تتداول وسائل التواصل الاجتماعي مقولات تُقدَّم بوصفها تعبيرًا عن القوة الأنثوية وارتفاع الاستحقاق، ومن أبرزها مقولة لمشهورة سعودية تقول فيها: «أنا امرأة لو دخلت بحياة أي رجل صعب التخلص مني ونسياني... أنا مملكة كاملة، وخسارتي ليست سهلة.. وإن خسارتي لا تعني فقدان شخص واحد، بل ضياع مملكة كاملة». هذه العبارات، لاقت رواجا حتى وجدت بعض التعليقات تقول بإعجاب (إنها تمثلني). في الواقع أنه عند تحليل هذا النوع من الخطاب نجد أنه يكشف عن تناقضات نفسية وفكرية تستحق التوقف عندها. ونبدأ بالسؤال المهم: هل الحب الحقيقي يُقاس بكمية الألم والوجع بعد الفراق؟ من الطبيعي أن يتألم الإنسان بعد الفراق، من أحب بصدق سيحزن، ومن خسر شريكًا جيدًا سيشعر بالفراغ. هذا أمر إنساني لا خلاف عليه. الألم هنا نتيجة علاقة حقيقية، لا نتيجة تلاعب أو تعلق. لكنه ألم يهدأ مع الوقت، ولا يدمّر. وممكن جدا أن يكون حب المرأة حقيقيا ومتزنا لكن الطرف الآخر لم يكن واقفًا على قدميه أصلًا، فهو يستمد قيمته، أمانه، وتوازنه من زوجته بحيث عندما ترحل زوجته ينهار سواء كانت امرأة عادية أو استثنائية، كل المشكلة موجودة عند هذا الرجل فهو يعتمد عليها نفسيا لا فرق أن يكون لديه امرأة عادية أو حتى استثنائية. لكن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يتحول الألم إلى شرط ومعيار للعلاقة. كأن الرسالة تقول: كل من يحبني يجب أن يتعذب بعدي، وإذا لم تتعذب فأنت لم تحبني بما يكفي. هنا نحن لا نتحدث عن حب، بل عن تصور مختل للعلاقة، تصور يرى أن قيمة المرأة تُقاس بمدى انهيار الرجل بعدها. حب ينتج ضحايا ويخلف خرابا ودمارا وهنا يتضح الفرق: المرأة التي تحب ذاتها بوعي، لا تصنع مدمنين عليها، بل تصنع أناسًا أقوى. تعطي نورًا لا خوفًا، وتزرع نموًا لا فقدًا. هذه المرأة صاحبة الاستحقاق العالي؛ حضورها حياة، وغيابها ذكرى جميلة، تترك أثرًا، وإن انتهت العلاقة، وتغادر بسلام، لا جرحًا مفتوحًا يظل ينزف. كأن المرأة تقول دون وعي منها: أنا أعطي الرجل حبوب حب لا توجد إلا عندي. في كل مرة أعطيه حبة، يشعر بالراحة أكثر، فيتعلق أكثر. مع الوقت، لا يعود قادرًا على الشعور بالحب أو الأمان إلا من خلالي. يصبح مدمنًا لهذا الشعور. فإذا غادرت، لا يخسر امرأة فقط، بل يخسر «الجرعة» كاملة، فيدخل في ألم وانهيار وقد يحتاج إلى مصحّة ليتعافى من هذا الإدمان الذي لُفّ بعبارات الحب. الأخطر من ذلك، أن الشخص الذي يكرر فكرة: «كل من يدخل حياتي يتألم بعدي»، غالبًا هو شخص يعيش ألمًا داخليًا غير معالج. في التحليل النفسي، من يرى نفسه دائمًا سبب معاناة الآخرين، قد يكون هو نفسه عاش فقدًا مبكرًا، أو جرحًا عميقًا، فصار يخفف ألمه ويسكنه بأن يراه منعكسًا في غيره. كأن المعادلة تقول: ما دام الآخر يتألم، فأنا لست وحدي المتألم. المرأة الواثقة حقًا والمؤثرة لا تحتاج أن تقول للإعلام: «أنا صعب نسياني». يكفي أن تقول بنضج إنها تجربة علمتنا دروسا كثيرة ونحن ممتنون لها، تجربة تُذكر بالخير، وإن انتهت، انتهت بسلام. أخيرا أقول: القوة ليست في عدد الجرحى بعد الرحيل، القوة في الأثر الذي يتركه حضورك.