هناك علاقة ثنائية الاتجاه بين مرض السيلياك «الداء البطني» واضطرابات الأكل، فقد تؤدي اضطرابات الأكل إلى إخفاء أو تأخير تشخيص السلياك، وأحيانًا يؤدي السلياك نفسه إلى نشوء علاقة مضطربة مع الطعام بعد التشخيص. يمكن لاضطرابات الأكل أن تؤخر التشخيص، حيث يعاني بعض المصابين باضطرابات الأكل من أعراض هضمية، مثل: الانتفاخ والألم أو الغثيان، وقد تفسر هذه الأعراض على أنها نتيجة اضطراب الأكل فقط، مما يؤدي لتأخر التشخيص بالسلياك، كما يمكن للحميات القاسية دون إشراف طبي أن تخفي وجود مرض السلياك. يؤدي السلياك لدى البعض إلى اضطرابات الأكل بعد التشخيص، حيث إن العلاج الوحيد للسلياك هو النظام الغذائي الخالي من الجلوتين مدى الحياة، والذي قد يكون محفزًا لاضطرابات الأكل، فإن ذلك يخلق ضغطًا نفسيًا، وعلاقة ليست مريحة مع الطعام، مثل التركيز المستمر على مكونات الطعام، وقراءة الملصقات الغذائية، أيضًا إن تجنب العديد من الأطعمة قد يتحول بسهولة إلى سلوك مرتبط باضطراب الأكل. كما أن القلق والشعور بالحرمان من الأطعمة «العادية» التي يتناولها الآخرون، والخوف الدائم من التلوث بالجلوتين، يخلق علاقة سلبية وقلقة مع الطعام، أيضًا الشعور بالعزلة الاجتماعية، الذي قد يتعرض لها مصاب السلياك وصعوبة تناول الطعام خارج المنزل أو في المناسبات الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالوحدة والاختلاف، مما قد يدفع الشخص إلى تقييد طعامه أكثر أو تطوير عادات أكل غير صحية، كذلك ربما تؤدي التغيرات في شكل الجسم وزيادة الوزن إلى تقييد الطعام بشكل مفرط للتحكم بالوزن، حيث إنه بعد التشخيص وبدء النظام الغذائي الخالي من الجلوتين، يبدأ الجسم في امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح، مما قد يؤدي إلى زيادة الوزن. أنواع اضطرابات الأكل التي قد تظهر لدى مرضى السيلياك، هي: فقدان الشهية العصبي، خوفًا من زيادة الوزن بعد بدء النظام الخالي من الجلوتين، أو استخدام قيود النظام الغذائي كوسيلة «مقبولة اجتماعيًا»؛ لتقليل تناول الطعام بشكل عام، وقد يشيع فقدان الشهية العصبي قبل التشخيص بالسلياك نتيجة الخوف المبالغ فيه من الآثار السلبية للأكل، مثل الألم أو التقيؤ، أيضًا اضطراب تجنب الأطمعة المقيد، وهنا يكون تجنب لأطعمة محددة، ولا يكون الدافع فيه الخوف من زيادة الوزن والاهتمام بصورة الجسم، بل بسبب رفض الأطعمة ذاتها قوامها أو رائحتها أو مذاقها. ويمكن أن يتحول الاهتمام الصارم بتناول الطعام الصحي، والخالي من الجلوتن ما يتجاوز به المرء تجنب الجلوتن إلى تقيد العديد من المجموعات الغذائية الأخرى، ما قد يؤدي لفقدان الشهية العصبي، كذلك اضطراب الشره العصبي، وهي نوبات أكل بشراهة تتبعها سلوكيات تطهير ك«القيء أو استخدام المسهلات»، وهنا قد يشعر الشخص بالذنب بعد تناول طعام ممنوع «يحتوى على جلوتين» أو بعد نوبة شراهة. وأخيرًا اضطراب النهم العصبي، ويكون في نوبات أكل بعد الشعور بالحرمان أو الضغط بدون سلوكيات تطهير، فالنظام الخالي من الجلوتن يفرض قيودًا كثيرة، مما يجعل بعض الأشخاص يشعرون بالحرمان المزمن، وقد يؤدي ذلك لنوبات نهم عند توافر أطعمة ممنوعة أو مسموحة أثناء الشعور بالتوتر، أيضًا قد يكون هناك إجهاد نفسي من الشعور بالعزلة الاجتماعية، وصعوبة الأكل خارج المنزل، فيصبح النهم وسيلة للتخفيف من العزلة. عند التفريق بين اضطرابي الأكل الشره العصبي والنهم العصبي، على المختص أن ينتبه إلى أن زيادة الوزن كتفريق في النهم العصبي عن الشره قد لا ينطبق على مرضى السلياك في حالة إخلالهم بالحمية الخالية من الجلوتن؛ لأن تناول الجلوتن قد يخفض أوزانهم. وجد أن الأكثر عرضة للإصابة باضطرابات الأكل من مصابي السلياك هم المراهقون أو الشباب؛ نظرًا لطبيعة المشاعر في هذه المرحلة، وحساسية المرحلة لصورة الجسم، كما وجد أنها أكثر انتشارًا لدى الإناث مقارنة بالذكور. يمكن توجيه نصائح مهمة للتعامل الصحي مع مشكلة اضطرابات الأكل لدى مرضى السلياك، وهي: الوعي بالمشكلة كخطوة أولى بالاعتراف بوجود علاقة مضطربة مع الطعام تتجاوز مجرد اتباع النظام الخالي من الجلوتين، فالمشكلة هنا ليست «ماذا نأكل؟»، بل «كيف نشعر تجاه الطعام؟»، أيضًا من النصائح هنا طلب دعم متخصص، حيث إنه من المهم جدًا الاستعانة بأخصائي نفسي، وأخصائي تغذية، وطبيب جهاز هضمي، لديهم خبرة في التعامل مع مرض السيلياك واضطرابات الأكل؛ لوضع خطة غذائية متوازنة تمنع الحرمان وتقلل القلق، كذلك ينصح ببناء علاقة صحية مع الطعام، ومحاولة النظر إلى النظام الخالي من الجلوتين على أنه وسيلة للشفاء والعيش بصحة جيدة، وليس كعقاب أو قيد، ولا يخفى أهمية الدعم الاجتماعي الذي قد يحققه الانضمام إلى مجموعات داعمة لمرضى السيلياك، مما يخفف من الشعور بالعزلة، ويساعد على تبادل الخبرات وما مروا به من التحديات. وختامًا مرض السلياك قد يشكل أرضًا خصبة لتطور اضطرابات الأكل، وذلك لطبيعة النظام الغذائي الخالي من الجلوتين المقيدة إلى جانب الآثار النفسية للمرض المزمن؛ لذا من المهم وعي الفريق المعالج «طبيب الجهاز الهضمي، أخصائي التغذية، أخصائي نفسي... إلخ»، بالعلاقة بين السيلياك واضطرابات الأكل، وكيفية التعامل معها بنهج شامل يوازن بين الصحة الجسدية والنفسية.