ارتفاع أصول صندوق الاستثمارات إلى 3.42 تريليونات ريال    أسعار العقار ترتفع شمالا وتتراجع جنوبا    42% من نزع الملكيات بالمدينة المنورة    بالتزكية.. فهد سندي رئيسًا للاتحاد    تعيين روان البتيري رئيساً تنفيذياً للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية    اللجنة البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا البارالمبي 2025 في أستانا    إدارة اليوم الدراسي في خطة المناهج الجديدة    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    بيئة جازان تنظم ورشة عمل حول الإستفادة من الموارد الزراعية الطبيعية    المملكة تدين ما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»    ولي العهد يبحث مع الرئيس الكوري فرص التعاون    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    تنظيم محدث للّوحات الدعائية والإعلانية    وطن يقوده الشغف    نتنياهو: مرتبط بشدة برؤية «إسرائيل الكبرى»    سان جيرمان «يجحفل» توتنهام ويحقق كأس السوبر الأوروبي    البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا 2025    "الشلهوب"مدرباً للهلال تحت 21 عاماً    الذهب يرتفع مع ترقب خفض الفائدة.. والأسهم العالمية إلى مستويات قياسية    إطلاق مشروع تجريبي لاستخدام أعمدة مصنوعة من البوليمر المدعّم بالألياف الزجاجية في خطوط توزيع الكهرباء    إزالة الحواجز الخرسانية بالرياض    ارتفاع مبيعات الإسمنت يعكس مواصلة نمو قطاع البناء والتشييد    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    نجاح زراعة 10 كلى تبادلية خلال 48 ساعة في التخصصي    أوروبا تلوح بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    سعود بن نايف يطلع على مستجدات أعمال "تطوير الشرقية"    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    مسار خطاب ترمب السياسي تجاه أوكرانيا وروسيا    نتنياهو يفتح ملف التهجير مجددا وسط تفاقم الجوع في غزة    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان العلاقات الثنائية وسبل دعمها    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    إحباط تهريب (50) كجم "حشيش" في عسير    أمانة منطقة القصيم تنفذ مشروع ميدان المعلم ضمن جهود تحسين المشهد الحضري بمحافظة عيون الجواء    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    التوسع في تطبيق مقاييس التوافق قبل الارتباط    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    استخراج هاتف من معدة مريض    «تنظيم الإعلام» توضح 6 سمات للإعلامي الناجح    قبيل زيارة لاريجاني لبيروت.. الرئيس اللبناني: الاستقواء بالخارج مرفوض    العمل على إيجاد حل شامل للأزمة.. مجموعة ثلاثية لتعزيز وقف إطلاق النار في السويداء    الدفاع المدني: حالة مطرية بعدة مناطق حتى السبت    عودة المشرفين والإداريين في 11 منطقة للمدارس    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «مزرعة إنجليزية» تشارك في مزاد الصقور الدولي    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرية المؤامرة والتأويل المفرط
نشر في الوكاد يوم 04 - 09 - 2011

من أهم الأنشطة التي يقوم بها العقل البشري «التأويل». والتأويل بصفة عامة هو ترجمة للإشارات أو الرموز التي «يقدمها» شيء معين أو ظاهرة معطاة وذلك من أجل الوصول على فهم أوفى وأشمل لهذا الشيء أو لتلك الظاهرة. وينبغي علينا ملاحظة أن الشيء ذاته أو الظاهرة نفسها هو من «يقدم» لنا هذه العلامات والإشارات، ولذا فلا يجب أن نضع فيها ما ليس منها أو ما هو غير متصل بها من قريب أو بعيد. إن «الشيء» يقدم لنا نفسه مباشرة، لذا قد يكون من الغريب أن نحاول أن نبحث عن شيء آخر غير حاضر لفهم ما هو مباشر وحاضر أمام الإدراك!، أو بعبارة أخرى: لماذا يلجأ العقل إلى تجاوز ما هو معطى وظاهر إلى ما هو باطن من أجل فهم ذلك الظاهر؟! الحقيقة أن الجواب يطلعنا على إحدى أهم ميزات العقل، وهي عدم الاكتفاء بما هو معطى، والحدس القوي بأن هناك ما هو مستتر. لقد قاده هذا إلى الكشف عن ظواهر ووقائع أدت إلى تطور البشر بطريقة جعلته يتفوق على ما عداه من كائنات. وبالفعل فكل «ظاهرة» لا تظهر كاملة وتامة في لحظة إدراكها، بل إن جزءا أو وجها واحدا من كينونتها أو وجودها هو ما يظهر لنا، وقد أشار هوسرل فيلسوف علم الظواهر أو الفينومينولوجيا إلى هذه الملاحظة وذكر أن هناك سلسلة طويلة من تجليات الظاهرة أو الشيء يجب علينا حدسها كلها وإدراكها كاملة لكي يتم الفهم على المستوى المطلوب، وعلى كل حال فإن هوسرل لم يقل إن علينا أن نخمن لكي نتصور باقي السلسلة بل وضع منهجا علميا للوصول إليها ليس هنا المجال لشرحه.
