حكى لي أخي أنه في أحد أيام الإجازة الصيفية خرج مع أسرته في نزهة لأحد الشواطئ الجميلة في عروس البحر الأحمر، كان ابنه الأكبر ذو الثمانية أعوام مليئًا بالحماس يركض هنا وهناك، يجمع الأصداف، ويلعب بالرمل تحت أشعة الشمس.. حمل حقيبته الصغيرة المليئة بالألعاب، ومع مرور الساعات بدأ يشعر بالإرهاق، شحب وجهه وارتفعت حرارته، عاد للبيت مرهقًا يشتكي من صداع شديد وتعب عام، اضطر وقتها أخي لأخذه للمشفى، وبعد أن عاينه الطبيب أوضح لهم أنه أصيب بالإجهاد الحراري وجفاف، نظرًا لتعرضه لأشعة الشمس وقلة شرب السوائل، بحسب منظمة الصحة العالمية (WHO) «الجفاف الناتج عن الحرارة يعد من أكثر الأخطار التي تواجه الأطفال في فصل الصيف، إذ يفقدون السوائل أسرع من البالغين، وقد لا يعبرون عن شعورهم بالعطش بشكل واضح»، حينها أدرك والداه أن الاستمتاع بالإجازة لا يعني أن نغفل عن أبسط أساسيات العناية بالصحة. الإجازة الصيفية بالنسبة للكثير من الأسر هي وقت للراحة والخروج عن الروتين، لكنها في الوقت نفسه تحمل تحديات صحية كثيرة، لا سيما للأطفال، فالسهر المفرط وتناول الأطعمة السريعة والحلويات وقلة الحركة وساعات طويلة أمام الشاشات، قد تتحول إلى نمط يومي خلال الإجازة يضعف مناعة الطفل ويؤثر في نشاطه ونموه وسلوكياته. الحفاظ على صحة الأطفال في هذه الفترة لا يعني فرض قيود مزعجة، بل يتطلب فقط قليلاً من التنظيم والمشاركة، فالغذاء الصحي مثلاً يمكن أن يكون ممتعًا إذا شارك الطفل في إعداده، بدءًا من تجهيز وجبة إفطار صحية تتضمن الفواكه الطازجة والبيض والخبز كامل الحبوب، إلى صنع وتجهيز وجبة غداء صحية عند الخروج للتنزه، تحتوي على الفواكه والخضراوات، وبكل تأكيد الأهم قنينة الماء، مثل هذه الأنشطة تغرس في الطفل حب الأكل الصحي دون توجيه مباشر. أما النوم فغالبًا ما يصبح في مهب الفوضى خلال الإجازة مع غياب المدرسة والتزاماتها، كثير من الأطفال يسهرون حتى الصباح، بل البعض ربما واصلوا للظهر ما يؤثر بشكل مباشر في صحتهم الجسدية والنفسية، فيصبحون سريعي الانفعال أو فاقدي التركيز، وهنا يمكن للروتين الليلي البسيط أن يصنع فرقًا، كإغلاق الأجهزة قبل النوم بساعة، قراءة قصة قصيرة وإطفاء الأنوار تدريجيًا لتهيئة الأجواء للنوم، وبالتأكيد ترتيب أنشطة الإجازة في أوقات مبكرة من اليوم، كل ذلك يسهم في الحفاظ على إيقاع بيولوجي منتظم. ولا يمكن الحديث عن التحديات الصحية للأطفال في الإجازة دون الحديث عن النشاط البدني، الإجازة لا يجب أن تكون مرادفًا للجلوس الطويل أمام الشاشات، الحركة ضرورية لنموهم الجسدي والنفسي، ويمكن كذلك أن تكون ممتعة عبر نزهة عائلية أو ركوب الدراجة أو سباق بسيط في فناء المنزل، أو حتى بعض الرياضات المنزلية البسيطة كالقفز على الحبل، أو تسلق الوسائد في غرفة المعيشة بمشاركة الآباء أطفالهم هذه اللحظات، حينها تصبح الرياضة عادة راسخة ومتعة مفيدة. من تحديات العصر الحديث، والتي تؤثر في صحة الأطفال خلال الإجازة الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية، شاشات الأجهزة اللوحية والهواتف تستهلك وقت الطفل وانتباهه، وتؤثر في نومه ونموه الاجتماعي، التقليل منها لا يعني المنع القسري، بل التدرج الذكي عبر تحديد وقت محدد للشاشات، مع تقديم بدائل ممتعة كألعاب التركيب والألعاب الجماعية، وربما الأنشطة التي تنمي وتحفز الإبداع لدى الأطفال، كعمل تجارب علمية منزلية بسيطة أو إعداد مسرح عائلي بسيط يمثل فيه الطفل أدوارًا خيالية، أو أنشطة لحرف يدوية أو رسم وتلوين. وإن كانت الأسرة تخطط للسفر فالصحة تظل الرفيق الأهم، فحقيبة السفر يجب ألا تخلو من الضروريات الصحية كمعقم لليدين، وواقي من أشعة الشمس، وأدوية أساسية، وأدوات نظافة شخصية، يجب تعليم الطفل عادات بسيطة، مثل غسل اليدين قبل الأكل، والمحافظة على تفريش الأسنان، حتى أثناء السفر، فكل موقف هو فرصة لترسيخ عادات صحية. الإجازة لا تعني فقط الترفيه، بل هي وقت لبناء ذكريات صحية وسعيدة في آن واحد، حين يندمج المرح مع الوعي يصبح الطفل أكثر قدرة على التوازن بين المتعة والعناية بصحته؛ وبذلك يمكن أن تنتهي إجازة أطفالنا بذكريات جميلة وعادات صحية تستمر معهم حتى بعد عودتهم لمقاعد الدراسة، فالصحة ليست عبئًا على الإجازة، بل هي ما يجعل الإجازة أجمل!.