تُثبت المملكة العربية السعودية عامًا بعد عام أنها الأجدر بتحمّل الأمانة العظيمة التي شرّفها الله بها، عبر إدارتها لمناسك الحج وخدمة ضيوف الرحمن. لقد شكّل دور المملكة الحيوي والحاسم في تنظيم موسم الحج نموذجًا عالميًا فريدًا في إدارة الحشود الإنسانية الأكبر على وجه الأرض، وذلك بما يتسم به من دقة واحترافية وأمان. تولي القيادة الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين- حفظهم الله -، اهتماماً بالغاً بالحرمين الشريفين، إدراكًا لمكانتهما الروحية العظيمة لدى المسلمين في كل أنحاء العالم. وليس لقب «خادم الحرمين الشريفين» مجرد مسمى، بل هو تعبير صادق عن جوهر القيادة السعودية، التي تسخّر كل إمكانياتها لخدمة ضيوف الرحمن، ويقف الشعب السعودي بأكمله شريكًا في هذا الشرف الكبير. وفي كل عام، يتكرر مشهد عظيم أمام أنظار العالم، حيث تحتضن المملكة ملايين الحجاج، وتُدير مناسك الحج بأعلى درجات الاحترافية والإنسانية، في منظومة فريدة من نوعها، تُجسّد عناية القيادة السعودية بالحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن. ليس غريبًا أن يُضرب المثل بالمملكة في قدرتها على إدارة أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، فهي لم تجعل من هذه المهمة شرفًا فقط، بل مسؤولية تاريخية ودينية تتوارثها القيادة وتنهض بها الدولة بكل طاقاتها. ويُعد الحرمين الشريفين جوهر الهوية السعودية، وركيزة من ركائز رسالتها الحضارية والدينية، منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. الاهتمام بالحرمين الشريفين يُعد نهجًا راسخًا يظهر في كل تفاصيل الإدارة والتنظيم، حيث تتكامل الجهود بين الوزارات والقطاعات الأمنية والخدمية والطبية، لتقديم تجربة دينية وروحية استثنائية لملايين المسلمين، تحت مظلة من الأمان والرعاية. وما يلفت النظر سنويًا هو ذلك الإشراف الدقيق والمتواصل من القيادة السعودية، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله -، واشراف ومتابعه واهتمام من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - حيث يتابع لحظة بلحظة مجريات الموسم، ويوجّه بتوفير كل ما يضمن راحة الحجيج وسلامتهم، دون كلل أو تأخير. هذه القيادة لا تنام، لا مجازًا بل فعليًا، حيث تُرصد التوجيهات والتعديلات بشكل فوري، وتُبنى قرارات عاجلة تعكس المرونة والكفاءة، من أجل أن يؤدي ضيوف الرحمن مناسكهم في أمن وسلام. ويُشكّل الأمن الركيزة الأولى في إدارة الحج، وتعمل المملكة على حماية الحجيج وضمان سلامتهم من كل خطر محتمل، سواء كان تنظيميًا أو صحيًا أو حتى أمنيًا. آلاف رجال الأمن ينتشرون في المشاعر المقدسة، مدعومين بتقنيات رصد وتحكم متقدمة، ونظم تتبع دقيقة، تنفذ عبر خطط مدروسة لإدارة الحشود، ومنع التكدسات، والاستجابة لأي طارئ خلال لحظات. ولا يتوقف الأمر عند التأمين فقط، بل يمتد إلى نشر الطمأنينة، حيث يشعر الحاج بأن هناك من يحميه ويرعاه، وهو ما يجعل التجربة الإيمانية أكثر اكتمالًا وراحة. وتُعد مشروعات توسعة الحرمين والمشاعر من أبرز الملامح التي