صندوق الاستثمارات العامة يطلق النسخة الجديدة من منصة ATP Tennis IQ    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزع كفالات شهرية للأيتام في سوريا    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    اليوم .. الرياض تجمع قادة الألعاب الإلكترونية في مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025    Team Falcons يحقق لقب بطولة الأندية للعام الثاني على التوالي في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    نيابة عن "خالد الفيصل".. محافظ الطائف يتوّج الجواد "وقتك" بكأس إمارة منطقة مكة المكرمة    سوق سوداء لبيع بيانات الأفراد الشخصية    وزير الحرس الوطني يوجّه بمشاركة داخلية شاملة للتبرع بالدم    75 ألف ريال حصيلة بيع صقرين في الليلة السابعة للمزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    إرادة الدمام – يفعّل مبادرة "مُضئ" لاكتشاف مهارات ومواهب النزلاء    "الحمد" : يقترح على معالي المستشار تركي آل الشيخ إضافة بطولة الأمراء الستة على هامش بطولة الملوك الستة    تشيلسي «بطل العالم» يحول تأخره لانتصار كاسح على وست هام    النصر والأهلي على أعتاب أول ألقاب موسم كرة القدم السعودية    أمير تبوك: تبرع ولي العهد بالدم وإطلاق الحملة الوطنية للتبرع بالدم يعززان ثقافة العطاء والتكافل المجتمعي    وزير خارجية هولندا يستقيل بسبب فشل الحكومة في فرض عقوبات ضد إسرائيل    إقبال كثيف على الحملة الوطنية للتبرع بالدم    تقارير.. الهلال يستقر على رحيل ماركوس ليوناردو    باول يلمّح لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر المقبل    "التعليم" تتيح نقل الطلاب إلكترونيًا عبر نظام "نور"    نيّار للتسويق وجادة 30 تنظمان لقاءً نوعيًا حول تجربة العميل في عسير    الصحة القابضة والتجمعات الصحية تبدأ في استقبال المتبرعين بالدم    الإعلامي اللحياني يصدر كتابه " أنا أعتقد"    خطيب المسجد النبوي: "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد وأعظم أسباب الطمأنينة    بر الشرقية تطلق البرنامج التدريبي لمبادرة "اغرس وارتزق"    5 أسئلة رئيسية حول سيناريو وقف إطلاق النار في أوكرانيا    خطيب المسجد الحرام: صلاة الاستخارة سبيل المسلم للطمأنينة واليقين    لجنة الإعلام والتوعية المصرفية تنظم محاضرة عن دعم وتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة    نادي فنون جازان ينظم دورة في النحت على الخشب ضمن فعاليات "نبض الفن"    ولي العهد.. حين يتحوّل "التبرع بالدم" إلى قدوة    نائب أمير جازان يرعى توقيع اتفاقية تعاون بين سجون جازان وجمعية "التكافل"    أحداث تاريخية في جيزان..انضمام جازان للحكم السعودي    الرئيس الصيني يستضيف بوتين وجوتيريش في قمة إقليمية    زلزال بقوة 8 درجات يضرب "ممر دريك" بين أمريكا الجنوبية والقطب    محافظ الخرج يرفع الشكر لسمو ولي العهد على إطلاق الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم    وزير الشؤون الإسلامية يشيد بمبادرة سمو ولي العهد للتبرع بالدم ويؤكد أنها تجسد القدوة في العمل الإنساني    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    بلدية بقيق تدشّن مشروع جمع ونقل النفايات للأعوام 2025 – 2029    مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم.. نجاح متجدد ورسالة عالمية    السعودية تدين إمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في جرائمها بحق الشعب الفلسطيني    بيت الثقافة يفتح أبوابه لدورة "عدستي تحكي" بالتعاون مع نادي فنون جازان    تجمع الرياض الصحي الثالث يطلق حملة تعلم بصحة لتعزيز الصحة المدرسية والوقاية المبكرة    التخصصي