في الأسواق المالية، ليس الصخب ما يصنع الاتجاه، بل الهدوء الذي يسبق الحركة.. المستثمرون الحقيقيون لا يرفعون أصواتهم، بل يراقبون؛ لأن كل رقمٍ على الشاشة يحمل رسالة، وكل تذبذبٍ يهمس بحقيقةٍ لا تراها العجلة. السوق السعودية اليوم تشبه بحّارًا خبيرًا يعرف أن الموجة القادمة لا تُقاس بارتفاعها، بل بالتيار الخفي تحتها، فالسيولة لا تختفي، بل تعيد تموضعها، والمخاطرة لا تزول، بل تتغير ملامحها. في هذه المراحل الرمادية، لا يفوز من يتنبأ، بل من يفهم.. من يقرأ الأرقام لا كحروف جامدة، بل كمؤشرات على نضوج اقتصادٍ ينتقل من المضاربة إلى الاستثمار الواعي. ولأننا في زمن تتقدم فيه الرؤية على الحدس، لم تعد السوق تكافئ من يركض، بل من يتريث، فالثقة لا تُشترى بالأسعار، بل تُبنى بالمعرفة، ومعرفة السوق ليست في متابعتها فقط، بل في فهم سلوكها حين تهدأ، فالهدوء ليس فراغًا.. بل مقدمة لصوتٍ أعلى قادم، وحين تتكلم السوق من جديد، لن يسمعها إلا من كان منصتًا في لحظة الصمت.