لم يكن يدر بخلد ابن جازان البار الإعلامي والشاعر موسى محرق، أن يكتب الفصل الأخير من قصة الوفاء التي عرف بها في حياته، وأصبحت ملازمة له، إذ عرف بهذه الصفة أينما حل وارتحل، لينتهي به المطاف إلى كتابة الفصل الأخير من وفائه الذي تعدى حدود الوطن، ليتوقف قلبه ضاحكا مستبشرا، وهو مستلقٍ على كرسيه في شرفته الخاصة بمنزل أسرة أمريكية، وكأنه يلقي إحدى قصائده عن الحب والحياة. الوداع الأخير مضى ابن «الظبية»، تلك القرية الحالمة التي تتبع محافظة صبيا شمال جازان، شغوفا بالعلم والإعلام ، وخدمة المتعلمين عبر جامعة جازان، ومؤسسا لمنبرها الإعلامي، ومحلقا بطموحاته في كل اتجاه، عابرا كل حدود الوطن. وعلمت «الوطن» أن رحلة موسى محرق الأخيرة كانت من باب رد الجميل والوفاء للأسرة الأمريكية التي استضافته وساندته في تعلم اللغة الإنجليزية سابقا، إلى جانب زيادة تحصيله اللغوي، حيث غادر إلى أمريكا قبل عيد الأضحى وحيدا، ومودعا المقربين برسائل واتصالات مختلفة، كما عايد أسرته ووالدته وأشقاءه عبر الاتصال المرئي، وتطمينهم عن صحته، واشتياقه لهم، إلى جانب المزاح معهم، وطلبه تجهيز بعض الأشياء الخاصة، قبل عودته. وتشير المعلومات ، إلى أن الفقيد رحل عن الدنيا وهو جالس على كرسيه في الشرفة الخاصة به في منزل الأسرة الأمريكية، وهو يتأمل جمال الحياة، قبل أن يتوقف قلبه للأبد، بعد إصابته بسكتة قلبية، وفقا للتقرير الطبي المرسل إلى أسرته، والتي تنتظر انتهاء الإجراءات الخاصة بفقيدهم، لاستلام الجثمان، وإعلان موعد تشييع جنازته في مسقط رأسه الظبية. صفات مختلفة كان موسى محرق إنسانا مختلفا بصفات نادرة ومزايا حميدة، يحمل بين ضلوعه وطنا من الحرف، وروحا من معرفة لا تنضب. فهو الأديب المتمكن حين ينطق الشعر، والإعلامي الرزين حين يتحدث العقل، والإذاعي المبدع حين تهمس المشاعر عبر الأثير. يشعّ وجهه ببسمة دافئة، تسبق حضوره وتجاور محبيه أينما حلّ. سار في دروب الطموح لا يلتفت، يمضي كأنما قُدّر له أن يكون الأول، أن يكون الرهان حين تشتدّ المسافة، والحكمة حين يحتار الطريق. لم يكن مجرد رجل إعلام، بل كان قائدا مثاليا لفرق عمل منوعة ، تشهد له بكل ما أنتجه خدمة للدين والمليك والوطن. وبكى غياب موسى محرق حشد كبير، من طلاب وإعلاميين وأدباء وشعراء ومثقفين، مجمعين على أنه رمز للوفاء وعنوان للبشاشة، وأيقونة ستبقى عالقة في الأذهان.