ينجح في زراعة قلب لطفل بعد نقله من متبرع متوفى دماغيا في الإمارات    سعودي يحصد جائزة أفضل مخرج في السويد    نزوات قانونية    وفاة القاضي الرحيم فرانك كابريو بعد صراع طويل مع سرطان البنكرياس    قصة كلمة خادمنا من الملك سلمان إلى أمير عسير    حددت نسبة 10 % لتطبيق العقوبة.. «التعليم»: الغياب يحرم الطالب من الانتقال بين الصفوف    الزهراني يتلقى التعازي في والدته    القيادة والمواطن سر التلاحم    أقرت مشروعًا استيطانيًا شرق القدس.. إسرائيل تبدأ المرحلة التمهيدية لاحتلال غزة    أكد أنه يتاجر بالطائفة.. وزير خارجية لبنان: لا رجعة في قرار نزع سلاح حزب الله    أكد عدم الوصول لمفاوضات فعالة مع أمريكا.. عراقجي: إيران لن تقطع علاقاتها بالكامل مع الوكالة الذرية    موجز    محافظ الدرب يستقبل رئيس وأعضاء جمعية علماء    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    طلاق من طرف واحد    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون الصغار
هل يمكن لنا أن نؤكد في ظل فورة التقنية والثقافة أنه كلما كنت أصغر كنت أعلم، والذي يصغرك بيوم يكبرك بأعوام من وعي التقنية وتحولات العصر الحاضر؟
نشر في الوطن يوم 17 - 08 - 2012

لا تقف الثقافة عند إجابة واحدة، وإنما تتجاوز الأجوبة والأسئلة كلها، وتغدو الثقافة نفسها معرضة للتساؤل من حيث مصدرها وامتداداتها ومفهومها قبل ذلك وبعده، ومن هنا فالثقافة التي تعني الكتابة والقراءة في عصر سابق، ليست هي الثقافة التي تعني إتقان اللغة الأجنبية والحديث بها في عصر آخر، كما أنها ليست الثقافة التي تعني التناغم مع مستجدات العالم الحديث، وأن نلتقط مؤشراته وعلاماته الجديدة كما هو شأننا الآن.
ما زلت أتذكر صديقي المتخرج المتخصص في الهندسة، وهو يروي لي طرفته العابرة التي أنهاها منذ قهقه بعدها، وظلَّت تكبر في ذاكرتي، حيث تلد الفكرة أختها، وتظل متعلقا بمكوناتك الفكرية، وإن صغُرَتْ، وبدأتُ أربِّي طرفته لتكون فكرة كبيرة تغالبني.
فقد اشترى صديقي لأطفاله أحد أجهزة الألعاب الحديثة، وقام بتفكيكه، وقراءة دليله، وترجمة بعض مصطلحاته، واجتهد في تركيبه، وأطفاله متشوقون لممارسة طقوسهم البريئة، ولكن صديقي لم يفلح في إكمال توصيلاته، وبعد أن فشل في تفعيل الجهاز، وداهمه النوم، قطع نهم أطفاله، وبدأ بتأجيل ذلك، ووعدهم أن يقوم في الغد بتجهيزه، وبمؤخرة عينه شاهد طفلته الصغيرة تضحك، وتقول بلهجتها المحلية: (يحول بابا ما يعرف)، ولكنه تجاهلها بعد أن رمقها بنظرة حاسمة، وكرر وعده لأطفاله بأنه سيقوم بتركيب الجهاز كاملا صباح الغد.
وفي الصباح، وبمنتهى المفاجأة، يستيقظ صديقي على صراخ أطفاله؛ ليجدهم منهمكين في اللعب، والجهاز بكامل أناقته بين أيديهم، وما زال (الكتالوج) يرقد بجوار وسادته، فقام مستعجلا بعد غافل ابنته الصغيرة، وخرج دون أن يودعهم بعد أن حمل ابتسامته الكبيرة في فمه، وحمل سؤالا واسعاً سرعان ما تخلص منه بعد أن حمَّلني امتداداته.
ما فلسفة الثقافة عندما ترتبط بالزمان والمكان؟! ولماذا يتشابه أبي كثيرا مع جدي مع أن الفارق الزمني بينهما كبير؟ ولماذا نختلف نحن مع أبنائنا مع أن الفارق الزمني بيننا صغير؟
كيف ترتبط الأجيال ببعضها؟ وكيف تختلف؟ وإذا كنا نؤمن بأهمية صلة الوصل بين الأجيال، وان يتعارفوا ويتكاملوا، فما نوع الصلة التي نريدها؟
ما الحساسيات الجديدة التي صنعتها الثقافة والتقنية المعاصرة؟ وإذا كنا فقدنا ما نسميه (طزاجة) الأشياء وبكارتها، فإن بكارة أخرى تولد كل حين في عصرنا الحديث، ودهشة تتجلى كل لحظة.
أسئلة تبدأ ولا تنتهي تجاه حركة الثقافة وتحولاتها التقنية، وأثر ذلك على وعي الناس ولا وعيهم وأنا أتأمّل وأستعيد طرفة صاحبي، وهي تتكرر بأثواب متعددة.
