شهدت العاصمة الصينيةبكين هذا الأسبوع سلسلة من العروض العسكرية واللقاءات الدبلوماسية التي جمعت زعماء الصينوروسياوكوريا الشمالية، وسط حضور لافت لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وقد اعتُبرت هذه التحركات إشارة إلى توازنات جيوسياسية جديدة في آسيا، لكنها في الوقت ذاته عكست بوضوح تقاطعات المصالح الوطنية لكل طرف. رسائل في مواجهة الغرب وجاءت العروض العسكرية الصينية في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتؤكد حضور بكين كقوة إقليمية صاعدة. تزامن ذلك مع قمة اقتصادية جمعت شي جين بينغ وفلاديمير بوتين وكيم جونج أون، إلى جانب لقاءات جانبية مع مودي ورجب طيب أردوغان ومسعود بزشكيان. والرسالة الأساسية لهذه اللقاءات كانت إبراز بديل محتمل للنظام الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة، في وقت يشهد تراجعًا في الدور الأمريكي التقليدي على خلفية سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب. حدود التقارب ورغم الاستعراض المشترك، يؤكد محللون أن العلاقات بين الصينوروسياوكوريا الشمالية محكومة بالحذر. فبكين ما زالت متوجسة من برنامج بيونغ يانغ النووي، وتشارك في بعض العقوبات الدولية. أما روسيا، ورغم تحالفها العسكري المتجدد مع كوريا الشمالية، فهي حريصة على عدم إغضاب ترمب في أي تسوية مستقبلية مع أوكرانيا. الهند بين الأقطاب وزيارة مودي إلى بكين هي الأولى منذ الاشتباكات الحدودية عام 2020، لكنها حملت طابعًا رمزيًا أكثر من كونها خطوة إستراتيجية. ورغم انفتاحه على موسكووبكين، يبقى الباب مفتوحًا أمام واشنطن، حيث يرى بعض المحللين أن إعادة التواصل مع ترمب قد تكون أكثر سهولة من إذابة الجليد مع الصين. وتكشف أحداث بكين أن التحركات الأخيرة ليست تحالفًا صلبًا بقدر ما هي تقاطع مصالح ظرفي. فبينما يحاول كل زعيم استثمار اللحظة لتعزيز موقعه، تبقى الانقسامات العميقة والشكوك المتبادلة عاملاً يحد من أي تحول إستراتيجي دائم في ميزان القوى الدولي. عرض القوة وأقامت الصين عرضًا عسكريًا ضخمًا في بكين بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، استعرضت فيه أحدث منظوماتها العسكرية، من طائرات بدون طيار جوية وتحت الماء، وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، إلى جانب طائرات مقاتلة وقاذفات حديثة. رسائل سياسية والاحتفال العسكري لم يقتصر على استعراض السلاح، بل حمل رسائل سياسية واضحة، إذ شدد شي في كلمته على قوة الشعب الصيني واعتماده على نفسه، مؤكداً أن جيش التحرير الشعبي هو حامي السيادة الوطنية ووحدة البلاد، في إشارة مباشرة إلى ملف تايوان. تزامن ذلك مع تزايد القلق الأميركي من الأسلحة الصينية الأسرع من الصوت التي تُشكل تهديدًا مباشرًا للأسطول الأميركي في المحيط الهادئ. في المقابل، أثار ظهور شي وبوتين وكيم معًا انتقادات دول حليفة لواشنطن، بينها الفلبين، التي رأت في المشهد ترهيبًا وتهديدًا للدول الأصغر. توازنات إقليمية كما أن الحدث منح بوتين منصة دولية لتخفيف عزلته الغربية وتعزيز شراكته مع الصين، فيما سعى كيم جونغ أون إلى شرعنة مكانة بلاده دوليًا بعد سنوات من العقوبات. أما شي فجعل من المناسبة فرصة لترسيخ موقع الصين كزعيمة للدول الساعية إلى بديل عن النظام الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وبينما أبرزت المراسم الطابع الاحتفالي والعسكري، ظل جوهرها دبلوماسيًا بامتياز، إذ حملت رسائل مزدوجة: طمأنة الحلفاء الإقليميين من جهة، والتلويح بالقدرة على تحدي النظام الدولي القائم من جهة أخرى. لكل طرف من الأطراف المشاركة أهدافه الخاصة: شي جين بينغ يسعى إلى تثبيت موقع الصين كزعيم للكتلة المناوئة للغرب، مع ضمان إمدادات الطاقة الروسية والاستقرار مع كوريا الشمالية. بوتين يحاول كسر طوق العزلة الغربية واستعراض حضوره الدولي بعد حرب أوكرانيا. كيم جونج أون يبحث عن الشرعية والدعم الاقتصادي، مع تعزيز موقعه أمام كوريا الجنوبية. مودي يسير على خط دقيق بين واشنطنوموسكووبكين، مفضلاً نهجًا متعدد المسارات دون التورط في تحالفات رسمية.