زاد الوعي بأهمية فحص الصحة النفسية لمرضى السلياك لارتباطه بالقلق والاكتئاب، فاصبح الأطباء بشكل روتيني يفحصون القلق والاكتئاب لدى مرضى السلياك، من ناحية أخرى يُنصح بعض المرضى الذين يعانون من اكتئاب أو قلق مقاوم للعلاج بإجراء فحص للسلياك، خاصة إذا كانت لديهم أعراض هضمية (حتى لو كانت خفيفة)، حيث إن العلاقة بين السلياك وبين كل من القلق والاكتئاب علاقة قوية وثنائية الاتجاه بسبب العوامل البيولوجية من جهة، والضغوط النفسية والاجتماعية في التعامل مع المرض من جهة أخرى؛ إذ إنها ليست مجرد رد فعل نفسي على التعايش مع مرض مزمن، بل هناك عوامل بيولوجية ونفسية متشابكة. إن النواحي البيولوجية التي تؤدي للقلق والاكتئاب لدى مريض السلياك هي وجود صلة بين الدماغ والأمعاء، حيث يؤدي تناول الغلوتين في مرض السلياك إلى استجابة مناعية التهابية في الأمعاء. هذه الالتهابات يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء الجسم، وقد يؤثر على الدماغ، ويعطل الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، والتي تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم المزاج. حيث يتم إنتاج نسبة كبيرة تصل إلى 90% من السيروتونين في الأمعاء، وتوجد في الأمعاء بكتيريا نافعة ضرورية للصحة العامة، والالتهاب المصاحب للسلياك يؤدي لاختلال التوازن البكتيري، مما يؤثر مباشرة على الدماغ والمزاج، ويرتبط بظهور أعراض القلق والاكتئاب لدى مرض السلياك، أيضاً يؤدي تلف الأمعاء إلى سوء امتصاص للعديد من العناصر الغذائية الأساسية التي تلعب دوراً حاسماً في صحة الدماغ، مثل فيتامين ب12، ودال، وأوميغا3. يكون تأثير العوامل البيولوجية على ظهور القلق والاكتئاب أكثر في بداية التشخيص نتيجة لتأثير الجلوتن على الجسم، وللحد من تأثيرها على المصاب الالتزام بالحمية الغذائية الخالية من الجلوتن، مع ذلك يبقى تأثير عوامل الضغط النفسي والاجتماعي على القلق والاكتئاب لدى مريض السلياك. يوجد ضغط نفسي واجتماعي يعيشه مريض السلياك وله دور في ظهور القلق والاكتئاب لديه، حيث إن العيش مع مرض السلياك يمثل ضغطاً نفسياً واجتماعياً مستمراً، مما يزيد من خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب، حيث إن الحمية الصارمة والالتزام بحمية خالية من الغلوتين 100% أمر شاق، ويتطلب قراءة الملصقات باستمرار، والقلق من التلوث الخلطي، وصعوبة تناول الطعام خارج المنزل أو في المناسبات الاجتماعية. هذا يخلق حالة من التيقظ والقلق المستمر، كما أن صعوبة المشاركة في المناسبات الاجتماعية التي تركز على الطعام (حفلات، زواج، مقابلات عمل) يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالعزلة والوحدة والحزن، أيضاً إن الخوف من التعرض العرضي للغلوتين وما يسببه من أعراض مؤلمة ومزعجة (مثل آلام البطن، الإسهال، الانتفاخ) يخلق حالة من القلق الدائم. من النصائح المهمة لمرضى السلياك الالتزام الصارم بالحمية، وهو الخطوة الأولى والأهم، ليس فقط لشفاء الأمعاء ولكن أيضاً لتحسين المزاج، وطلب الدعم النفسي والتحدث مع طبيبك عن المشاعر، فالعلاج النفسي (مثل العلاج السلوكي المعرفي) يمكن أن يكون فعالاً جداً في إدارة القلق والاكتئاب المرتبط بالأمراض المزمنة، أيضاً من المهم الانضمام لمجموعات الدعم والتواصل مع الآخرين الذين يعانون من نفس الحالة، فهو يقلل من الشعور بالعزلة ويوفر نصائح عملية، كذلك التغذية المتوازنة والعمل مع أخصائي تغذية للتأكد من الحصول على جميع العناصر الغذائية التي قد تكون ناقصة بسبب سوء الامتصاص. ختاماً وُجِد أن زيادة المرونة النفسية تخفف القلق والاكتئاب لدى مرضى السلياك وتزيد الالتزام بالحمية الخالية من الجلوتن، وإن أعراض القلق والاكتئاب لدى مريض السلياك ليست ضعفاً أو تقصيراً، بل هي جزء من تعقيدات المرض التي يجب التعامل معها بجدية كأي عرض آخر.