وكعادة كل سنة، تكثر مشكلات شركات شحن الطرود خلال المواسم المهمة. هذه المعضلة أصبحت تتكرر سنويًا، حتى تمادت الشركات في التهاون بتقديم الخدمات للعملاء. إذا نظرنا بعمق في المشكلة لمعرفة سببها الرئيس، نجد أن الخلل يشمل جميع الأطراف. فالعميل أو معظم أفراد المجتمع لا يعرفون حقوقهم، مما أدى إلى استغلال الشركات لهذا الجهل، فتساهلت واستخفت به ولم تقدم له خدمة لائقة. أما الجهة المسؤولة بشكل مباشر، سواء كانت وزارة النقل أو هيئة النقل، فقد بذلت جهودًا لرفع وعي المجتمع (العملاء) بحقوقه، ولكن لا بد أيضًا من فرض عقوبات صارمة على أي شركة تتكرر ضدها الشكاوى والبلاغات، وألا يكون هناك أي تهاون معها. فدور الهيئة لا يقتصر على توعية العميل بحقوقه فحسب، بل لا بد من إجراءات حازمة ضد الشركات المخالفة، لأن التوعية وحدها لا تكفي. لا بد من إيجاد حلول جذرية لمنع تكرار هذه المشكلات السنوية، التي تستدعي أحيانًا تدخل جهات عليا لحلها، كما حدث في المدينةالمنورة العام الماضي عندما تدخلت هيئة النقل. فإذا لم تكن هناك عقوبات صارمة بحق هذه الشركات، لن يتغير الوضع. كما أن هناك مشكلة يواجهها العملاء تقريبًا مع شركات الشحن، ألا وهي طلب المندوب مشاركة الموقع مع إرسال صورة المنزل. ويتواصل المندوب في أولى ساعات النهار ولا يتم التوصيل إلا بنهاية اليوم. كما أن هناك شركة تقدم خدمات سيئة للعملاء بشكل متكرر. فحتى بعد توعية هيئة النقل للعملاء بحقوقهم، لا يزال مندوبوها يطلبون من العميل استلام شحنته من نقطة تجمع معينة معروفة لديهم. وإذا أصر العميل على توصيل الطرد إلى عنوانه المسجل بالطلب، يكون الرد «أنا هنا، إذا أردت استلام طردك تعال، وإن لم تأتِ، فسيعود الطلب إلى المستودع». وإذا توعد العميل المندوب برفع بلاغ، يأتيه الرد بكل برود: «ارفع البلاغ، لا يهم». وهنا يجد العميل نفسه في موقف صعب، بين الذهاب لاستلام الطرد تفاديًا للتأخير، أو الانتظار حتى البت في البلاغ واتخاذ الإجراءات اللازمة والتي تستغرق وقتًا. استمرار هذه التجاوزات يسيء إلى سمعة قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة، ولا يليق بمكانتها ولا بشعبها. كما أن تكرار هذه المشكلات، يعيق تحقيق أهداف رؤية 2030 التي تسعى إلى رفع مستوى جودة الحياة للمواطن. لذا، لا بد من فرض رقابة صارمة، وتطبيق عقوبات رادعة على الشركات التي تستهين بحقوق العملاء، لضمان تحسين الخدمات وتعزيز ثقة المستهلكين في قطاع الشحن. في ضوء ما سبق، يبدو أن المشكلة لم تعد تتعلق بتقصير فردي أو ظرف موسمي عابر، بل هي أزمة تتكرر سنويًا من دون معالجة حازمة. ومن هذا المنطلق، أقترح أن تتبنى هيئة النقل سلسلة من الإجراءات الجذرية التي تضمن تحسين جودة خدمات شركات الشحن وتعزيز ثقة العملاء، وأبرزها: 1. إطلاق مؤشر رقابي معلن لتصنيف شركات الشحن بحسب مستوى الخدمة وعدد الشكاوى، يُحدث دوريًا ويُتاح للجمهور. 2. تطبيق عقوبات تصاعدية واضحة تبدأ بالغرامات المالية وقد تصل إلى تعليق الترخيص عند تكرار المخالفات. 3. فرض نظام تتبع موثق لعمليات التسليم يربط المندوب بالطلب والموقع ويوثق تسليم الطرد بشكل إلكتروني. 4. تفعيل منصة موحدة لاستقبال الشكاوى تتعهد بالاستجابة خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة، مع ربط نتائجها بسجل أداء الشركة. 5. تنظيم حملات توعية موسمية لتثقيف العملاء بحقوقهم وكيفية التصرف عند التقصير، بالتعاون مع الجهات الإعلامية. 6. مكافأة الشركات الملتزمة من خلال إبرازها كشركات موثوقة في الحملات الرسمية أو منحها أولوية في العقود الحكومية. التحدي لم يعد في تشخيص المشكلة، بل في المبادرة إلى اتخاذ قرارات حازمة توقف هذا التراخي المتكرر. ولا شك أن فرض هذه الإجراءات سيُسهم في تحسين تجربة المستهلك، والارتقاء بقطاع الخدمات اللوجستية بما يتماشى مع تطلعات رؤية 2030.