قالوا لنا: «لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجُدَ لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها». ولو خيروني لقلتُ إن الأحقَّ بهذا السجود هي الأم وحدها، أعظم مخلوق موجود في هذا الكون كله. فلو أُتيح لنا السفر عبر المجرات وعبر الأكوان الأخرى، لما وجدنا مخلوقًا أعظم وأجمل وأرقَّ وأحنَّ مشاعر من الأم. فكيف يكون الزوج البخيل المتسلط أحقَّ بهذا السجود من تلك الأم العظيمة التي تستطيع بلا جدال أن تضحي بحياتها من أجل أطفالها؟! وكيف يُمنح رجل يرى نفسه أعلى شأنًا من المرأة، ويعتبرها بلا مكانة ولا رأي، مثل هذا الامتياز؟ يبدأ ذلك من معاملته لشقيقته في المنزل، ليمتد لاحقًا إلى زوجة لا يبقى لها من صفات الزوجة إلا اسمها. حتى لو كان هذا الزوج حنونًا عطوفًا معطاءً، تنتشر محبته كعطر يزداد جمالًا مع مرور الوقت، فلن يبلغ أبدًا جزءًا يسيرًا من محبة الأم ولا شيئًا من تضحياتها العظيمة لأطفالها. وبالتأكيد، لم يكن ليستحق ذلك السجود أبدًا بدلًا منها. الأم عظيمة حتى في عالم الحيوان؛ ترعى صغارها، وتهتم بهم، وتُعلِّمهم كيف يواجهون صعوبات الحياة المتقلبة. بل إن الأم في الحيوان تتمتع بقدر كبير من الإنسانية التي يفتقدها بعض الأزواج، ممن يرون أن أي تقصير بسيط من الزوجة كافٍ لاستبدالها بأخرى. أنا لا أعلم ما الحكمة من وراء استحقاق الزوج السجود على الأم، لكني بالتأكيد لن أوافق عليه. سأمنح هذا الشرف للأم فقط، فهي الوحيدة التي تستحقه لو كان ممكنًا. هي التي تتحمل الآلام منذ أول نطفة تخترق رحمها، مرورًا بمراحل الحمل المتعبة وما يصاحبها من إعياء وأمراض، وصولًا إلى لحظة الولادة. ثم تبدأ بعدها رحلة جديدة من التعب في متابعة طفلها والاعتناء به، وبذل المستحيل ليكون في نظرها إنسانًا أفضل من الجميع. قليلون فقط من يقدّرون قيمة الأم العظيمة في هذا الوجود، ومع ذلك لن يستطيعوا أن يوفوها حقها ولو أعادوا حياتهم مائة مرة. فلن نجد أبدًا محبة عميقة نقية خالية من الشوائب والمصالح مثل محبة الأم. فهي تحب وتعطي دون أن تنتظر شيئًا في المقابل، فقط من أجل أن ترانا سعداء. وأخيرًا، إلى أمي: يا من تتجسد محبة الإله فيكِ، أحبك جدًا، أيتها الأم العظيمة التي تحملتِ من أجلنا جميع أنواع المعاناة والألم كي نكبر ونبدو في عينك أفضل الناس. وإلى كل أم عظيمة تفعل الكثير كل يوم وتضحي كثيرًا: أنتنَّ شرف عظيم لنا، ولولاكنَّ لما كنا هنا. شكرًا من القلب، شكرًا بحجم السماء وجميع الأجرام السماوية الأخرى على كل ما تبذلنه من أجلنا بلا انتظار مقابل. إلى كل أم: أنتِ عظيمة.