قصة قصيرة مدتها ثلاث دقائق جعلت مني كاتبا لهذه الأسطر. طفل يأتي كل يوم إلى مدرسته متأخرا فالأعذار لديه يحملها في حقيبة البر والوفاء، إنها خدمة يقدمها لأحد أفراد أسرته المقعد على كرسيه المتحرك يوصله كل صباح إلى المصحة أو دار الرعاية، وهذا العذر ليس عذرا شرعيا مكتوبا تقبلة الإدارات البيروقراطية، فالإنسانية عذرها معنوي تقف الغصة فيها حسرة بين الواقع وتحمل الألم من مسطرة هذا المعلم الذي يؤدّبه بإزدراء وبضرباتها الموجعه كل يوم ليكون الكتمان سرا تكتبه الظروف في حياته، فكم طفل بريء أصبح رهنا لمثل هذه الضربات المؤلمة وسط ذهول من زملائه الطلاب الذين لا حيلة لهم ولا قوة. فهذا المعلم يعطي إنذارا لأمثال هذا الطالب المتمرد في نظره، حتى لا يكون التأخر هو شعار التمرد لدى الأطفال الآخرين. وقفة حانيه ورسالة من قلمي إلى منظمة اليونسيف في العالم ليكون لهم بصمة في ضمير التعليم والمعلم في المراحل الدراسية الأولية. هناك مآسي لدى الأطفال في كل أنحاء العالم حسب ظروفهم الأسرية نتيجة أخطاء أو أقدار أو كوارث طبيعية أو حروب يكابدها هؤلاء الأطفال مع أسرهم، هناك ألم لا تراه بين أضلاعهم، هناك لحظات ضعف في أنينهم، هناك أطفال نثرتهم الحياة أشلاء دون ذنب لهم سوى إنها تركة ورثوها في ظروفهم وحياتهم اليومية، الفقر آفة والتفكك الأسري كارثة تجعل من هؤلاء الأطفال الحالمين بمستقبل باهر في حياتهم بين نار العلم والصبر ونار البحث عن لقمة العيش في الحياة ومساعدة أسرهم، إنها المعاناة وجدت سبيلها في زيادة أوجاعهم من تصرفات بعض المعلمين كما هو الحال مع هذا الطفل. إنهم صناديق حلوى مقفلة، لا يبوحون بما في نفوسهم فقد جعلهم الخوف عظماء اللحظة، عندما يكون كبرياء العناد هو الحكم في عقابهم، فتكون دموعهم هي السبيل الحار الذي ينسكب من عيونهم تعبا وألما وغصة وقد تكون سببا في ترك الدراسة والتعليم فيكونوا مشردين يبحثون عن لقمة تسد رمق جوعهم. هم أذكياء وعباقرة هم جواهر في أصدافها تركت لتنام في الطرقات ورهن العبث. كان هذا الطالب في نظر معلمه بخياله الواسع أنه كسول ولا يهتم ومتمرد على الأنظمة وعلى الدوام الصباحي، فكانت مسطرته هي القاضي التي يمثل أمامها، ولكنها الأيام فيها لحظات موجعة لتفضح ما تحمله نفوس هؤلاء الأطفال لتحريك الإنسانية أمام الملأ ليطرق الندم بضرباته في صميم أوجاعك لتئن ندما على أفعالك. تصادف مرور هذا المعلم على دراجته ذاهبا إلى المدرسة مع هذا الطالب المتأخر الذي كان قبل ذهابه إلى المدرسة يأخذ أحد أفراد أسرته على كرسيه المتحرك إلى إحدى المصحات فكانت اللحظة درسا عميقا نثر الحسرة في نفس هذا المعلم وكانت الإنسانية تتجرع مرارتها أمام من كان كبرياء الصمت لديه عظيما، كان صغيرا في السن عظيما في الهمة وهو يمد يديه ليتلقى ضرباته كل يوم. عندما دخل الطالب فصله طرق الباب بأدب ومد يديه ليتلقى الضرب فكان الحدث عظيما فقد ذُبح كبرياء العقاب والمعلم معا بسكين العَبرة والشفقة، انحنى المعلم إلى الطفل ووضع المسطرة في يد الطالب ومد المعلم يديه ليضربه، ليرد له جزءا من العظمة التي كانت عبراته تَسْتتِر في داخله كاتمة بوحه وأنينه، إنها لحظات لا تحتملها النفوس العظيمة البتة كان الاحتضان من المعلم ليعوض الماضي كأنه يريد أن يقول له أنت معلمي اليوم علمتني قِيَمََا كثيرة كنت أجهلها، علمتني الأبوة والإنسانية والخوف والشفقة والتربية والعطف والكبرياء والبر والضعف والحسرة والندامة، كانت دموع المعلم غزيرة، إنها لحظات أيها المعلم عظيمة لا تجازف أمام البراءة بعدم البحث عن الحقيقة حتى لا تبدو منهارا ذات يوم ندما، ويبقى الانكسار جرحا نازفا لا يلتئم، أيها الآباء أيها المعلمون كونوا كرماء أخلاق وعِلم مع هؤلاء الأبرياء، هناك ظروف وهناك خفايا لا يكشفها الطالب ، هناك أشياء إذا لم تحتضنها وتراعيها بعيدا عن الأطفال وزملائهم الآخرين لن يبوح بها لك الطالب لأن في داخله كبرياء عظيما ولديه مستقبل ينتظره ليدفن هذا التعب بين أضلاعه، فكن صندوقه الذي يرى أقفاله بأنها لن تفتح أبدا حتى لا يكون ذات يوما منكسرا أمام أصدقائه وزملائه. إن رسالة التعليم رسالة عظيمة، شكرا لهذا الوطن العظيم شكرا لكل معلم وضع الأبوه في ميزان الرحمة ووضع التعليم طريقا يصل به إلى قلب كل متعلم على يديه. دمت عزيزا يا وطني