارم بسرية المصادر وتقاطع المعلومات وفق معايير التثبت المهنية. سياق أمني ويوثق التقرير تشابكًا معقدًا للأدوار بين أطراف داخلية وخارجية. داخليًا، حيث شاركت قوات حكومية نظامية إلى جانب تشكيلات مسلحة غير خاضعة فعليًا لوزارتي الدفاع والداخلية، من بينها قوات مرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وتشكيلات محلية ذات طابع قبلي. وفرضت هذه القوى ترتيبات وسلطات فعلية على الأرض بمعزل عن مؤسسات الدولة، في ظل غياب إطار قانوني جامع ينظم استخدام القوة والسلاح. ويرصد التقرير كذلك دور أطراف خارجية قدمت دعمًا عسكريًا أو لوجستيًا لبعض هذه التشكيلات وخاصة المجلس الانتقالي، وهو ما يثير إشكالات قانونية تتعلق بالمسؤولية الدولية، خصوصًا في حال ثبوت السيطرة الفعلية أو الإسهام الحاسم في تغيير موازين السيطرة أو تسهيل الانتهاكات. الخلفية السياسية والعسكرية ويربط التقرير هذه التطورات بمسار بدأ منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، وما تبعه من إنشاء تشكيلات مسلحة موازية خارج الإطار المؤسسي للدولة. ورغم توقيع اتفاق الرياض عام 2019، ظل تنفيذ بنوده العسكرية والأمنية متعثرًا، ما كرس واقع تعدد مراكز القوة. ومع إنشاء مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، لم يتحقق دمج فعلي للقوات أو توحيد للقيادة، واستمرت سلطات الأمر الواقع في التوسع، لا سيما مع الانتشار العسكري الواسع في وادي حضرموت منذ أكتوبر 2025، والسيطرة على مرافق مدنية ورسمية وفرض رموز سلطة بديلة. الاستنتاجات الخلفية منذ 2017: تأسيس الانتقالي الجنوبي وتعزيز تشكيلات مسلحة موازية خارج مؤسسات الدولة 2019: تعثر تنفيذ الشقين العسكري والأمني من اتفاق الرياض 2022: إنشاء مجلس القيادة الرئاسي دون تحقيق دمج فعلي للقوات 2025: توسع الانتشار العسكري الانتقالي وفرض سيطرة أمر واقع في حضرموت الآثار الإنسانية فقدان المأوى وسبل العيش تدهور الأوضاع الصحية والنفسية تصاعد انعدام الأمن المجتمعي التوصيف القانوني نزاع مسلح غير دولي خروقات للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف احتمالية مسؤوليات جنائية فردية ودولية الخلاصة تآكل الولاية الفعلية للدولة ترسيخ سلطات أمر واقع المدنيون يدفعون الثمن الأكبر غياب المساءلة يهدد الاستقرار ووحدة اليمن الأطراف الفاعلة قوات حكومية نظامية تشكيلات غير شرعية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قوات محلية وقبلية مسلحة أطراف خارجية داعمة عسكريًا ولوجستيًا ضد الشرعية