لم تكن الضربة الإسرائيلية على الدوحة، التي استهدفت قيادات من حركة حماس أثناء انعقاد اجتماع لهم لمناقشة مقترحات الإدارة الأميركية بشأن إيقاف إطلاق النار في غزة، مجرد حادثة عسكرية عابرة، بل تعد محطة مفصلية في مسار الصراع (الفلسطيني - الإسرائيلي)، وفي معادلة الأمن والسياسة في الشرق الأوسط، وبما أن العراق جزء من المنظومة العربية والإسلامية، فإنه يجد نفسه أمام حدث كبير يحمل دلالات إستراتيجية تستحق التوقف والتحليل، خصوصاً أنه يتزامن مع تحديات داخلية وإقليمية تتعلق بالسيادة والاستقرار السياسي والأمني ومكانة العراق كجسر للتوازن في المنطقة. يمثل استهداف قطر وعاصمتها الدوحة وهي دولة خليجية ذات ثقل سياسي ودبلوماسي، استعداد إسرائيل للذهاب بعيداً في استهداف خصومها دون الالتفات إلى القوانين الدولية أو حساسية العلاقات مع الدول العربية، كما أنها تحمل رسالة أن إسرائيل لن تتوانى عن ملاحقة قادة حماس في أي مكان، لكنها في المقابل تفتح الباب أمام تصعيد أوسع، خصوصاً أن قطر كانت وسيطاً معترفاً به دولياً في محادثات وقف إطلاق النار. الضربة أثارت موجة غضب واسعة، وأدت إلى انعقاد قمة طارئة في الدوحة، حضرها القادة العرب والمسلمين، وعبروا عن استنكارهم وشجبهم للممارسات الصهيونية تجاه الشرق الأوسط، كما أنه يعكس أن القضية الفلسطينية لا تزال عنصراً موحداً للشعوب رغم الانقسامات السياسية. العراق الذي يعاني منذ سنوات من خروقات متكررة لسيادته من قبل أطراف متعددة، يجد في هذه الحادثة مثالاً جديداً على خطورة تجاهل القانون الدولي، مما يوجب موقفاً عراقياً أكثر صلابة في المحافل الدولية دفاعاً عن مبدأ السيادة. بغداد تجدها فرصة لتعزيز الدور الدبلوماسي، وهي قادرة على لعب دور مكمّل أو داعم لقطر في مسار الوساطات، بما ينسجم مع سياسة التوازن والاعتدال التي تبنّاها العراق في السنوات الأخيرة، كما هو الحال فإن البعد الشعبي والانتخابي حاضراً فالشارع العراقي، المعروف بحساسيته العالية تجاه القضية الفلسطينية، ينظر إلى ما جرى باعتباره اعتداء على أمة كاملة، وليس على دولة واحدة فقط. هذا يفرض على القوى السياسية العراقية أن تعكس هذا المزاج الشعبي في خطابها ومواقفها الرسمية. يمكن القول إن من أبرز التحديات المستقبلية التي تواجه المنطقة هو خطر الانزلاق إلى مواجهة إقليمية إذا تكررت هذه الضربات في دول عربية أخرى، وضعف فرص الحلول السلمية مع تقويض دور الوسطاء، وهو ما يعني استمرار الحروب وغياب الاستقرار، إضافة إلى زيادة الاستقطاب الدولي بين محور داعم لإسرائيل وآخر رافض لسياستها، مما يجعل العراق أمام تحدي التوازن في سياسته الخارجية. الضربة الإسرائيلية على قطر تمثل تجاوزاً خطيراً للخطوط الدبلوماسية والسياسية في المنطقة. بالنسبة للعراق، كما أنها تمثل إنذاراً بضرورة التمسك أكثر بمبدأ السيادة، وتأكيد دوره كطرف وسطي يسعى إلى تقريب وجهات النظر لا إلى تصعيد النزاعات. كما تضع النخب السياسية أمام مسؤولية ترجمة الرفض الشعبي لمثل هذه الاعتداءات إلى مواقف عملية في الساحة الدولية.