في مشهد سياسي ملتهب يعصف بالمنطقة، تتقدم المملكة العربية السعودية بموقفها الثابت، معلنة إدانتها الشديدة للاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في خطوة تعبر عن التزامها الأخلاقي والإنساني ، وعن مكانتها كركيزة استقرار إقليمي يُعوَّل عليها في لحظات التوتر والتصعيد. ليست هذه المواقف مجرد بيانات، بل هي امتداد لسياسة راسخة تتكئ على إرث طويل من الحكمة والحنكة، وتسعى إلى أن تكون بوصلتها دائمًا العدالة، لا الاصطفاف، والسلام لا المواجهة، والحق لا التسييس. و جاءت الإدانة السعودية لهذا العدوان في لحظة حرجة تشهد فيها المنطقة تصاعدًا في وتيرة المواجهات وتراكمًا في مسببات الفوضى، لتؤكد أن المملكة ليست مجرد دولة في الإقليم، بل ضمير سياسي حي، ينأى عن الصمت حين ينتهك الحق، ويترفع عن الانجرار إلى الانفعالات حين تغيب البصائر. المملكة، بما تملكه من وزن إقليمي وثقل دولي، لا تقف موقف المتفرج حيال انتهاكات تطال القانون الدولي، ولا تتغاضى عن الاعتداءات التي تهدد أمن دول المنطقة واستقرار شعوبها. فإدانتها لم تكن إدانة لحظية، بل كانت صوتًا أخلاقيًا عاليًا يذكر الجميع بأن الشرعية الدولية ومواثيق الأممالمتحدة ليست نصوصًا للمناسبات، بل خطوط حمراء لا يجوز تخطيها دون عواقب. القيادة السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان- حفظهما الله- تدير ملفات السياسة الخارجية بعين بصيرة لا تغفل التفاصيل، وبعقل يوازن بين الحزم والمسؤولية. وقد أثبتت هذه القيادة أن السياسات المتزنة لا تعني الحياد البارد، بل تعني صناعة موقف متكامل يحفظ كرامة الشعوب، ويُجنب المنطقة مزيدًا من الانفجارات التي لن يسلم منها أحد. الموقف السعودي الراهن ليس مجرد رد فعل على تطورات عسكرية، بل هو تعبير عن رؤية متكاملة، ترى في الاستقرار الإقليمي ضرورة لا مفر منها لتحقيق التنمية، وفي احترام سيادة الدول حجر أساس لأي توازن سياسي. وهو في الوقت ذاته دعوة صريحة إلى مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والوقوف أمام هذه الانتهاكات بجدية وصرامة، قبل أن تتحول لغة السلاح إلى السائد الوحيد، وقبل أن يستيقظ العالم على مشهد يعجز عن احتوائه. وتدرك المملكة أن المنطقة لم تعد تحتمل مزيدًا من الانقسامات، وأن كل تصعيد غير محسوب سيكون له تبعات تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية. لذا فهي تخاطب العالم بصوت العقلاء، وتدعو الجميع إلى إعادة تموضعهم على طاولة القيم لا على حواف البنادق. فالدماء التي تُسفك ظلماً، لن تُطفئ نار الأحقاد، بل ستوقدها أجيالًا، والحكمة في لحظة الغضب هي أشجع أنواع الشجاعة. في ظل هذه الأوضاع الدقيقة، تبقى المملكة صوتًا للعقل، وجدارًا منيعًا ضد فوضى القرارات المتسرعة، مؤكدة أن الحكمة ليست في الركون إلى الصمت، بل في قول كلمة الحق في الوقت المناسب، والسعي لحقن الدماء وصون الكرامة الإنسانية. ولعل أبرز ما يميز موقف المملكة، أنه لا يتبدل مع تبدل الأطراف، ولا يتلون بتقلبات المصالح، بل يظل ثابتًا منسجمًا مع المبادئ التي أرستها في سياستها الخارجية منذ عقود: الوقوف مع الحق، رفض العدوان، احترام سيادة الدول، والتزام العدل بوصفه الضامن الوحيد لأي سلام دائم. موقف المملكة هذا ليس جديدًا، بل هو امتداد لمواقفها الثابتة من نصرة الشعوب، والدفاع عن المبادئ التي تحفظ الأمن والسلام في الإقليم، وفي العالم أجمع. إنها رسالة للمعتدين أن هناك من يقف بوضوح ضد الظلم، وللمجتمع الدولي أن عليه ألا يتخلى عن مسؤوليته في حماية السلم العالمي. فالمملكة، كما كانت دومًا، على العهد، تقف مع الحق، وتدعو إلى سلام قائم على العدل، لا على القوة، وعلى احترام الكرامة الإنسانية، لا على ترهيبها.