في مشهد يعكس مفارقة رياضية مؤلمة، أخفقت المنتخبات الخليجية في الوصول إلى كأس العالم رغم الميزانيات الضخمة التي تُضخ سنويًا لتجهيزها، في حين نجحت منتخبات مثل الأردن وأوزبكستان وبموارد محدودة في الوصول إلى المونديال أو المراحل النهائية المؤهلة، مُحدثةً صدمة إيجابية في الأوساط الرياضية. هذه المفارقة تفتح الباب أمام نقد جاد للمنظومة الكروية الخليجية، التي يبدو - من خلالها - أن المال وحده لم يعد كافيًا لإنجاز الحلم. رغم اتفاق معظم الدول الخليجية على ضخ ميزانيات ضخمة للمنتخبات، فإن الإنفاق يفتقر إلى الاستراتيجية حيث يُنفق المال غالبًا على التعاقد مع مدربين عالميين لفترات قصيرة، دون منحهم الوقت الكافي لبناء فريق مستقر. والمعسكرات الخارجية والمباريات الودية تُصرف عليها الملايين، دون أن تتكامل مع مشروع تطوير طويل الأمد. كما يُستثمر أكثر في «الصورة الإعلامية» للمنتخب بدلاً من البنية التحتية الفنية المستدامة. في المقابل، نجد أن الأردن وأوزبكستان استثمرا بذكاء في ما هو متاح، فركزا على تطوير اللاعب المحلي، واستقرار الجهاز الفني، وخلق هوية تكتيكية جماعية. الدوريات الخليجية تُعد من بين الأغنى آسيويًا، لكنها أصبحت بيئة مغلقة على اللاعبين المحليين بسبب الاعتماد المفرط على المحترفين «الأجانب» في الأندية، مما يقلل من فرص اللاعبين المحليين في اكتساب الخبرة. ولم نصل لتجربة الدوريات العالمية الكبرى كي نعتمد على الأجانب بشكل كامل. وكثير من نجوم المنتخبات الخليجية لا يشاركون بانتظام مع فرقهم أو يفتقدون التحدي الحقيقي، مما يؤثر في جاهزيتهم الذهنية والفنية. على النقيض من ذلك، اللاعب الأردني أو الأوزبكي يخوض منافسات شرسة محليًا ويقاتل ليبرز، ما ينعكس على أدائه في المنتخب. منتخبات الأردن وأوزبكستان تلعب ب«قلبها»، بينما المنتخبات الخليجية تلعب باسمها، فالمنتخب الأردني على سبيل المثال ظهر في كأس آسيا الأخيرة بمستوى فني وأداء روحي عالٍ، مدفوعًا بشغف جماهيري وتلاحم داخلي. أما المنتخبات الخليجية، فرغم المهارات الفردية، تفتقد للروح الجماعية والانتماء الواضح، وتبدو أحيانًا مشبعة بالنجومية أكثر من الجوع للإنجاز. مع الأسف لا تزال الإدارات الرياضية الخليجية تفكر بمنطق النخبة: نُجهز، نصرف، نُجمّل، وننتظر النتيجة. بينما في التجارب الناجحة نجد إدارة رياضية تتبنى مشروعًا وطنيًا كرويًا، وعقلية صبورة في التعامل مع المدربين، ودعمًا مجتمعيًا وجماهيريًا حقيقيًا يُشعر اللاعب بالمسؤولية. نعم فشل المنتخبات الخليجية في التأهل إلى كأس العالم، رغم الإمكانيات الضخمة، ليس نتيجة صدفة أو حظ سيئ، بل هو نتاج سوء تخطيط، وانفصال بين الإنفاق والنتائج، وغياب المشروع الوطني الحقيقي. في الوقت الذي أثبتت فيه الأردن وأوزبكستان أن الإرادة والهوية الكروية والاحتراف الحقيقي يمكن أن تهزم المال، بات على المنتخبات الخليجية أن تراجع نفسها، وتعيد التفكير في الأولويات: فالوصول لكأس العالم لا يتحقق بالميزانية بل بالرؤية، والعقل، والعرق.