تحمل ابنك وتعده بأن تشتري له جوالاً جديداً، وتمنِّيه طيلة الطريق بذلك، وعندما تصلون إلى الأسواق تجده أعرف منك بها، وبأنواعها، وربما أسعارها، ومناسبتها، وتوفر عروض أخرى، وربما ترتفع بنفسك وثقافتك لتُمْلي على ابنك ما يجب أن يقوم به، أو أن يفعله، أو أن يستعمله من البرامج، وتحذره من السيء الرديء، فتجده أعرف بذلك كله، ثم ينطلق إلى بيان ذلك، وما يصاحبه، وأما إنْ حاولت أن تنتقصه بقصد أو بدون قصد فتشير إلى خطورة هذا أو ذاك من البرامج، أو كيفية التعامل مع برامج النت تجده دون مواربة يقول لك: أنا الذي علمتك على البرنامج، وشرحت لك طريقة الاتصال، أو الحفظ، وما إلى ذلك.
يبدو الفارق بين جيل أبيك وجدك يسيرا لايذكر، وربما كان التلفاز أو الراديو فتنة ذلك الزمن، ومهما اختلف جيلك عن جيل أبيك، فإن الفارق ربما يكون في الفاكس، أو الجوال لاغير، وأما الفارق بين جيلك وجيل ابنك، فإن الخيال لا يحده، فقد انفجرت أبواب العلم والثقافة والتقنية، حتى بدأت تتضح الهوة بينكما. أنت الذي تعلمت على الورقة والقلم، وهو الذي تعلم على الشاشة واللمس، وأنت الذي ما زلت تحتفظ بعشر رسائل ورقية بريدية جاءت من أقصى الدنيا وقتها (ربما تبوك أو جازان أو حتى مصر)، وهو الذي لا يعرف إلا رسائل ال sms والوسائط المتعددة والبريد الإلكتروني من أنحاء الدنيا، وأنت الذي تعرف وتسمع صوت الورقة وصرير القلم ورائحة أقلام الخط، وهو الذي لا يعرف إلا صوت لوحة المفاتيح ونغمة جهاز الكمبيوتر.
هل يجوز لنا الآن أن نعيد عددا من مسلماتنا الثقافية التي ترعرعنا عليها، وآمنا بها بوصفها قيماً عليا لا يجوز التفكير فضلا عن التشكيك فيها. ما الذي يعنيه أن نحرص كل الحرص على تسمية أبنائنا بأسماء آبائنا، وأن نجعل منها قيمة في سُلّم قيمنا الاجتماعية، وهي وإن كانت سمةً تواضَعَ عليها كثيرون من خلال النظر إليها بوصفها تتميماً للسيرة؛ إلا أنها توحي بأننا نبحث في ملامح أحفادنا عنا وعن تاريخنا أو أهدافنا التي لم نتمكن من تحقيقها، مع العلم أنه من الممكن تكريس فكرة الانطلاق والتحول والإبداع، وأن تتراجع الرؤية التي نلخصها في (ما تورث النار لا رماد) و(الشبل من ذلك الأسد) لنعزز إنتاج إضافات مستقلة تشهد بالعبقرية المتجاوزة لما قبلها.
وهل يمكن لنا أن نؤكد في ظل فورة التقنية والثقافة أنه كلما كنت أصغر كنت أعلم، والذي يصغرك بيوم يكبرك بأعوام من وعي التقنية وتحولات العصر الحاضر، ومن هنا فمفهوم الثقافة يتحول بشكل كبير، ويفرض على العلماء والمربين أن يدركوا منعطفاته وتحولاته. ولعل من الواجب أن نعي بأن لكل عصر ثقافته، وأن المجتمع المعاصر السعودي خاصة يشكل الشباب فيه نسباً عالية، وشريحتهم في ازدياد، ولذا فلهم الحق في أن يحضروا في كل قضايانا وخياراتنا الثقافية والتنموية، وبذا نستذكر موقف العقاد من قصيدة التفعيلة حين أحالها إلى لجنة النثر، فرد عليه أحمد حجازي بقصيدة عمودية يقول في أحد مضامينها: إنك تعيش في عصرنا، فاحترم خياراتنا، وكأنه يقول له: أنت ضيف على عصرنا. إنها الثقافة، وهي التي لاتكتفي بامتلاك الإجابة، وإنما تتألق بطرح الأسئلة، ولذا تنمو مفاهيمها وتتحول مساراتها، مما يؤكد على أن الوعي والمعرفة والحوار هي القيم العليا التي يجب أن تسود، وأن تحيط بالعلم والعرف والتاريخ والاختلاف.
عبدالله الوشمي
رئيس النادي الأدبي في الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.