إن دافع التأويل الذي نشأ من فضول العقل وعدم اكتفائه بما يظهر أمام إدراكه الحسي لهو عامل حاسم في نمو الفكر الإنساني وظهور العلوم والفنون والفلسفات. إننا نعرف أن «الظاهرة الطبيعية» مثلا والتي يشير اسمها إلى كنهها تنطوي على ما هو غير ظاهر للحس وإنما يصل إليه العقل باتباع طرائق ومناهج مدروسة ومعتبرة، وهذا الشيء غير الظاهر للحس هو القانون الطبيعي الذي يحكم الظاهرة ويفسرها. إذن كل شيء أو ظاهرة قابلة للتأويل وبالتالي للفهم والتصور. على أن ثمة فروقا كبيرة بين الظواهر ذاتها تجعل النشاط التأويلي ينقسم إلى قسمين أشار إليهما فيلسوف التأويل الألماني «دلتاي» بقوله:«نحن نفسر الظواهر الطبيعية ونفهم الظواهر النفسية»، وبعبارة أوضح فإن انقسام الظواهر المدروسة إلى طبيعية وإنسانية يجعل التأويل ذاته ينقسم تبعا لهما، فلدينا التفسير المتعلق بظواهر الطبيعة والذي يروم الوصول إلى القوانين الثابتة التي تتحكم بها، ولدينا في الجهة المقابلة الفهم أو التأويل الذي يرتبط بالنشاط البشري وبالظواهر الاجتماعية والنفسية والسياسية. فما هو الفرق الكبير بين الطبيعة والإنسان والذي يجعل العقل يغير من نشاطه عند دراسة هذه أو تلك؟. في الحقيقة أن «الإرادة الحرة» أو حرية الإنسان ووعيه هما المسؤولان عن الاختلاف الجذري هذا. إننا نعرف جيدا أن ظواهر الطبيعة خاضعة لقوانين ثابتة لا تتغير بخلاف النشاط البشري الذي ينبع من الإرادة الحرة، وهذه تلقائية ومتغيرة وهي ما تجعل الإنسان من أكثر موضوعات العلم غموضا وتعقيدا بسبب تقلبه وعدم ثباته. هنا نجد أن التأويل أقل دقة من التفسير العلمي، وإن لم يكن أقل أهمية، فالتأويل ضروري في النهاية للفهم حتى ولو كان فهما نسبيا ومؤقتا، أي أنه مرتبط بزمان ومكان معينين.
التأويل يكثر ويزدهر في المجالات الإنسانية للسبب الذي ذكرناه في المقطع السابق. وفيه أيضا يكثر النقاش والجدل، ففي العلم نجد اتفاقا شبه تام بين العلماء بخصوص كثير من المسائل العلمية، أما في مجال السياسة أو الفن أو الدين أو العلوم الاجتماعية فإن النقاش لا ينتهي لأن التأويل لا يعطي كلمة أخيرة لأحد. ولكن هل يعني هذا أن النشاط التأويلي منفلت ونسبي إلى هذا الحد؟، كلا. فهناك في النهاية نوع من الضوابط التي تعصم التأويل من الانحدار إلى ما يشبه «الفوضى» أو حديث النفس. وأهم ضابط هو أن يرتبط التأويل بالمعطى أو بالحدث. يجب أن تنطلق تأويلاتنا من «الوجه الجزئي» الذي «تقدمه» لنا الظاهرة لفهم باقي الأجزاء مع مراعاة منطق العقل ومبدأ البساطة العلمي الذي ينفر من جلب ما هو غريب لفهم الظاهرة، لأننا لن نعدم وجود من يسرح بفكره ويمرح بعيدا عن «الشيء» المدروس ثم يدعي أنه وصل لفهمه ومعرفته!. إن التأويل ليس مجرد تخمين ولا هو هلوسة. فالهلوسة مثلا بوصفها مرضا عصابيا هي تصور شيء ليس له وجود مطلقا، كأن يظن المرء أن معه في الغرفة رجلا !. بل إنه قد ينطلق من هذا الادعاء ليفسر أشياء كثيرة حدثت له وأدت إلى إخفاقه أو مرضه أو ما شابه!. إن التأويل لأية ظاهرة أو حدث أو شيء أو نص يجب أن ينطلق مما هو معطى أمامه وأن لا يبتعد كثيرا عنه، وللإيضاح فلنأخذ ظاهرة «فشل» طالب من الطلاب في دراسته. بالتأكيد هناك سبب، ولكن هذا السبب متصل اتصالا وثيقا بالحدث (فشل أو رسوب الطالب).. إنه مثلا لم يكن يذاكر دروسه، أو كانت لديه ظروف عائلية منعته من التركيز على المذاكرة.. أو أن لديه سببا عقليا أو نفسيا أدى إلى قصور في الفهم والتذكر وغيرها. هنا لا نزال قريبين من الحدث وهذا هو المنهج العلمي الصحيح، أما من يجيء إلينا بسبب بعيد أو متخيل كأن يقول إن الطالب مصاب بالعين أو بالسحر أو نحوهما فهو ابتعاد عن الظاهرة وهروب من الحقيقة. إن إحالة الظاهرة إلى شيء بعيد عنها ليس من التأويل العلمي في شيء، بل هو تأويل مفرط يشبه ذلك الذي نجده لدى بعض التيارات الغنوصية والباطنية التي تسرف في تفسير الظاهرة وربطها بأسباب بعيدة. إن التأويل المفرط هو المسؤول المباشر عن ظهور ما يسمى في الخطاب الإعلامي بنظرية المؤامرة. إنه ابتعاد مغال عن الظاهرة وربطها بشيء لا علاقة له بها من ناحية واقعية أو عقلية.
نقلا عن عكاظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.