لم تعد الحروب في العصر الحديث تُخاض بالسلاح وحده، بل أصبحت الكلمة والصورة من الأدوات الحاسمة في ساحة المعركة. في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، بات الإعلام عنصرًا إستراتيجيًا لا يقل أهمية عن القدرات العسكرية، بل قد يسبقها في التأثير ويحدد اتجاهاتها. أصبحت الرواية الإعلامية سلاحًا بحد ذاته، حيث من يُحسن سردها يمتلك أفضلية كبيرة في تشكيل الرأي العام. يؤكد الباحث فيليب سيب في كتابه «المعلومات في الحرب» أن الإعلام لم يعد تابعًا للحدث العسكري، بل أصبح صانعًا له. في هذا السياق، تتحول المعلومة إلى قذيفة، والصورة إلى وسيلة ضغط، والكذبة المحبوكة إلى أداة هدم معنوي. تجلّى ذلك بوضوح في النزاع بين إيران والكيان الإسرائيلي، حيث سبق الصراع العسكري صراعٌ إعلامي حاد، سعى فيه كل طرف لفرض روايته وتقديم نفسه كضحية أو منتصر. كما كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن أهمية الإعلام كساحة مواجهة موازية، إذ استطاعت أوكرانيا، رغم تفوق روسيا عسكريًا، أن تكتسب دعمًا عالميًا بفضل إدارة ذكية للسرد الإعلامي. هذا الواقع يفرض تحديات وفرصًا للمملكة العربية السعودية، خاصة ضمن مشروعها الطموح «رؤية السعودية 2030»، الذي يتجاوز الجانب الاقتصادي ليشمل بناء منظومة سيادية متكاملة. الإعلام هنا ليس مجرد وسيلة تواصل، بل أحد أعمدة الأمن الوطني. فكما نطور قدراتنا الدفاعية، يجب أن نستثمر في منصات إعلامية قوية، وكوادر مدربة، وشبكات تحقق رقمية. وليس الهدف مجرد نقل الحقيقة، بل سردها بفعالية وذكاء، باستخدام الأدوات المناسبة واللغة التي تلامس الجمهور المستهدف. لأن الحروب الحديثة لا تُحسم فقط بما وقع، بل بما تم تصديقه. امتلاك إعلام وطني قادر على المبادرة والتأثير، أصبح في عالم اليوم ضرورة لمواجهة تحديات الحروب المعلوماتية. وفي بيئة دولية تتنافس فيها الدول على كسب العقول قبل الأراضي، فإن غياب هذا النوع من الإعلام يمثل مخاطرة إستراتيجية. الخلاصة: الإعلام في عصرنا جزء لا يتجزأ من القوة الوطنية الشاملة. ومن لا يستعد للمعركة إعلاميًا، قد يخسرها دون أن يُطلق عليه الرصاص.