تناولت عدد من الدراسات الأدبية الحديثة علاقة الشاعر بالمدينة، فغالبًا ما تلقى العلاقة بين الشاعر والمدينة تفاعلًا ديناميكيًا كرمز للأمل والحلم أو مصدرًا للاغتراب أو الحنين أو الاشتياق أو رمزًا للزمن الطبيعي، حيث يعبر الشاعر عن مشاعره الشخصية تجاه مدينته، محاولًا استيعابها لتصبح جزءًا من كيانه. نقرأ ذلك في قصائد طاهر زمخشري وحمزة شحاتة في مدينة جدة، وقصائد المتنبي في مدينة حلب، وأليوت، ووليم يليك في مدينة لندن، وأرثر رامبو في باريس، وقصيدة أبي نواس في بغداد، وعبدالعزيز المقالح والبردوني في صنعاء، ومحمد الهلالي في حماة، ونزار قباني في دمشق، وأحمد عبدالمعطي حجازي في القاهرة، وبدر بن عبدالمحسن وغازي القصيبي في الرياض. وفي الشعر الشعبي، اشتهر الشاعر عبدالله الثميري بعشقه لمدينة المجمعة، حيث يظهر في قصائده حنينًا عميقًا للمدينة واشتياقًا لها. فقد تغنى بأرضها وترابها وناسها وأحيائها وأسواقها وطرقاتها قائلًا: المجمعة ديرتي مانيب ناسيها أمي ولو غبت عنها جيت ناصيها أشفق على المجمعة وأحب ساكنها لو كنت عنها بعيد فهاجسي فيها في عام 1394 للهجرة وقف الشاعر عبدالله الثميري أمام الملك فيصل في قصره بالمعذر، وألقى قصيدته الشهيرة «تحية المجمعة للفيصل». وألقى قصيدة رائعة أمام الملك خالد، وذلك أثناء زيارة الملك خالد لمدينة المجمعة. وفي احتفالات ومهرجانات مدينة المجمعة، تؤدي فرقة المجمعة للعرضة رقصة العرضة على أبيات شاعر العرضة عبدالله الثميري، والتي من بينها: شاعر المجمعة غنّى تماثيله بالحقيقة نطق وأفهم معانيه يا سحاب على المشقر مخاييله علّ يسقي غروس ناشف ماها والثميري يمتلك حسًّا شعريًا مرهفًا ولغة شعرية تلهب الخيال، شاعر صادق في تعبيره عن مشاعره وأفكاره، قوي في بناء قصائده، مما يجعل شعره مؤثرًا وراسخًا في الذاكرة. اشتهر بالحكمة وفلسفة الحياة وصياغة الحياة في قالب شعري، معبرًا عن أحاسيسه ومشاعره بكلمات بسيطة ومباشرة في التعبير. ما زلت أتذكر ذلك الموقف الذي جمعني به في مسابقة الشعر، والتي كانت تنظمها رعاية الشباب، فقد شارك كل منا بقصيدة، وكانت قصيدتي بالفصحى، وقصيدة الثميري بالشعر الشعبي، وقد عقدت المسابقة الشعرية في قاعة نادي الفيحاء بالمجمعة، وأعلنت لجنة المسابقة فوز قصيدة الثميري، وانسحبت بهدوء. وقد اعتراني وقتها هم ثقيل، فقد كانت قصيدتي بالفصحى وقصيدة الثميري بالعامية، وعجبت أن جاءت المقارنة بين أدبين مختلفين كل الاختلاف؟! أما المرة الثانية التي جمعتنا، كانت أثناء إشرافنا على صفحات الشعر الشعبي، فقد كان الثميري يشرف على «تراث الجزيرة» في صحيفة الجزيرة، وكنت أشرف على «صور على الشفق» في صحيفة الجزيرة المسائية، ولقد تبين لي أن الثميري يمتلك ثقافة شعرية شاملة، يتصف بالحياد والموضوعية، متمكن في تذوق النص الشعري، وفهم جمالياته، يبتعد عن العاطفة، والمؤثرات الشخصية، حيث لا يجامل في أمر الشعر. لقد ترك الثميري أثرًا واضحًا على الثقافة الشعبية، سواء فيما ترك من آثار شعرية، أو فيما قام به من دراسة ونشر للشعر الشعبي، ولقد كان دوره مهمًا في الثقافة الشعبية، وبخاصة الشعر الشعبي. كان الثميري يوظف الشعر الاجتماعي وسيلة لنقد السلوكيات السلبية، والظواهر الاجتماعية، حيث يعد من أوائل الذين أدخلوا الفكر الاجتماعي على الشعر الشعبي، فالثميري كثير الاختلاط بالناس، فهو رجل اجتماعي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكان يرى ويسمع عن التحولات الاجتماعية التي أصابت المجتمعات، والتغير الذي طرأ على السلوك الاجتماعي، وكان يدعو في أشعاره إلى الحفاظ على قيم المجتمع. يقول الأديب فهد العريفي: لا تفوت شاعرنا الثميري مناسبة وطنية أو مناسبة اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك من المناسبات إلا وينبري لها ليثني عليها أو يبكي لها، فيؤرخ لحاضرها، ويسترجع الماضي ليعطي صورة صادقة ومغايرة في كثير من الأحيان لذلك الماضي بخيره وشره وحلوه ومره. ولكن شعره في مدينة المجمعة، له طعم خاص ومذاق خاص، ونكهة خاصة. ولكن ماذا سوف يقول الثميري عن مدينة المجمعة، لو امتد به العمر، ورآها على الصورة التي هي عليه اليوم كمدينة عصرية فائقة الحيوية، ونابضة بالحياة. وإن كنت أرى تقديرًا لوفائه لمدينة المجمعة، أن يطلق اسمه على إحدى شوارع المجمعة، أو أن توضع أبياته في أحد ميادينها، كما كتبت أبيات الشاعر حمزة شحاته على شاطئ جدة، فالوفاء من أجل الصفات الإنسانية. ترك الثميري أثرًا واضحًا على الثقافة الشعبية، سواء فيما ترك من آثار شعرية، أو فيما قام به من دراسة ونشر للشعر الشعبي.