تُظهر اهتمام المملكة البالغ بضيوف الرحمن. فقد شهدت السنوات الأخيرة تنفيذ أضخم توسعة في تاريخ المسجد الحرام، إلى جانب تطوير مشعر منى ومزدلفة وعرفات، وإنشاء أنظمة نقل حديثة، ومسارات للحافلات، وقطار المشاعر، بما يسهم في تخفيف الزحام وتحقيق الانسيابية. كما وفّرت المملكة شبكة طبية قوية تشمل مئات النقاط الطبية والمستشفيات الميدانية، إضافة إلى خدمات الإسعاف الجوي، ومراكز التبريد، ومخيمات مكيفة، ونقاط توزيع مياه الشرب والوجبات المجانية، ضمن منظومة لوجستية متكاملة تُدار على مدار الساعة. لم تكن المملكة بمنأى عن العصر الرقمي، بل أدخلت التقنية في صميم إدارة الحج، حيث أطلقت تطبيقات ذكية للتوجيه والإرشاد، وتحديد المواقع، وطلب المساعدة، والحصول على الفتاوى، كما استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتقديم الخدمات الميدانية بلغات متعددة. هذا التحول التقني لم يُستخدم لمجرد الحداثة، بل جاء لخدمة الهدف الأسمى: تيسير المناسك على الحاج وتخفيف الجهد البدني والنفسي عنه. تولي المملكة خدمة الحجاج والمعتمرين أهمية استراتيجية، حيث تم إطلاق «برنامج خدمة ضيوف الرحمن» كأحد برامج الرؤية الرئيسية، بهدف تطوير كل مسارات الحج والعمرة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة من الاستقبال حتى المغادرة. وهذا البرنامج يُجسّد التزامًا طويل الأمد، لا بإدارة موسمية فحسب، بل بخدمة حضارية مستدامة تجعل من التجربة الدينية تجربة شاملة من الإيمان والراحة والتكريم. ما يُميز التجربة السعودية أيضًا هو أنها لا تتوقف عند النجاح، بل تتجاوزه إلى التحسين المستمر. فبعد كل موسم، تُجرى مراجعات دقيقة، تُرصد الأخطاء والملاحظات، وتُعقد اللجان، ويُعلن عن خطط تطوير. وأخذ الدروس المستفادة بالاعتبار. ويأتي هذا من حرص الدولة على مواجهة أي تحديات مستقبلية باحتراف واستباق، وإرسال رسالة واضحة بأن أمن الحجيج وخدمتهم خطٌ أحمر لا يُمس، ولا مكان فيه للقصور أو التهاون. موسم الحج في المملكة ليس مجرد تنظيم، بل ملحمة من العطاء والمسؤولية، تقودها قيادة لا تنام، وتديرها عقول تخطط وقلوب تؤمن، وأيدٍ أمينة تتفانى في خدمة ضيوف الرحمن. ورغم ضخامة الحدث وتعقيد التفاصيل، لا يخلو أي موسم من ملاحظات بشرية طبيعية، لكنها تُستغل أحيانًا من قِبل الحاقدين لتشويه الحقيقة وتضخيم الهفوات. والمملكة، بثقتها وعملها الشفاف، لا ترد بالكلام بل تُجيب بالفعل، عبر التطوير المستمر، والنجاحات المتكررة، وشهادة ملايين الحجاج. كما تُثمّن جهودها الجبارة شهادات المنصفين الشرفاء، ووسائل الإعلام العربية والإسلامية والعالمية ذات المصداقية، التي ترى في إدارة السعودية للحج نموذجًا يُحتذى به في الخدمة والتنظيم والإخلاص. وهكذا تثبت السعودية، عامًا بعد عام، أنها الأجدر بهذه الأمانة، والأكفأ في هذا الدور التاريخي، والأقدر على تحويل التحدي إلى نموذج عالمي يُحتذى به في التنظيم والرحمة والإنجاز. نسأل الله العظيم العون والتوفيق لقيادتنا الرشيدة، ولكل المشاركين في موسم هذا الحج، وكل عام والوطن بألف خير..