تتجه الأوضاع في جنوبسوريا نحو مزيد من التعقيد مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وفرض وقائع ميدانية جديدة تتجاوز الأهداف الأمنية المعلنة. وفي حين تعيش دمشق مرحلة انتقالية بعد سقوط نظام بشار الأسد، تثير التحركات الإسرائيلية مخاوف محلية وإقليمية من انزلاق المنطقة إلى نمط طويل الأمد من التوتر وعدم الاستقرار. بؤرة صدام في قرية بيت جين، جنوب غرب سوريا، خلّفت عملية عسكرية إسرائيلية دامية آثاراً إنسانية عميقة، بعد مقتل 13 مدنياً، بينهم خمسة من أفراد عائلة واحدة. ويقول سكان القرية إن القوات الإسرائيلية اقتحمت المنطقة بذريعة ملاحقة مسلحين، بينما ينفي الأهالي وجود أي جماعات منظمة، مؤكدين أن ما جرى كان مواجهة غير متكافئة بين جنود مدججين بالسلاح وسكان محليين. ووفق روايات محلية، استخدمت القوات الإسرائيلية الدبابات والمدفعية، قبل أن تنفذ غارة بطائرة مسيرة، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين. ووصفت الحكومة السورية في دمشق ما حدث بأنه مجزرة، معتبرة أن العملية تمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية. واقع أمني جديد مع الإطاحة ببشار الأسد أواخر العام الماضي، برزت مؤشرات على إمكان فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية - الإسرائيلية، خاصة مع تصريحات الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، التي أكد فيها عدم رغبته في الدخول في مواجهة مع إسرائيل. غير أن تل أبيب أبدت تشككاً عميقاً إزاء القيادة الجديدة، مستندة إلى خلفياتها العسكرية وتحالفاتها السابقة. في هذا السياق، سارعت إسرائيل إلى تعزيز وجودها العسكري داخل المنطقة العازلة التي تشرف عليها الأممالمتحدة، والمتاخمة لهضبة الجولان المحتلة. وأقامت نقاط تفتيش ومنشآت عسكرية متقدمة، بالإضافة إلى مهابط للطائرات في مواقع إستراتيجية، أبرزها جبل الشيخ، مع تسيير طائرات استطلاع مسيرة بشكل شبه دائم فوق القرى والبلدات السورية المجاورة. وعلى الرغم من إعلان إسرائيل أن وجودها مؤقت، ويهدف إلى منع تهديدات أمنية محتملة، فإن غياب أي جدول زمني للانسحاب، وفشل المحادثات الأمنية مع دمشق، يعززان الشكوك حول نياتها بعيدة المدى. ذاكرة لبنانوغزة تتضاعف المخاوف السورية في ضوء التجارب الإسرائيلية الأخيرة بكل من لبنانوغزة. ففي جنوبلبنان، لا تزال القوات الإسرائيلية متمركزة في نقاط إستراتيجية عدة على الرغم من مرور أكثر من عام على وقف إطلاق النار الذي رعته الولاياتالمتحدة، مع استمرار الغارات الجوية والتحركات البرية المحدودة. أما في قطاع غزة، فقد أُدرجت فكرة المناطق العازلة تحت السيطرة الإسرائيلية ضمن الترتيبات التي تلت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ما عزز الانطباع بأن تل أبيب تعتمد هذا النموذج كأداة دائمة لإدارة حدودها بالقوة. وهذه السوابق دفعت كثيراً من السوريين إلى الاعتقاد بأن ما يجري في جنوب بلادهم قد يكون مقدمة لسيطرة طويلة الأمد، لا مجرد إجراء أمني مؤقت. حدود الدعم الأمريكي لم تلقَ الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا قبولاً دولياً واسعاً. فوفق خبراء ومحللين، تتعارض هذه السياسة مع التوجه العام لدول إقليمية فاعلة، مثل السعودية وتركيا ومصر، بالإضافة إلى الولاياتالمتحدة، التي تدعم قيام دولة سورية موحدة، وقادرة على بسط سيادتها. وعلى الرغم من متانة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انتقادات علنية نادرة لإسرائيل، داعياً إياها إلى الحفاظ على حوار جاد مع دمشق، وعدم عرقلة مسار تعافي سوريا. ومن المتوقع أن يحتل الملف السوري حيزاً مهماً في محادثات ترمب المرتقبة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واقع مفتوح يرى خبراء عسكريون أن إنشاء بنى تحتية دائمة، مثل مهابط الطائرات والمنشآت المحصنة، يشير إلى نية بقاء طويل الأمد. وفي ظل ضعف أوراق الضغط لدى الحكومة السورية الجديدة، تبدو قدرتها على تغيير المعادلة محدودة. وعلى المستوى الإنساني، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، كما في حالة قاسم حمادة من بيت جين، الذي فقد خمسة من أفراد أسرته، ليختصر بعباراته البسيطة شعور العجز والغضب السائد لدى كثير من السوريين إزاء ما يعتبرونه سياسة قوة بلا مساءلة. أبرز نقاط تصعيد التوتر بسبب إسرائيل • توسيع العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية • إنشاء مناطق عازلة ومنشآت عسكرية دائمة • استخدام القوة الجوية ضد مناطق مأهولة بالسكان • تقويض فرص التهدئة والتفاهم مع دمشق • تعميق المخاوف الإقليمية عبر نماذج مشابهة في لبنان وغزة